Share Button

بقلم /سليم النجار

متابعة/لطيفة القاضي

تحاول ” لمى سخنيني ” الحفر في مسببات الإقدام على الفعل / الخطئية والتي كان العقاب فيها متأخرًا لا يبحث عن الأسباب أكثر مما تبحث عن التطهير من الفعل ؛ غير متغافلة عن الظروف المنتجة له ؛ ذلك أنّ الأحداث وصراع الشخصيات المتنازعة نحو الاعتراف هو ما يحكم ” هكَذا صِرت ملاكًا ” أي أنّ لكل شخصية دورها التي هي من تحاول تحديده ؛ فلم يبقَ للمؤلفة من زوايا محدِّدة من خلالها النظرة والتبئير ؛ بما أنَّ هناك / من كان قد حرك الشخصيات التي يجب محاسبتها بدلاً من محاسبة الظروف التي جعلت من تلك الشخصيات في مدار الشّك ؛ وهي أي الروائية بهذا توّجه السردية نحو منطقة الظروف التي انتجت الفعل وليس نحو الشخصية المقدمة على هذا الفعل ؛ باحثة عن الفعل ” التعزيز ” الغائب في حياة الابطال كما هو معتاد في الروايات التي تتناول البطل كأسطورة ؛ بغض النظر عن فعل الصواب أو الخطيئة ؛ : ( – هي ٠٠٠ كائن فضائيّ لا ينتمي إلى الأرض ؛ وجدتها تنام عارية بين الحشائش ص69) ٠

في المخيال القادم من سحيق الثقافة الذكورية المار / الماكث على هذه الأرض،التي يحكي / تكتب عنها الكاتبة ؛ الجسد خطيئة أنثوية بالتحديد ؛ او ليست الخطيئة المؤنثة تتكرر عبر التاريخ ؛ غير مبحوث لها عن اسبابها / دوافعها ؟ ألم يقل ” أوديب ” المعذب ذات مرة أن اعماله ليست من نفسه بل هب مفروضة عليه ؟ إنه واقع العالم لا يتغيَّر الإنسان وتغير الزمان ؛ باق على مكروراته وعلى عقده الساكنة لمخياله ؛ : ( كنت سعيدة بما يكفي لأبقى سابحة في الفضاء ؛ ولكن الرغبة المُلحّة في التجربة قذفتني من ذلك العلوّ الشاهق ص44) ٠

تتعلق رواية ” هكَذا صِرت مَلاكًا ” بمحاولة اختراق الزّمن واقتضاض سرّ الخلود ٠ انها خطة سردية تبدأ بطموح بسيط في الظاهر ؛ ولكنًّها تنتهي بمحاولة اختلاس لغز الزّمن والظّفر بالخلود ٠ يبدو أنَّ البداية تتعلق بمقايضة بسيطة ؛ اجتمعت بالسيرة ٠ لكنَّ هذه المقايضة تُخفي في داخلها مشروعاً خطيرًا ؛ : ( ثم جاءتني فكرة وكأنها الوحي ؛ ابحثي عن جسد يناسبك ٠ فانطلقت في رحلة بحث طويلة ٠ الزمن لم يكن يعني لي شيئًا ٠ اصعد واهبط به بغير حساب ٠ الزمن كان لي مساحة مفتوحة على كل المفاجأت ص17) ٠

نحن جميعا نتحاشى السُؤال عن معنى ” السيرة ” التي في احد تجلياتها الموت ٠٠ ( القبر ) ؛ مع أنَّنا نعرف في النهاية التي نستقرّ فيه ٠ ولكن نرفض هذه الحقيقة ؛ رغم انها واقع معاش ؛ ومع ذلك نودِّع هذا الواقع ؛ من اجل الأستمرار وحب البقاء ؛ هذا التضارب والتناقض هو سرّ الحياة ؛ خاصة إذا ما وقفنا عند قبوربهم ونكلهم ؛ ونسترجع ذكرياتنا معهم ؛ كأنمِّا لم يفارقوا قبورهم بعد ؛ ( انا وانت ٠٠٠ نلهو بالزمان فترتب أقدارنا كيفما شئنا ٠٠٠نمنح الآمال ؛ ونحجب الأحلام ٠٠٠ نكتب النوايا كلمات على جدران السماوات ٠٠٠ ونبكي ٠٠٠ دموعنا امطار زرقاء وخضراء ٠٠٠ ونضحك ٠٠٠ فترقص حوريّات الجنان ٠٠٠ نلوّن العشب بالأحمر والسماء بالأخضر ٠٠٠ فلا حدود للجنون ٠٠٠ ص81 ) ٠

تتمرد العوالم السردّية في نص ( لمى سخنيني ) من انهيار ” هكَذا صِرت مَلاكًا ” ؛ إلا أن الذوات الراوية لا تدينه على ضوء حاضره المهزوم ؛ بل تدينه على ضوء الماضي المتحرّرة ؛ ماضي الشهوة ومزالق الشبقية ؛ غياب في النهاية إلى تسوية ؛ : ( – كيف عدتِ ؛ او احد أحلامي التي لم تذبح بعد ؟ ص96) ٠

تتمرد الروائية ” لمى سخنيني ” على التقليد الأدبي المعهود في الكتابات التأريخية السردية وتسائل التراث وتسائل من خلاله الذَّوات من خلال قاسم مشترك بين ذاتها الكتابية وذات الجماعة ؛ من خلال توجيه نقد لاذع للذات ؛ على اعتبار أن الأنتماء إلى الجماعة يمنح قدرة هائلة لنقد الذات ٠ وما كان لها ان تحقق ذلك لولا حدوث انزياح لوعيها وهو تمثيل الذات الجماعية انطلاقًا من وعي شفاهي مستنسخ من ذوات التاريخ المتعالي براس مال رمزي على بقية الذوات ؛ هذا الأنزياح عن موقع التمثيل كان نتيجة بروز وعي روائي تتبلور ؛ نتيجة الكشف عن البعد المساهم في بناء الهوية الثقافية للذات الجماعية المتخيلة ؛ ذلك البعد اتاح كشفُه تموقعًا مختلفًا نسبيًا مكنها من تناسي الذات الفردية واختلاف ذات جماعية متخلية ؛ لهذا فقد كانت سرديات الذات في ” هكَذا صِرت مَلاكًا ” تكتب عن الألم الحماعي من خلال ألم رمزي ذاتي وتعبر عن هموم ؛ : ( همس :

– لماذا تتجهّزين للرحيل ٠ لم يئن وقت الرحيل بعد ٠ ارجعي إليّ ص31 ) ٠ والذي لا يبدو مسيطرًا على الحكي مثل العادة في الأدب السيري ؛ بل إنَّه يتراجع فاسحًا المجال أمام حضور الصراع من اجل الأعتراف ؛ والأعتراف هنا متشكل من شخصيات متعدَّدة تسرد / تحكي ما تريد / ولكن بما انها ليست جوهرًا بل تموقعًا في سبيل كتبنة العالم / الثقافة ؛ وهنا يقول ” واين ٠ سي ٠ بوث ٠ ” ” أما في التخييل ؛ فما ان نصادف ضميرًا للمتكلم حتى نعرف أنّ هناك ذْهنا نشطا سيتوسط بيننا – نحن القراء وبين الحدث ” ؛ ومنه ما عاد بالإمكان – والحديث عن الأعتراف فيه – الحديث عن نوع من الوقائع أو التقارير بل ؛ إنَّه محكي السرديات بالأحداث ؛ ذلك ان التاريخ مروية سردية ٠

كلما ذكر مفهوم الاعتراف في الفكر العربي بالعموم والأدب بالخصوص إلاّ ونجد أنّه يرتبط بالمباشرة مع مفهوم التطهير ؛ متماهيًا مع الإقرار بالذنوب والمزالق ؛ لمى سخنيني في روايتها ” هكَذا صِرت ملاكًا تجاوزت كل هذه الأيقونات وقدّمت ايقونتها الخاصة بها ٠

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *