Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع آداب وأحكام السلام فى الإسلام، وقد اجتمعا في حديث فضالة بن عبيد بلفظ “يسلم الفارس على الماشي، والماشي على القائم” وقال ابن حجر وإذا حمل القائم على المستقر كان أعم من أن يكون جالسا أو واقفا أو متكئا أو مضطجعا، وإذا أضيفت هذه الصورة إلى الراكب تعددت الصور، وتبقى صورة لم تقع منصوصة، وهي ما إذا تلاقى ماران راكبان أو ماشيان، وقد تكلم عليها المازري فقال يبدأ الأدنى منهما الأعلى قدرا في الدين إجلالا لفضله لأن فضيلة الدين مرغب فيها في الشرع، وعلى هذا لو التقى راكبان ومركوب أحدهما أعلى في الحس من مركوب الآخر كالجمل والفرس، فيبدأ راكب الفرس، أو يكتفي بالنظر إلى أعلاهما قدرا في الدين.
فيبتدؤه الذي دونه، هذا الثاني أظهر، كما لا نظر إلى من يكون أعلاهما قدرا من جهة الدنيا إلا أن يكون سلطانا يخشى منه، وإذا تساوى المتلاقيان من كل جهة، فكل منهما مأمور بالابتداء، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، والأدلة على هذا كثيرة، منها عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل” رواه البخارى، وعن الأغر المزني قال لي أبو بكررضي الله عنه “لا يسبقك أحد إلى السلام” وعن أبي أمامة رضي الله عنه “إن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام” وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنا نلتقي فأينا يبدأ بالسلام؟ قال “أطوعكم لله”
وإذا كان هناك ماشيان ثم حال بينهما حائل، كشجرة أو جدار ونحو ذلك، فإنه يشرع لهما السلام إذا التقيا مرة أخرى، ولو تكرر ذلك مرات وذلك لما رواه أو هريرة رضي الله عنه قال “إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه” وفيه حث على إفشاء السلام، وأن يكرر عند كل تغيير حال ولكل جاء وغاد، وقوله “والقليل على الكثير” قال النووي هذا الأدب إنما هو فيما إذا تلاقى اثنان في طريق، أما إذا ورد على قعود أو قاعد فإن الوارد يبدأ بالسلام بكل حال سواء كان صغيرا أو كبيرا قليلا أو كثيرا، وقد أبرز العلماء الحكمة ممن شرع لهم الإبتداء، فقال ابن العربي أنه حاصل ما في هذا الحديث أن المفضول بنوع ما يبدأ الفاضل.
وقال المهلب تسليم الصغير لأجل حق الكبير لأنه أمر بتوقيره والتواضع له، وتسليم القليل لأجل حق الكثير لأن حقهم أعظم، وتسليم المار لشبهه بالداخل على أهل المنزل، وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع، وقال المازري أما أمر الراكب فلأن له مزية على الماشي فعوض الماشي بأن يبدأه الراكب بالسلام احتياطا على الراكب من الزهو أن لو حاز الفضيلتين، وأما الماشي فلما يتوقع القاعد منه من الشر ولا سيما إذا كان راكبا فإذا ابتدأه بالسلام أمن منه ذلك وأنس إليه، أو لأن في التصرف في الحاجات امتهانا فصار للقاعدة مزية فأمر بالابتداء، أو لأن القاعدة يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم فسقطت البداءة عنه للمشقة بخلاف المار فلا مشقة عليه.
وأما القليل فلفضيلة الجماعة أو لأن الجماعة لو ابتدءوا لخيف على الواحد الزهو فاحتيط له، وأما تسليم الصغير على الكبير فكأنه لمراعاة السن، وهو أمر معتبر في الشرع، فلو تعارض الصغر المعنوي والحسي، كأن يكون الأصغر أعلم مثلا، فبه تظر ولم أر فيه نقلا، والذي يظهر اعتبار السن لأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة على المجاز، ونقل ابن دقيق العيد عن ابن رشد أن محل الأمر في تسليم الصغير على الكبير إذا التقيا، فإن كان أحدهما راكبا والآخر ماشيا بدأ الراكب، وإن كانا راكبين أو ماشيين بدأ الصغير، ولو خالف الكبير فسلم على الصغير، أو سلم الماشي على الراكب، أو سلم الكثير على القليل، أو سلم القاعد على الماشي فلا يلحق ذاك المخالف إثم، ولكنه تارك للأولى.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *