Share Button

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

لقد تميز جيل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بأنه كان أفضل الأجيال على الإطلاق، فقد سخر هذا الجيل العظيم جهوده من أجل دعوة الناس إلى دين الله عز وجل، ونشر رسالة الإسلام في ربوع المعمورة، كما توفرت في شخصيات هذا الجيل كثير من الصفات والفضائل التي أهلته لأن يحوز تلك المكانة العظيمة في التاريخ الإسلامي .

ولقد وصف الله سبحانه وتعالى صحابة رسول الله في كتابه العزيز بعدة صفات من بينها أنهم أشداء على الكفار، رحماء بينهم، كما حفلت كتب السير بكثير من المواقف والأحداث التي كشفت عن صفات كثيرة لهذا الجيل ، ومن صحابة هذا الجيل هو الصحابى صهيب الرومي ، وهو صهيب بن سنان بن مالك الرومي .

وعُرف بحمرة بشرته، وهو عربي على عكس ما يظن الكثير من الناس، فأصله من بني نمر بن قاسط في اليمن، وأمّه من بني تميم، وهو معروف بالرّومي ، لأن الروم سبته صغيرا، فتربى في ديارهم، وأخذ عنهم لسانهم، اشتراه تاجر من العرب، فأتى به مكة، وباعه لعبد الله بن جدعان الذي أعتقه من حياة الرق .

وفي أوائل أيام البعثة بايع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان من السابقين إليه، وحسنت سيرته بين الصحابة، وكانت له قصص مشهودة في إشهار إسلامه، وصبره على أذى المشركين، وفي هجرته وجهاده مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان ممن اعتزلوا فتنة مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه حتى وفاته سنة ثمانيه وثلاثون من الهجره

وصهيب بن سنان بن مالك ويقال عنه هو خالد بن عبد عمرو بن عقيل، وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم، وهو الرومي قيل له ذلك؛ لأن الروم سبوه صغيرا ، وقيل أنه كان أبوه وعمه على ( الأبلة ) من جهة كسرى، وكانت منازلهم على دجلة من جهة الموصل، فنشأ صهيب بالروم فصار مثلهم ، ثم اشتراه رجل من كلب فباعه بمكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان التميمي، فأعتقه.

وكان صهيبا جوادا كريم العطاء ، وكان ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله ، ويعين المحتاج ويغيث المكروب ، ويطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ، حتى أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فقال: “أراك تطعم كثيرا حتى أنك تسرف” فأجابه صهيب: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “خياركم من أطعم الطعام ورد السلام” فذلك الذي يحملني على أن أطعم الطعام.

ولقد كان والده حاكم (الأبلة) ووليًا عليهـا لكسرى، فهو من العرب الذين نزحوا إلى العراق قبل الإسلام بعهد طويل، وله قصـر كبير على شاطئ الفرات، فعاش صهيب طفولة ناعمة سعيدة، إلى أن سبي بهجوم رومي، وقضى طفولته وصدر شبابه في بلاد الروم، وأخذ لسانهم ولهجتهم، وباعه تجار الرقيق أخيرا لعبد الله بن جدعان في مكة وأعجب سيده الجديد بذكائه ونشاطه وإخلاصه.

وكانت نتيجة إعجاب سيده بذكائه ونشاطه وإخلاصه أعتقه وحرره وأخذ يتاجر معه حتى أصبح لديه المال الكثير ، ويقول عمار بن ياسر رضى الله عنه ، لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، فقلت له: ماذا تريد؟ فأجابني: ماذا تريد أنت؟ قلت له: أريد أن أدخل على محمد صلى الله عليه وسلم ، فأسمع ما يقول. قال: وأنا أريد ذلك.

فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا، ونحن مستخفيان فكان إسلامهما بعد بضعة وثلاثين رجلا ، وعن ابن عباس رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “السباق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبشة، وسلمان سابق الفرس”.

وكان عندما هم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالهجرة، علم صهيب به، وكان من المفروض أن يكون ثالث الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضى الله عنه ، ولكن أعاقه الكافرون، فسبقه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وحين استطاع الانطلاق في الصحراء، أدركه قناصة قريش، فصاح فيهم:

“يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجل، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي، حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا إن شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وتتركوني وشأني”.

فقبل المشركين المال وتركوه قائلين: أتيتنا صعلوكا فقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك وبمالك ، فدلهم على ماله وانطلق إلى المدينة، فأدرك الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء ، ولم يكد يراه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ناداه متهللا: “ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى”، فقال: يا رسول الله، ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبريل.

فنزل فيه قول الحق سبحانه وتعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) سورة البقرة ، وفي المدينة أخا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، بينه وبين الحارث بن الصمة من الأنصار، وأبدى الصحابي صهيب الرومي شجاعة فريدة في جهاده مع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فشهد جميع غزوات الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وكان ممن يلزمون النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أثناء القتال.

وظل الصحابي صهيب الرمي مقيما في المدينة بعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، ونال إجلال واحترام جميع الصحابة، وعندما طعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أناب صهيبا مكانه ليصلي في الناس إلى أن يختار مجلس الشورى من يخلف عمر بن الخطاب، وحين حدثت الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان بن عفان فضّل الصحابي صهيب الرومي اعتزال الفتنة واجتنب الخوض فيها إلى أن توفي ودفن في البقيع.

وروى البغوي من طريق زيد بن أسلم، عن أبيه خرجت مع عمر بن الخطاب حتى دخلت على صهيب بالعالية فلما رآه صهيب قال: يا ناس يا ناس. فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين: ما له يدعو الناس؟ قلت: إنما يدعو غلامه يحنس، فقال له: يا صهيب ما فيك شيء أعيبه إلا ثلاث خصال .

أراك تنتسب عربيا ولسانك أعجمي، وتكنى باسم نبي وتبذر مالك ، قال: أما تبذيري مالي ، فما أنفقه إلا في الحق، وأما كنيتي فكنانيها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما انتمائي إلى العرب فإن الروم سبتني صغيرا، فأخذت لسانهم، ولما مات عمر بن الخطاب رضى الله عنه أوصى أن يصلي عليه صهيب، وأن يصلي بالناس إلى أن يجتمع المسلمون على إمام.

وكانت حياة صهيب مترعة بالمزايا والعظائم، فإن اختيار عمر بن الخطاب إياه ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألفة وعظمة ، فعندما اعتدي على أمير المؤمنين وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر ، وعندما أحس نهاية الأجل، فراح يلقي على أصحابه وصيته وكلماته الأخيرة ثم قال: ” وليصلّ بالناس صهيب”.

ولقد اختار عمر بن الخطاب يومئذ ستة من الصحابة، ووكل إليهم أمر الخليفة الجديد ، وخليفة المسلمين هو الذي يؤمهم في الصلاة، ففي الأيام الشاغرة بين وفاة أمير المؤمنين، واختيار الخليفة الجديد، يختار من يؤم المسلمين في الصلاة ، وإن عمر بن الخطاب وخاصة في تلك اللحظات التي تأخذ فيها روحه الطاهرة طريقها إلى الله ليتأنى ألف مرة قبل أن يختار ، فإذا اختار، فلا أحد هناك أوفر حظا ممن يقع عليه الاختيار.

ولقد اختار عمر بن الخطاب رضى الله عنه صهيبا ، واختاره ليكون إمام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد بأعباء مهمته ، واختاره وهو يعلم أن في لسانه عجمة، فكان هذا الاختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح صهيب بن سنان.

ويتحدث صهيب الرومى رضى الله عنه ، عن ولائه للإسلام فيقول: ” لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مشهدا قط، إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضره، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضره، ولا غزا غزاة قط ، أول الزمان وآخره، إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله صلى الله عليه وسلم .

وما خاف المسلمون أمامهم قط، إلا كنت أمامهم، ولا خافوا وراءهم، إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدو أبدا حتى لقي ربه” وكان إلى جانب ورعه خفيف الروح، حاضر النكتة، فقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل رطب، وكان بإحدى عينيه رمد، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ضاحكا: ” أتأكل الرطب وفي عينيك رمد” فأجاب قائلا: ” وأي بأس؟ إني آكله بعيني الأخرى .

وبسبب طول ملازمته للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، والصحابة رضوان الله عليهم كانت له رواية للحديث عنه عليه الصلاة والسلام ، وعن عمر بن الخطاب، وعن علي بن أبي طالب، وقد روى عنه عدد من الصحابة، وجمع من التابعين، وحسُنت روايته

واعتمدها علماء الحديث لفضله وحسن سيرته التي دفعته لتحرّي الصواب والأخذ بالحكمة في كلّ موقف، ولهذا فقد التزام بيته حين وقعت الفتنة بعد مقتل عثمان، ولم يحمل سيفا، ليبقى متعبدا لله، يبحث عن مواضع الفضل والكرم والجود والإنفاق في سبيل الله حتى توفاه الله

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *