Share Button
رواية ماذا بعد !!
سلافة الأسعد
] سيرة يقظة تبوح ولا تكشف [
قراءة نقدية للكاتب /سليم النجار
متابعة/لطيفة القاضي
قديما نظم زهير بن أبي سلمى قصيدة أشتهر فيها بيت تناقلته الأجيال العربية بين الأزمنة, ذلك الملفوظ بـ :
سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش ………. ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ
وذهب مثلا في معناه, هذا الحضور لمعنى بيت الشعر في رواية ماذا بعد لسلافة الأسعد ! هو أكبر تحد يقدمه إنسان ما زال يعاند ويكابر كما رسمته الأسعد لشخصيتها كاسر العدوان الذي كان يؤمن لا وجود ليقين مسبق في الحياة, والإنسان لا يتصرف دائما بكيفية متوقعة, إذ مهما دحضنا من برامج وامتلكنا يقينيات, فإننا حسب موازين, نبحر في محيط من الشكوك.
وأبحرت الأسعد في هذا المعنى الشعري لأبي سلمى, ورسمت حياة شخصياتها الروائية على متن معناها الخاص, أن الإنسان لا يخضع للحتميات الاجتماعية ومكوناتها, بل ما أكثر ما شبهته بالعبثية الشكسبيرية: ] ارتشفت قهوتي التي بردت وأنا أهيم في عالم آخر بلا حدود لهيامي, بلا هدف يلم بعض شتاتي … ص31[ .
هذا الدرس التي كتبته الكاتبة سلافة, هو أكبر درس من دروس حياة الإنسان, هو الكف عن الاعتقاد بديمومة الحاضر, واستمرارية الآتي, والتوقع للمستقبل, فما أكثر المفاجآت التي تهز حياتنا ] هل تتوقع أن تحضر بعد الذي فعلته بها ص26 [ .
رواية ماذا بعد, تساءلت عبر شخصياتها المتناثرة هل هناك رابطة حقيقية بين الأنا وحقائق الحياة, يسميه الشعري شعرية الحياة, بعبارة السورياليين, التي تولد السعادة وكامنة فيها, وضد نثريتها ونقيض الشقاء مصدر الألم : ] أنا كالحليب عندما يغلي, لكن بنهاية الأمر يبقى أبيض ص27[ .
ناهيك أن معرفة كيف نعيش, ومعناه, درس كبير آخر, حيث ملتقى الفردي والجماعي أي أنا ونحن في وقت: ] لم أكن مصدقة أنني رجعت لبغداد حتى رأيت وجه أبي تعلقت برقبته كطفلة في السادسة عادت لبيتها بعد يومها المدرسي الأول ص201 [ .
وكم جميل أن يجد رابطة حميمية بين الأنا وحقائق الحياة, أنها سردية الحياة, أو إذا ما استشهدنا بها بعبارة السورياليين ” شعرية الحياة ” التي تولد السعادة وكامنة فيها : ] هل ما زال حبك قائما لها؟ هل تذكرني؟ ص216[ .
هذا السرد الذي وظفته سلافة في روايتها “ماذا بعد” هو الوجه الآخر للعلاقات الاجتماعية, أشبه بالتاريخ الشعبي للحياة كما يتصورنها ويتمنونها, وقد يراها البعض من المتلقين شطحة من شطحات الصوفيين وقد يشطح الصوفي في ملفوظاته وأفعاله وما يؤثر عنه من كرامات, ويرجعون هذا الشطح إلى حالة السُكر التي تنتابهم وهي نابعة عن السٌقيا التي عبر عنها عز الدين المقدسي ]ت 660ه-1262 م [ في قوله : ] فإن كنت في سكري شطحت فإنني – حكمت بتمزيق الفؤاد المفتت[ .
هذه السٌقيا هي المعادل الموضوعي للإلهام أو هي الإلهام ذاته الذي يجعل لغة المتصوفة لغة شاعرية, لغة تمنح الأشياء مسمياتها من جديد, فهي غياب حضور اللفظ وحضور غياب المعنى: ] إلى متى سأظل ألزم صمتي الأخرس عن حبك ص 216[.
وظف الأدباء العرب الكرامة في الشعر والنثر, ولعل الكرامات أكثر واقعية – من وجهة نظرهم – قياسا إلى الصفة بيد أن هذا التوظيف جاء للإيمان بالكرامات في أحايين كثيرة كما أنه قد جاء سافراً منها في بعض الأحيان, واستفاد الفن الروائي العربي من هذه التقنية السردية التراثية, وهذا ما استطاعت الكاتبة سلافة توظيفه في روايتها “ماذا بعد” ] ودونك أنا لاجئ بلا وطن …. ضائع أنا يا نبض ص 232 [ .
من المتفق عليه أن اللغة هي ملكية عامة مشتركة بين الجمع, وأن النص هو حامل الرسالة وأدواتها الموصلة, وباستحضار رواية ” ماذا بعد “, لا نجد نسبة طاغية أو مغرافة في العقل اللغوي, كما شاع في الرواية النسوية في الأردن, إن اللجوء إلى هذا التشييد المعقد والمثالي السائد بشكل لاف, لا يبدد أقل سوءاً من الأسلوب التعبيري المبتذل والمسطح السائد في صفوف الجمهور العام الذي يخلف آذانه عند سماعه تلك التعبيرات الفخمة, التي يعتبرها غريبة عن قاموسه اللغوي, وبعيدة عن واقعه اليومي, لذا لا بد من القول نحن بسطاء ومعرفتنا بسيطة, وعلينا دائما تبسيط الأشياء لنفهمها بشكل أفضل, أليس أعظم الفنانين اولئك الذين يمتلكون موهبة التبسيط؟
وهكذا فعلت سلافة باختيار العنوان بهذا التبسيط الذي يجعل المتلقي منذ الوهلة الاولى يشعر أنه أمام رواية يستطيع قراءتها, لتسرق وقته في حياة عادية رتيبة, في يوميا الواقع المتصلب والشاق, وبينما رواية “ماذا بعد” ترنو إلى حياة غير تلك التي خلقت فيها : ] الموت يطير فوق رؤوسنا …… دعونا نلتقي ولو مرة واحدة قبل أن تنفرط سلسلتنا ونفقد بعضنا ص 262 [ .
رواية ” ماذا بعد ” أنعشت تجرب إنسانية في النص ] صاح بي والشرر يتطاير من عينيه وحذرني من التكرار ص192[ .
رواية “ماذا بعد” تجاوزت فكرة الخطأ والوهم عدو المعرفة الدائمتين وخصماهما العنيدان اللذان لا غنى لها عنهما, إذا ما أرادت أن تباشر سعيها الدؤوب نحو إعادة الرؤية واكتشاف المجهول, كما فعلت الكاتبة سلافة الأحمد في سردها, ” ماذا بعد” .
إن رواية الأسعد تتخلق أفكار قد تبدو للمتلقي منذ الوهلة الأولى أنها تناقش فكرة الخير والشر, إلا أنه في حقيقة الأمر القضية أبعد من ذلك بكثير فهي تؤسس لعلاقة ما بين الفكرة, والسلوك الإنساني, والصراع بينهما لتصل لنتيجة ان تلك العلاقات هي علاقات جدلية تخضع لصراع القيم المهيمنة في المجتمع في الزمن والمتن الروائي.
وهذا القول ليس افتراضيا أو دعوة للتفكير بشكل نمطي بل هو سعي إلى إعادة قراءة سلوك الانسان في ظل الظروف غير الموضوعية والطارئة, الأمر الذي ينتج عن هذه العوامل سلوكا غير قابل إلا للتداول في مجتمع قلق.
إن العين الراصدة لسلافة, قد تجعل المتلقي يثير العديد من الأسئلة أولها كيف يكون السلوك في حالة صحية, بمعنى, ان هذا السلوك يخرج من رحم المعتاد في المجتمع , ولا يرفضه, وهذا السؤال يحيلنا إلى سؤال آخر هل يتقبل المجتمع التغيير القادم من قيم ولدت من رجم المجتمع القلق, قد لا نجد إجابات قاطعة لكننا نستطيع القول, أو الاعتقاد, أو الوهم في حالات اليأس إننا أمام أسئلة لا بد من طرحها في عصر يتسابق الزمن فيها مع القيم, وبالفعل حقا “ماذا بعد
قد تكون صورة بنمط رسوم متحركة ‏‏‏شخص أو أكثر‏، ‏كتاب‏‏ و‏نص‏‏
Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *