Share Button

في آخر رحلة للشاعر محمود درويش إلى أمريكيا ؛ لإجراء عملية القلب ؛ نشر الكاتب والروائي مقال عن آخر محادثة له مع درويش ؛ وما أن سمع درويش صوت صديقه الياس خوري حتى بادره بالسؤال عن رأيه بقصيدته ” لاعب النرد ” ؛ وآجابه خوري ممازحاً ؛ اصبحت كعادة الشعراء ؛ تكتب مثلهم واخبره عن حكاية أبي العلاء المعري . الذي كان في نقده الأدبي يسمي كل الشعراء بأسمائهم ؛ ولكن حين يصل إلى الطيب المتنبي لا يسميه ؛ بل يطلق عليه اسم الشاعر ؛ مع ال التعريف ؛ سمع ضحكته اتية من البعد الأمريكي . وسأله عن الجراحة التي سيجريها في الشريان الأبهر ؛ قال إن الطبيب اكد له انه الخطر لا يتجاوز الواحد في المائة .
هل صدق الشاعر طبيبه ؛ ام قرر الذهاب إلى الموت بدل انتظاره ؟ وبالفعل اختار الذهاب إلى رحلته الأخيرة .
بعد عشر سنين من إجراء عمليته الأولى لشريانه ؛ ظل محمود درويش يعيش في ” حضرة الغياب ” ؛ يقف عاجزا أمام شريانه المعطوب ؛ ويكتب اجمل دواوينه ونصوصه استعداد للموت .
المدهش أن درويش لم يستسلم لخوفه من تكرير نفسه ؛ وانحاز لذهوله بكلامه الجديد وحدسه الشعري ؛ وطراوة زهر اللوز في موسيقى شعره ؛ والماء الذي يرفق كلماته ؛ وأضاف قدرته الواعية لما يقول لتلخيص الشعر العربي الحديث بأسره ؛ قبل أن يرفع أشرعته للسفر إلى كل الشعر من قدماء اليونان إلى نيردوا .
كان فيه شيء من المتنبي الذي لخّص شعر زمنه .
رحيل درويش اعاد لي ذكريات رحيل صديق طفولتي سعد حرب هو الأخر رحل في أمريكيا ؛ عندما يموت أحد الأصدقاء ؛ يموت جزء مني . فكيف لي ان اتحمل مشقة ما تبقى من الأيام وأشهد موت أجزائي .
كاتب فلسطيني

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *