Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

لقد عاش النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في مكة وحيدا شريدا، يبحث عن النصرة، ويتطلع إلى المناصرين، فلم يجد أمة تنصره، ولا قبيلة تؤازره، وكان أصحابه مستضعفين مستذلين، تطالهم يد الباغي، وتنهشهم سهام الظالم، ومن نجا اليوم لم ينج غدا.

حتى أكرمه الله عز وجل بالصحابه الكرام ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : “بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم بين أيديكم وأرجلِكم، ولا تعصوني في معروف؛ فمن وفَّى منكم، فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه“ ، فبايعوه على ذلك.

وكان من الصحابة الكرام ذاك الفارس الحكيم أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو الدرداء رضي الله عنه من آخر الأنصار إسلاما، وكان يعبد صنما، فدخل ابن رواحة ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهما بيته فكسرا صنمه، فرجع فجعل يجمع الصنم، ويقول: ويحك ، هلا امتنعت ، ألا دفعت عن نفسك ، فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد، دفع عن نفسه ونفعها.

وهو عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي، صاحب الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وكان آخر من أسلم من الأنصار، وله مكانة ومنزلةٌ خاصةٌ عند النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان أبو الدرداء أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن كاملا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام .

وكان للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، أثرا كبيرا في تربية أبي الدرادء، وأوصاه أكثر من مرة بالأعمال التي تحقق له مصلحته في الدنيا والآخرة، وكان أبو الدرداء رضي الله عنه زاهدا في الدنيا، عالما قاضيا، خائفا خاشيا من الله تعالى، حريصا على الأخوة في الله، حريصاً على دعوة الإسلام.

وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول ، أعوذ بالله أن يأتي علي يوم لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، كان إذا لقيني مقبلا ضرب بين ثديي، وإذا لقيني مدبرا ضرب بين كتفي، ثم يقول: يا عويمر، اجلس فلنؤمن ساعة ، فنجلس فنذكر الله ما شاء، ثم يقول: يا عويمر، هذه مجالس الإيمان.

ولما قيل لأبي الدرداء رضي الله عنه: ألا تبغض أخاك وقد فعل كذا؟ قال: “إنما أبغض عمله وإلا فهو أخي ، وأخوة الدين أوكد من أخوة القرابة” وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: “إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي، أسميهم بأسمائهم”.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ما يسرني أن أقوم على الدرج من باب المسجد فأبيع وأشتري فأصيب كل يوم ثلاثمائة دينار أشهد الصلاة كلها في المسجد، ما أقول: إن الله لم يحل البيع ويحرم الربا، ولكن أحب أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.

وقد قال أبو الدرداء: أعدي لي ماء في المغتسل ، فاغتسل، ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فنظر إليه ابن رواحه رضي الله عنه مقبلا، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أبو الدرداء، وما أراه إلا جاء في طلبنا ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” إنما جاء ليسلم، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم “.

ولأبي الدرداء رضي الله عنه المكانة العالية والمنزلة المرموقة بين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: ” نعم الفارس عويمر “. وقال عنه أيضا صلى الله عليه وسلم ” هو حكيم أمتي “.

عن الضحاك قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه: يا أهل دمشق، أنتم الإخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء، ما يمنعكم من مودتي، وإنما مؤنتي على غيركم، ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجُهّالكم لا يتعلمون، وأراكم قد أقبلتم على ما تُكفّل لكم به ، وتركتم ما أمرتم به .

ألا إن قوما بنوا شديدا، وجمعوا كثيرا، وأمَّلوا بعيدا، فأصبح بنيانهم قبورا، وأملهم غرورا، وجمعهم بورا، ألا فتعلّموا وعلِّموا ، فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في الناس بعدهما “.

وعن يزيد بن عميرة قال: لما حضرت معاذ بن جبل رضي الله عنه الوفاة، قيل له: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا. فقال: ” التمسوا العلم عند عويمر (أبي الدرداء) فإنه من الذين أوتوا العلم”. وقد ولي أبو الدرداء رضي الله عنه قضاء دمشق، وكان من العلماء الحلماء الألبَاء.

وقد كان رضي الله عنه أحد أربعة جمعوا القرآن كله في عهد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فهن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ” مات النبى صلى الله عليه وسلم ، ولم يجمع القرآن غير أربعه ، وهم أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت وأبو زيد ” رواه البخارى .

وعن رجل من النخع قال: سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه حين حضرته الوفاة قال: أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، واعدد نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم ، فإنها تستجاب، ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين العشاء والصبح ولو حبوًا، فليفعل “.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: “أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: أضحكني مُؤمل دنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك بملء فِيه ولا يدري أرضي الله أم أسخطه؟ وأبكاني فراق الأحبة محمد وحزبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي الله، ولا أدري إلى الجنة أم إلى النار؟ .

وكان للنبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم الأثر الأكبر في تربية أبي الدرداء رضي الله عنه، وقد كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يوصيه كثيرا بما يجلب عليه الخير في الدنيا والآخرة ، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر ” رواه مسلم .

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يقوم من جوف الليل، فيقول: ” نامت العيون وغارت النجوم وأنت حى قيوم ” وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “لأن أقول: الله أكبر مائة مرة أحب إليَ من أن أتصدق بمائة دينار”.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على المنبر، فخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أبيّ بن كعب، فقلت له: يا أبيّ، ومتى أنزلت هذه الآية؟ قال: فأبى أن يكلمني ، ثم سألته، فأَبَى أن يكلمني حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبيّ رضي الله عنه: ما لك من جمعتك إلا ما لغيت ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته .

فقلت: أَي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنك تلوت آية وإلى جنبي أبيّ بن كعب، فقلت له: متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني، حتى إذا نزلت زعم أبيّ رضي الله عنه أنه ليس لي من جمعتي إلا ما لغيت ، فقال: ” صدق أبيّ، إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ ”

وروي أن أبا الدرداء رضي الله عنه كتب إلى سلمان: “يا أخي، اغتنم صحتك وفراغك قبل أن ينزل بك من البلاء ما لا يستطيع العباد رده، واغتنم دعوة المبتلى ، يا أخي، ليكن المسجد بيتك ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” المساجد بيت كل تقي” .

وقد ضمن الله لمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله عز وجل ، ويا أخي، ارحم اليتيم وأدنه وأطعمه من طعامك ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وقد أتاه رجل يشتكي قساوة قلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أتحب أن يلين قلبك ؟”

فقال: نعم ، قال: ” أدن اليتيم منك، وامسح رأسه وأطعمه من طعامك ، فإن ذلك يلين قلبك وتقدر على حاجتك ” ويا أخي، لا تغترن بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنا عشنا بعده دهرا طويلا، والله أعلم بالذي أصبنا بعده “.

وروي عن الواقدي أن أبا الدرداء رضي الله عنه توفي في السنة الثانية والثلاثين للهجرة النبوية، فى زمن عثمان بن عفان، في دمشق، ورُوي أنه توفي في السنة الحادية والثلاثين في الشام، وقيل سنة أربعٍ وثلاثين أو ثلاثٍ وثلاثين، والصحيح أنه توفي زمن خلافة عثمان حيث كان قاضيا لمعاوية، وكانت وفاته قبل مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه بعامين

وعن أم الدرداء رضي الله عنها أن أبا الدرداء رضي الله عنه لما احتضر جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ ثم يقول: ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مره ) ومات أبو الدرداء رضي الله عنه

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *