Share Button

سنين عمان…..

 

مع الشاعر الذي لا ينكسر حميد سعيد 

 

مراجعة: هاني علي الهندي * 

عن دار الألفية والنشر والتوزيع في عمان- صدر حديثا الطبعة الثانية من كتاب (سنين عمان مع الشاعر حميد سعيد) للكاتب الناقد سليم النجار، يتكون من ٢٥٦ صفحة من القطع المتوسط. 

قام الكتاب على شكل محاورات وحوارات صحفية كشفت عن شخصية حميد سعيد الشاعرة المحملة بالثقافة وسعة الاطلاع بأسلوب أدبي حائر بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية و المذكرات والذكريات والمقالات الثقافية المتنوعة؛ الأدبية والفكرية والسياسية، كتاب تجد فيه التحقيق الصحفي والمقال الصحفي والشعر والنقد فهو كتاب تجد فيه شيئا من كل شيء.

لم يجعل النجار للكتاب فصولا وأبواب، إنما أخذنا في رحلة ثقافية مع الشاعر حميد سعيد، ننتقل فيها من موضوع لآخر ومن مكان إلى مكان وقد نعود للموضوع الواحد أكثر من مرة لاستكمال الحديث أو الحوار، بعيدا عن التكرار الممل مثل الحديث عن كتاب الشمعة والدرويش، وما يكتبه في العمود الثقافي في الرأي الثقافي  

وكان الشاعر حميد سعيد قد وصل إلى عمان في منتصف عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق، كما قدك الكتاب جزءا من معاناته قبل الحصول على الإقامة الدائمة بفضل مساعدة بعض الأشخاص ، (ص156) فآثر أن يعيش في عزلة غير مبررة قبل أن يخرج ويتعرف على عمان وشوارعها ومقاهيها شبه الثقافية 

عرض الكتاب بعض آراء حميد سعيد في بعض القضايا الأدبية والفكرية والسياسية والاجتماعية، فهو يرى أن تتوخى الدقة التامة فيما يقال عن حياة مبدع راحل لم يعد قادرا على تصحيح ما يقال عنه. ص85 

كما تحدث عن التناقض بين الديمقراطية في الغرب الليبرالي وما وصلت إليه من تشريعات في حقوق الإنسان والحيوان والطبيعة والبيئة وبين التمسك بثوابت مركزية منحرفة.  

فهو يرى أن التعصب لا يقود إلا إلى التعصب وهو خطأ يقود إلى أخطاء كما ورد في مقالته “المركزية الغربية والهوة المظلمة” وهو ما حدث ويحدث في العراق بفعل عدوانية المركزية الغربية وما حدث من قبل في فلسطين. ص98 

وتحدث عن القصيدة الواحدة كقصيدة ابن زريق البغدادي التي يقول فيها: 

لا تعذليه فإن العذل يولعه قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه.

ويذكر لقاءه الجميل في بغداد مع الدكتور ناصر الدين الأسد، الذي فسر(فلك الأزرار) باسم محلة من محلات بغداد، ص29 وبعد البحث من الشاعر والدكتور كل على انفراد وبدون تنسيق مسبق يشير الشاعر إلى رسالة الدكتور ناصر الدين الأسد التي نشرت في جريدة الرأي يعترف فيها بتواضع أن «فلك الأزرار» استدارة القميص حين تفتح أزراره.ص52 

كما ذكر قصيدة الفارعة الشيبانية في رثاء أخيها الوليد التي قالت فيها: 

أيا شجر الخابور مالك مورقا 

كأنك لم تحزن على ابن طريف. ص35 

كما تضمن الكتاب بعض المقالات الأدبية والنقدية للشاعر التي تم اجتزاؤها من مقالاته في صحيفة الرأي فكتب عن رواية (مفتاح الباب المخلوع) للشاعر راشد عيسى أكثر من مرة، ويقول في محمد طمليه: إن علاقتي كقارئ بطمليه المبدع قديمة نسبيا، فمنذ قرأت مجموعته القصصية الأولى “المتحمسون الأوغاد” أدركت أن موهبة استثنائية يدخل بها هذا الكاتب عالم الكتابة. ص70 

قرأ حميد سعيد المشهد الثقافي الأردني من خلال علاقاته مع الشعراء والأدباء الأردنيين، مثل خالد محادين وعبد الرحيم عمر وخيري منصور والياس فركوح وفخري قعوار وراشد عيسى وسليمان عويس وغيرهم، وارتبط بعلاقات أسرية مع الشاعرة مريم الصيفي والسيدة نوال عباسي. 

من يقرأ كتاب سليم النجار يكتشف أن الشاعر حميد سعيد موسوعة ثقافية شاملة متنقلة، قارئ للتراث العربي القديم، على سبيل المثال كتب العمدة لابن رشيق ، والبيان والتبيين للجاحظ, وألف ليلة وليلة، وطوق الحمامة وديوان أبي نواس وأبن الرومي وأبي العلاء المعري، وغيرها، كما قرأ كتاب “رحلة الوزير في افتكاك الأسير” للوزير محمد بن عبد الوهاب الأندلسي، وذكر فيه نادرة من النوادر وهي مقايضة الأسرى الأسبان بالأسرى والمخطوطات العربية، وتتبع المخطوطات العربية في مكتبة الأسكوريال بمدريد، وتاريخ الطرب الأندلسي، وفنون الغناء العربي، كما يتحدث عن الفن التشكيلي. 

كما يعرض النجار مواقف وآراء حميد في الأدب العالمي مثل الكاتب الروسي الكسندر سولجنستين، صاحب “جناح السرطان” وماريو فارغاس يوسا ودستويفسكي وغيرهم، وفي بعض الأحيان تراه يعرض بعض الكتب التي قرأها مثل كتاب “مصادر دراسة التاريخ الإسلامي” للفرنسيين جان سوفاجيه وكلود كاين. 

كما سلط النجار في كتابه على علاقة الشاعر سعيد بالقضية الفلسطينية وشعبها، فيقول النجار: “قد سمعته يتحدث في الشأن الفلسطيني ناقدا أو مؤيدا أو متأسيا، بثبات واطمئنان، بلا خشية أو مجاملة، وكان على ثقة بنفسه في هذا الشأن أكثر بكثير من حركيين فلسطينيين عرفتهم وعشت معهم” ص171. 

كما تحدث الشاعر عن اطلاعه على الأدب الفلسطيني وعلاقاته مع الأدباء والشعراء الفلسطينيين أمثال رشاد أبو شاور والشاعر خالد ابو خالد. 

 كما أثار النجار قضية الكتب التي تهدى للشاعر فسأله عن سبب التخلص منها بإهدائها لأصدقائه بعد قراءتها فكانت إجابته أولاً: لا مكان في الشقة لإقامة مكتبة أو للتوسع فيها، وثانياً: هو قرار سببه، كوني أنشأت مكتبة جيدة خلال إقامتي في مدريد، ويوم انتقلت إلى المغرب، وزعتها على أساتذة وطلبة الدراسات العربية، ولم أحمل معي سوى” ديوان المشنوي” وبقيت بعد ذلك سواء كنت في الرباط أو في بغداد، أحس بشيء من الأسى كلما احتجت إلى كتاب من الكتب التي وزعتها حين غادرت مدريد، لذا لا أريد أن أكرر تلك التجربة. 

 أهمية الكتاب: 

استطاع النجار أن يسلط الأضواء على مسيرة الشاعر حميد سعيد من كافة الجوانب وبأساليب وأجناس أدبية مختلفة، بعيدا عن التكرار الممل، فهو كتاب شامل يساعد المهتمين والباحثين والدارسين لحميد سعيد؛ الشاعر والإنسان والمثقف والسياسي العَروبي. 

وإذا كان الكتاب قد كشف تفاصيل دقيقة في حياة الشاعر حميد سعيد وشخصيته، فإنه كشف عن براعة سليم النجار كصحفي وباحث ودارس، يعرف أصول مهنته.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *