Share Button

فى طريق النور ومع أحكام الصيام ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع أحكام الصيام، وقد توقفنا عند حديث “حتى يطلع الشاهد” وهو مقيد، وقد ورد بأنه ليس من المطلق والمقيد أن يكون طلوع الشاهد أحد أمارات غروب الشمس، على أنه قد قيل إن قوله والشاهد النجم مدرج فإن صح ذلك لم يبعد أن يكون المراد بالشاهد ظلمة الليل ويؤيد ذلك حديث السائب بن يزيد عند أحمد والطبرانى مرفوعا بلفظ “لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجم” وحديث أبى أيوب مرفوعا “بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم” وحديث أنس ورافع بن خديج قال “كنا نصلي مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم نرمي فيرى أحدنا موقع نبله” وأما عن فقه الصيام لغة فهو الإمساك، وشرعا هو الامتناع عن شهوتى البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروبها بنية التقرب إلى الله تبارك وتعالى، والحكمه من صوم رمضان، لأنه ركن من أركان الإسلام، فهو من الفرائض الثابتة بالتواتر اليقينى، المعلومة من الدين بالضرورة، ولذلك يحكم علماء الأمة جميعا بالكفر والردة على كل من ينكر فرضية صوم رمضان.
أو يشكك فيها، أو يستخف بها، ويعذر الجاهل إذا كان حديث عهد بالإسلام، وكان وقت افتراضه فى السنة الثانية من الهجرة ، ولذلك توفى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم وقد صام تسعة رمضانات، وأما عن ثبوت شهر رمضان، فإنه يثبت بالهلال، وشأنه هو شأن سائر الشهور القمرية وهى الهجرية، وأما عن وسائل لإثبات ظهور الهلال فهناك عدة طرق للإثبات عن قدوم الشهر، فالأولى هى رؤية الهلال، وقد اختلف العلماء، فمنهم من اكتفى برؤية واحد فقط، ومنهم من اشترط اثنين للحد الأدنى، ومنهم من اشترط جمعا غفيرا إذا كان الجو صحوا، والثانية هو إكمال شعبان ثلاثين يوما، فإذ تراءى الناس الهلال ليلة الثلاثين، ولم يروه لزمهم إتمام الشهر، ولذلك كان ترائى الهلال من واجبات الكفاية، والثالثة هو الحساب ، وقد بحث أكثر من مجمع فقهى إمكانية رد الشهود إذا أثبت الحساب الفلكي استحالة الرؤيا، ولكن لم يحظ هذا الرأى بتأييد أعضاء هذه المجامع، وأكد المجمعان كلاهما مجمع الفقه الإسلامى الدولى التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامى.
والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامى، أن العبرة بالرؤية البصرية، ولا عبرة بالحسابات الفلكية، إلا أن مجمع المنظمة أجاز الاستعانة بالحسابات الفلكية وبالمراصد إلا أن الاعتماد يبقى على الرؤية البصرية، وأما عن الغفلة عن الهلال حتى الصباح، فهو إذا قامت البينة بإثبات دخول رمضان في أثناء النهار فعلى الناس فى هذه اللحظه أن ينووا الصيام، وذهب الجمهور إلى قضاء هذا اليوم، وفى فقه الصيام اختار شيخ الإسلام أنه لا يجب قضاؤه، وهو الصحيح، وفى فقه الصيام إذا رؤى الهلال في بلد دون بقية البلاد، فلا يزال العلماء مختلفين هل تلتزم بقية البلاد بالبلد الذى رأى الهلال أم لا؟ والخلاف في هذا سائغ مقبول ولذلك اختلفت المجامع الفقهية في ما بينها في هذا الموضوع، ففى حين أكد مجمع المنظمة فى دورته الثالثة على إلغاء تعدد المطالع فإن مجمع الرابطة في دورته الرابعة لم يلغ اعتبار تعدد المطالع، ورأى أن لكل دولة مطلعها، وأما عن حكم صوم رمضان، وهو فى فقه الصيام واجب على المسلم البالغ العاقل المقيم الصحيح.
وحرام على الحائض والنفساء، ومكروه فى حق المسافر إذا كان الصوم يضعفه، ومستحب في حق الصبيان، والبلوغ يحصل بواحد من ثلاثة بالنسبة للذكر إتمام خمس عشرة سنة وإنبات العانة، وإنزال المنى بشهوة، وللأنثى بأربعة أشياء هذه الثلاثة السابقة ورابع، وهو الحيض، فإذا حاضت فقد بلغت حتى ولو كانت فى سن العاشرة، وفى فقه الصيام، ليس على المجنون صيام لأن خطاب الشارع موجه للعقلاء، ومن كان جنونه متقطعا فعليه الصيام فى المدة التي يعود عقله إليه فيها فقط، ومن أصيب بإغماء ، أو غيبوبة مرضية، أو كان يعيش تحت أجهزة الإنعاش الصناعي، أو كان مغيب العقل بالبنج كالمرضى الذين يخضعون للعمليات الجراحية، فجمهور العلماء يوجبون عليهم قضاء ما فاتهم من رمضان وقت كان عقلهم غائبا، وبعض الفقهاء يرى أن ذلك ليس واجبا عليهم لأنهم ساعتها لم يكونوا مكلفين، وتوسط الشيخ القرضاوى، فرأى أن الإغماء الطويل لا تكليف معه، وأما القصير الذى لا يزيد عن اليومين فهو لا يرفع التكليف ومن بلغ به الكبر حدّ الخرف.
فلا يجب عليه ولا على أهله شيء لسقوط التكليف، فإن كان يميز أحيانا ويهذى أحيانا وجب عليه الصوم حال تمييزه ولم يجب حال هذيانه، وأما بخصوص الحائض والنفساء، فإنه لا يجب على الحائض والنفساء الصيام اتفاقا فى فقه الصيام، وإذا صامتا أثمتا، وعليهما بعد الطهر قضاء ما فاتهما من رمضان، أما الصلاة فلا تكلفان قضاءها، وإذا طهرتا أثناء نهار رمضان فيستحب لهما الإمساك ساعة الطهر مراعاة لحرمة الشهر، وقيل فى فقه الصيام أنه يجب، وليس بسديد، وعلى كلا الرأيين عليهما قضاء هذا اليوم، وأما عن حبوب تأخير الحيض، فإن استسلام المرأة لطبيعتها أفضل كما استسلم الفضليات من قبل، ومن استخدمت ما يرفع حيضها لتنعم بالصيام فلا بأس بشرط أن لا يكون في ذلك ضرر عليها، والحيض هو الدم الأسود القانى فقط، المعروف بغلظه ونتن رائحته، وما سواه من إفرازات بنية أوترابية أو كدرة أو صفرة أو غيرها فليس من الحيض سواء أكان قبل الحيض أم بعده على الصحيح، وفى المسألة اختلاف كثير.
وأيضا النزيف المهبلى لا يمنع الصوم ولا يأحذ أحكام الحيض، وكذلك النفساء متى انقطع عنها الدم انقطاعا لا رجعة بعده فقد أصبحت طاهرا ولو بعد الولادة بساعة، وإذا لم ينقطع فأقصى ما تعده نفاسا أربعون يوما، وما بعد الأربعين فليس من النفاس فى شيء، وأما عن الصيام والسفر، فقد أجمعت الأمة فى فقه الصيام على أن من حق المسافر أن يفطر، حتى ذكر شيخ الإسلام أن من أنكر ذلك يستتاب وإلا حكم عليه بالردة لأنه حكم معلوم من الدين بالضرورة, وذهب بعض الصحابة إلى وجوب الإفطار في السفر إلا أن الجمهور على أنه جائز لا واجب، والسفر في ذاته مسوغ من مسوغات الفطر سواء صحبه تعب ومشقة أم لا، والمشهور في فقه الصيام والمذاهب أن المسافة التي تبيح القصر نحو ثمانين أو تسعين كيلو مترا، ولكن ابن القيم بين أن هذا التحديد لا أصل له، وأن كل ما يعد في العرف سفرا فإنه يجيز الإفطار ولو كان أقصر من ذلك بكثير كما صح أن دحية الكلبى وهو أحد الصحابة أفطر في سفر ثلاثة أميال أى حوالي تسعه كيلو مترا.
وإن الفطر جائز للمسافر فى فقه الصيام حتى لو لم تلحقه مشقة، ولذلك يجوز لمن يسافر بالطائرات أن يفطر، واختلف العلماء فى أيهما أفضل للمسافر الصيام أم الفطر ؟ ولعل الأنسب أن الأفضل ما تيسر له منهما وهو اختيار الشيخ القرضاوى، واشترط كثير من المذاهب الفقهية المتبوعة فى فقه الصيام أن المسافر ليس له أن يصوم إلا بعد مغادرته للبلد التى يسافر منها، والصحيح أن ذلك ليس شرطا، فقد أفطر أنس بن مالك قبل أن يركب راحلته بمجرد أن لبس ثياب السفر، وإلى هذا ذهب ابن القيم، وقد اختلف العلماء في فقه الصيام في جواز إفطار المسافر لليوم الذي يعلم أنه سيصل فيه إلى بلده قبل الغروب، فذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعى رحمهم الله، إلى جواز الفطر له، وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أنه يلزمه الصوم، وقال الشيخ ابن العثيمين “الصحيح أنه لا يلزمه الصيام” وإذا عاد المسافر إلى بلده نهارا وهو مفطر ففى وجوب إمساكه ساعة رجوعه خلاف إلا أن عليه القضاء أمسك أم لم يمسك.
قد تكون صورة لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏نصب تذكاري‏‏ و‏نص‏‏
أعجبني

تعليق

Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *