Share Button

بقلم / محمــــــــد الدكــــــــرورى
وقف النبى الكريم – صلى الله عليه وسلم – وهو يودع بلده ووطنه الذى ولد فيه وشاب ونشأ فيه ولكنه سيخرج من هذا الوطن الحبيب الذى أحبه حبا شديدا فنظر الى الارض والى الوطن وقال – صلى الله عليه وسلم – ما أطيبَك من بلدٍ وما أحبَّك إليَّ ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك ..

ما أروعَكِ من كلمات إنها كلمات قالها الحبيب – صلى الله عليه وسلم – وهو يودِّع وطنه، إنها تكشف عن حبٍّ عميق، وتعلُّق كبير بالوطن، بمكة المكرمة، بحلِّها وحَرَمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محمَّلًا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وتربتُها دواء ولو كانت قفارًا …

فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الرقية: (باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا)؛ رواه البخاري ومسلم.

والشفاء في شم المحبوب، ومن ألوان الدواء لقاءُ المحبِّ محبوبَه أو أثرًا من آثاره؛ ألم يُشفَ يعقوبُ ويعود إليه بصره عندما ألقَوْا عليه قميصَ يوسفَ؟!

وكانت العرب إذا غزَتْ، أو سافرتْ، حملتْ معها من تربة بلدها رملًا وعفرًا تستنشقه”.
نعم إنها الأرض التي ولد فيها، ونشأ فيها، وشبَّ فيها، وتزوَّج فيها، فيها ذكرياتٌ لا تُنسى، فالوطن ذاكرة الإنسان، فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه …

ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص إنه يحب وطنه، وهذا من طبيعة الإنسان، فقد فَطَرَه الله على حبِّ الأرض والديار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه ).

نعم إنه يحب مكةَ، ويكره الخروجَ منها، والرسول صلى الله عليه وسلم ما خرج من بلده مكة المكرمة، إلا بعد أن لاقى من المشركين أصنافَ العذاب والأذى، فصَبَر؛ لعله يلقى من قومه رقةً واستجابة، وأقام ورحل، وذهب وعاد، يريد من بلده أن يَحتضن دعوتَه، ولكن يريد الله – لحكمة عظيمة – أن يَخرُج من وطنه الحبيب …

فما كان منه إلا أنْ خرج استجابةً لأمر الله، فدِينُ الله أغلى وأعلى ولكن عندما حانتْ ساعةُ الرَّحيل، فاض القلبُ بكلمات الوداع، وسَكبتِ العينُ دموعَ الحبِّ، وعبَّر اللسانُ عن الحزن وأُخرج من وطنه، أَخرجه قومُه …

وكما قال تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ …

وعندما هاجر إلى المدينة، كان يدعو اللهَ أن يرزقه حبَّها، فمكة وطنه، وحبُّها يملك قلبَه، وهواها فطرة فُطر عليها، كما هو الحال عند الناس؛ لذلك لا يمكن أن يكرهها، وإن أصابه فيها ما أصابه …

وأما المدينة، فهي بلد جديد استوطنه، وشاء الله أن يكون عاصمةَ دولةِ الإسلام الناشئة؛ لذلك كان يدعو الله أن يحبِّبَها إليه؛ كما في روى البخارى ومسلم : (اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ)…

إنه يدعو الله أن يحبِّب إليه المدينةَ أكثرَ من حبِّه لمكة؛ فحبُّ مكة فطرةٌ؛ لأنها وطنه، أما حبُّ المدينة فمنحةٌ وهِبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه أن يحبِّبها إليه حبًّا يفوق حبَّه لمكة؛ لما لها من الفضل في احتضان الدعوة، ونشر الرسالة …

وقد استجاب الله دعاءه، فكان يحبُّ المدينة حبًّا عظيمًا، وكان يُسرُّ عندما يرى معالِمَها التي تدلُّ على قرب وصوله إليها؛ فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (كان رسول الله إذا قدم من سفرٍ، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقتَه (أي: أسرع بها ) وإن كانت دابة حرَّكَها)، قال أبو عبدالله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: (حركها من حبِّها) أخرجه البخاري.

فهذه دعوه الى حب الوطن والمحافظه عليه كما علمنا النبى صلى الله عليه وسلم فى حب وطنه مكه المكرمه ثم حب المدينه المنوره …

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *