Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع أكل أموال الناس بالباطل، والمشتبه هو الأمر الذى لم يظهر للإنسان على حقيقته، ولم يتبين له فيه الصواب أو الحل والحرمة، فلا يعلمهن كثير من الناس ولكن هنالك من يعلمها، فإن من توفيق الله تعالى وفضله على هذه الأمة أنه لا يزال فيها من العلماء الربانيين من يعلمون مراد الله، ويبصرون عباد الله بما وهبهم الله من علم، وآتاهم من حكمة، فمن اتقى الشبهات، فقد اتقى، والتقوى تذكر في القرآن الكريم في أكثر من مائتين وستين موضعا، والجنان أعدت للمتقين, فقال الله تعالى فى سورة القمر” إن المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر” وعمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما سأل أبيّ بن كعب عن التقوى.

قال له هل سرت في طريق ذي شوك؟ قال عمر بن الخطاب نعم، قال فماذا فعلت؟ قال شمّرت واجتهدت، قال أبيّ فتلك هي التقوى إذن فاتقاء الشبهات يحتاج إلى صبر ومعاناة ورويّة، وتحسّب لكل خطوة أو قول أو فعل، فمن اتقي الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، فقد طلب البراءة والنزاهة لدينه، وهو الأساس والأهم، ولعرضه وهو في المرتبة الثانية، فإن المؤمن لا يجوز له أن يعرض عرضه لحديث الناس بما يثيره من الشكوك حوله، فقد يستبرئ الإنسان للدين، ولكنه لا يهتم للعرض، وهذا خطأ فقد يقول في نفسه طالما أنني أعرف نفسي، وأنني لم أرتكب المحرم، فلا عليّ من كلام الناس، فيجلس في أماكن مشبوهة، أو يخالط أناسا مشبوهين.

أو يأتى بتصرفات مشبوهة دون اهتمام لكلام الناس، وهذا منهج خاطئ، فإن المسلم إذا ظل طيب السيرة، حسن السمعة، جميل الذكر، فذلك أقوى لوجوده، وأجمل لمنهاجه، وأسرع لقبول دعوته في الناس، فمن ارتكب الشبهات فقد عرض نفسه للتهم والقدح والطعن، ويقول بعض السلف “من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، فالوقوع في الشبهات تيسير وتسهيل للوقوع في الحرام، فكل من وقع في الشبهات سيقع في الحرام لا محالة، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام على غاية الحذر والمراقبة والورع، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم” إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها” رواه البخارى ومسلم.

وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه “كنا ندع سبعين بابا من الحلال، مخافة أن نقع في باب الحرام” وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ” كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام” فانظر إلى هذه المراقبة الحقة، والورع الصادق، ثم انظر إلى حال كثير من الناس اليوم وانهماكهم في الشبهات دون تهيّب أو تخوّف، فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك التمرة مع أنه قد يكون بأمس الحاجة إليها من شدة الجوع ولوعته، فقد كان يمر الشهر والشهران ولا يوقد في بيته النار، وهنالك أناس أتخمت بطونهم، وتضخمت أرصدتهم، وهم مع ذلك لا يترددون في التهام ما يبدو أمامهم دون تبصّر لأمرِ حِلّه وحرمته سئل الإمام أحمد عن الثمرة يلقيها الطير، فقال” لا يأكلها، ولا يأخذها ولا يتعرض لها”

وإنه بعد بيان هذا المعنى العظيم، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعطي صورة جميلة، قبل نهاية الحديث “كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أن يقع فيه” وهكذا النفس إذا اقتربت من مواطن الشهوات ومراتع المغريات فإنه يستهويها البريق، والأَولى أن يبتعد بها عن مواطن الخلل وأماكن الزلل، ألا وإن لكل ملك حمى، فماذا تفيد هذه العبارة، وما هو القصد منها؟ وهو أنه كما أنه لكل ملك من ملوك الدنيا حمى لا يجرؤ أحد على القرب منه فضلا عن انتهاكه أو الوقوع فيه، فإن أجلّ مَن يجب أن يخاف منه، وأعظم من يجب احترام محارمه، هو ملك الملوك عز وجل فإن له حمى ممنوعا محظورا، وهو محارمه، وقد حذر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم من الاقتراب من محارمه، أو انتهاك حدوده.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *