Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن الله عز وجل قد أبان لنا الطريق، وأوضح لنا السبيل، فمن أراد الجنة وسعى لها سعيها، فأولئك كان سعيهم مشكورا، وسيلقون جزاءهم عند من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وسيضاعف تبارك وتعالى أعمالهم، فالحسنة بعشر أمثالها ، وأما من تغافل عن أمر آخرته، وشغلته الحياة الدنيا بمباهجها ومفاتنها، وأنسته هول يوم القيامة

وما أعد الله فيها للمتقين ، من نعيم مقيم، وجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ، فإن الأمر عظيم، والخطب جسيم، ووراء اليوم يوم أشد منه وأجسم وأعظم، فاغتنموا الوقت، وخذوا من صحتكم لمرضكم، ومن شبابكم لهرمكم، ومن دنياكم لآخرتكم، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور .

فيجب على كل إنسان أن يعلم بأن الله عز وجل ، خلقنا ورزقنا وربانا وهدانا إلى الإسلام، وأنه قد أغدق علينا نعمه، فيجب أن نرعى نعمه، وأن نستسلم له بالطاعة، وأن نخلص أنفسنا من أدران الشرك، وأن نمتثل أوامره فننتهي عما نهانا عنه، ونبادر إلى طاعته في أداء ما افترض علينا سبحانه وتعالى .

من أداء العبادات المفروضه ومن أداء الصلوات في أوقاتها فهي رأس الأمر، وبصلاحها يصلح دين المرء، وبفسادها وتأخيرها عن أوقاتها يهلك المرء ، لأن الشر يجر إلى الشر، فأدوا ما افترض الله عليكم، وحاسبوا أنفسكم في الدنيا، فإنكم ستحاسبون في الآخرة .

وإن سورة التكاثر من السور العظيمة التي تعالج ما في النفس البشرية من حب التملك والأنانية والاستئثار على الغير ، والتكاثر يقع فيما يزيد على حاجة الإنسان في المال والمتاع وكل شيء، وهذا التكاثر صار من سمات هذا العصر الذي تربى فيه البشر على القسوة والوحشية والأثرة والأنانية، ولسوف يقودهم ذلك نحو الهلاك والبوار في الدنيا والآخرة .

وإن التكاثر والتفاخر في الأموال والأولاد، والخدم والأعوان، وغير ذلك، التكاثر الذي يشغل عن الله والدار الآخرة، قد يكون في أشياء مادية من الأموال والأطيان والعقارات والسيارات، وغيرها، وقد يكون في أشياء معنوية، بل قد يكون في أمور مما ظاهره العلم أيضا ، وإن هذا التكاثر في متاع الدنيا الفاني، ولذاتها الزائلة مما أشغل الناس عن الآخرة، إنهم اليوم يكاثرون في أمور عجيبة لا حصر لها .

وإن هذا التكاثر قد أورد الناس مهالك شتى، وقد يكون للتكاثر في بعض الأمور خير عظيم كما في أمور الآخرة، فيكثر الإنسان من الصدقات، ويكثر من العبادات، وهكذا، بل حتى في بعض أمور الدنيا إذا أكثر منها بقصد صحيح كان له بذلك أجر .

وإن اللهو هو أن ينشغل الإنسان بأمر تافه ، و يترك الأمر المهم ، وأن يحرص الإنسان على الأمور الفانية ، ويعرض عن الأمور الباقية الدائمة ، واللهو هو أن تترك أيها الإنسان ما خلقت من أجله ، وتعيش لاهثا وراء ما خلق من أجلك ، فاحذر أيها المؤمن أن تغفل عن ذكر الله ، واحذر أن تنساب مع المعصية ، فتنأى عن الطاعة ، واحذر أن تشغلك الدنيا ، فلا تجد وقتا للآخرة .

فلا تلهك الدنيا عن الصلاة ، ولا تلهك الدنيا عن الإحسان ، ولا تلهك الدنيا عن فعل الخير ، ومعنى ألهاكم التكاثر ، حتى زرتم المقابر ، هو أي حتى متـّم ، وحُملتم إلى المقابر ، وعبـّر الله عز وجل عن الحلول بالقبر بالزيارة ، لأن القبر محل مؤقت ، ينزل فيه الإنسان ضيفا على أمه الأرض ، ثم يرحل إما إلى جنة أو إلى نار .

وهذا النعيم الذي سيسأل عنه العباد هو كل نعيم حسي ومعنوي يناله العبد، ونعم الله تعالى على عباده لا تحصى، ومع كثرة النعم يكثر السؤال، والتكاثر من النعم والمتع الدنيوية سبب لتكاثر السؤال يوم القيامة، والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا وجاعوا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في الله تعالى وعذبوا، ولما حصل لهم في بعض الأوقات أمن وشبع أخبرهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنهم سيسألون عن نعيمهم ذاك.

وكلا سوف تعلمون عند الموت ، ثم كلا سوف تعلمون عند الحشر ، وكلا لو تعلمون علم اليقين ، أى علما من غير شك ، وعلما من غير ضباب ، وهناك ينكشف غطاء الغفلة ، وعلم الإنسان علم اليقين ، وأن الذي جاء به النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حق ، وأن الجنة حق ،وأن النار حق ، وأن الصراط حق ، وأن الساعة وهو يراها حق.

ولترون الجحيم ، ثم لترونها عين اليقين ، ويقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” يُؤْتَى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها “رواه مسلم ، فما ظنكم بنار لها سبعون ألف زمام ، ويجرها مع كل زمام سبعون ألف ملك ، وما ظنكم بنار جهنم .

التى سأل عنها النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، جبريل عليه السلام ، فقال يا جبريل صف لي النار وانعت لي جهنم فقال إن الله أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يضيء شررها ولا يطفأ لهيبها والذي بعثك بالحق لو أن قدر إبرة فتح من جهنم لمات من في الأرض كلهم جميعا ” رواه الطبراني .

واعلموا أن ربكم قد حد حدودا فلا تعتدوها، ونهاكم عن الحرمات فلا تنتهكوها، واعلموا أن حرمات الله محارمه، ومن انتهك حرمات الله فقد آذن الله بالحرب، وما حارب أحد ربه إلا كان مغلوبًا هالكًا، فابتعدوا عن الحرمات ، فإبتعدوا عن المعاصي، واحترسوا من الآثام، واعلموا أن الشيطان لكم عدو، فهو الوسواس الخناس ، الذي يدعو من أطاعه وهم حزبه ليرديهم في نهار جهنم وبئس المصير .

وليست النعم التي يسأل عنها العباد يوم القيامة محصورة في النعم المادية المحسوسة، بل حتى النعم المعنوية من راحة البال، وانشراح الصدر، وعافية الجسد، والأنس بالأهل والولد والصحب كلها وغيرها نعم يسأل عنها العباد ضمن ما يسألون عنه من النعيم يوم القيامة ، وأول نعيم يسأل عنه العبد يوم القيامة صحة الجسد، والماء البارد .

ويجب على كل إنسان أن يعلم أن أعظم نعمة أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا هي نعمة الإسلام والأمن والإيمان، وليس أعظم نعمة هي نعمة المال كما يظنه بعض الناس، فالمال يُعطاه البار والفاجر، والمؤمن والكافر، فلا يظنن أحد منكم أن النعمة أو المال الذي في يد فلان أو فلان دليل على قبوله ورضاه عند ربه .

فقد يكون ذلك ابتلاءً وامتحانا وقد يكون إمهالا لا إهمالا، وسيسأل كل إنسان عن ماله: فيم أنفقه؟ وعن عمره: فيم أضاعه؟ وعن أوقاته: فيم قضاها؟ فالسعيد من عمل لآخرته، ورضي من دنياه ما استحصله من عرق جبينه ، فاعلموا أن الحياة الدنيا متاع، وأن الآخرة هي دار القرار والإقامة .

فاستعدوا للقاء ربكم يوم العرض الأكبر ، واعلموا أن الحياة الدنيا لا تغني عن الآخرة شيئا، فراقبوا أنفسكم قبل أن يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، والسعيد من وعظ بغيره، وحاسب نفسه .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *