Share Button
إنه لما بدأ الضعف يدب في جسم الدولة العثمانية، التي ظلت تحمل راية الإسلام في وجه الأعداء عدة قرون، وبسبب البعد عن تعاليم الإسلام، وعدم الأخذ بالأسباب في جوانب الحياة، والثقة الزائدة بالنفس، وعدم الاكتراث بالأعداء، وفي المقابل كان العدو المحيط بالدولة، يتربص بها الدوائر بكل جهده في إعداد نفسه ليثأر لكرامته بعد تجرع كأس الذل بفتح القسطنطينية، وتحويل أكبر كنيسة بها إلى مسجد، فلما أحس بعض سلاطين آل عثمان بالخطر، وفي مقدمتهم محمود الثاني، حاول أن ينهض بالدولة، وكان يوقن إيقانا تاما أن أوربا لا يمكن أن تضرب وترد إلى ديارها إلا بسلاح أوروبي، وبغير هذا لا يستطيع الشرق أن يقف أمامها ويوقف زحفها، وبهذا بذل جهده، وحاول بكل الوسائل أن يحقق لبلده المستوى الحضاري الأوروبي.
كي يستطيع مقابلة هذا الخطر الداهم، ويكون لديه إمكانية ردعه، والوقوف أمامه، وكان ينقص هذا دراسة أحوال وظروف الشعب الذي أرادوا رفع مستواه، فمما لا جدال فيه حتمية وجود أرض خصبة، لبذر هذه الحضارة، وإلا يبست قبل أن تنبت، ويعتريها الذبول إن نبتت بين شعب لا يملك مقومات رعاية الحضارة، وليست لديه رغبة تقبلها أي لا بد من وجود عوامل تتناسب مع إرادة التطور، وتساعد على دفعها ورعايتها، فحياة شعوب الشرق اتسمت بالجمود، لا تعرف له بديلا، ولم يكن من السهل إثناء الشعب عما اعتاده، أو تغيير هذه العادات، فمحمود الثاني حاول وضع الحضارة الأوروبية على أرز شرقي يبس وتحجّر، وصار غير مستساغ، ولقد قام الحكام بعملين يتطلعون من ورائهما إلى النهوض بالأمة.
وهو إرسال بعثات إلى الغرب، ولقد حاول الحكام إرسال بعض الشخصيات، كي تتزود بخبرة الغرب، وتأتي وهي مزودة بالعلم والحضارة، ولكن هذه الشخصيات ذهبت وهي مفرغة من عقيدتها، فكان من السهل أن تتلقفهم المحافل الماسونية، ومن ثم فقد وقعوا فريسة في أيدي أعداء الإسلام، وقاموا بإعدادهم كي يقطع الشجرة أحد فروعها، ومن ثم فقد عادت هذه الشخصيات وهي متنكرة لا تحمل لأمتها انتماء، وإن ركن المعلم في العملية التعليمية لا يقل أهمية عن ركني المنهج، والتلميذ، ولمكانة المعلم وأثره في بناء المجتمع، فقد حث الإسلام على احترامه وتكريمه، إذ بدون احترامه وتكريمه لن يخرج ما عنده من علوم ومعارف، ومما لا شك فيه أن عدم احترامه، ومن ثم عدم نصحه.
يحدث انقطاعا في التراكم الثقافي بين أجيال الأمة، ولا يخفى أثر هذا الانقطاع على تقدم الأمة وتحضرها، ولعل هذا الأمر هو الذي جعل الحكومات الواعيةَ الجادة في إيجاد نهضة حقيقية تبدأ أولا بإعطاء المعلم مكانته في المجتمع، ونحن في هذا الصدد نتذكر على الفور اليابان تلك الدولة التي ضربت بالقنبلة الذرية، وبالرغم من ذلك تصبح في مدة عقدين من الزمان من أكثر دول العالم تقدما، وما ذلك إلا لأنها اهتمت بالمعلم، ومما لا شك فيه أن هذا الوضع المزري للمعلم أدبيا وماديا أدى بالطبع إلى غياب الاحترام والتقدير اللذين كان يحظى بهما في الماضي، ومما ساعد على انتشار هذه الظاهرة وهى عدم احترام المعلم ما حاولت المؤسسات التعليمية تقريره وهو منع التأديب المتمثل في الضرب غير المبرح.
بل وأصبح تأنيب الطالب وزجره وتقويمه جريمة نكراء، فكان لا بد أن تبدأ ظاهرة التطاول على المعلم، بل وصل الأمر إلى الاعتداء عليه داخل المدرسة أو خارجها، بل ربما يقف المعلم أمام القضاء كسائر المجرمين لأن طالبا قد اشتكاه، ومما لا شك فيه أن هذا الوضع يصرف المعلم عن الاهتمام بأداء واجبه، ومن ثم تتقوض أسس التربية، وقواعد الأخلاق، وينقطع سيل التراكم المعرفي، فتتخلف الأمة عن ركب الحضارة.
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏جلوس‏‏ و‏منظر داخلي‏‏
محمد احمد محمدان
تمت المشاهدة بواسطة ٥
أعجبني

تعليق
إرسال
Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *