Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام، وهى مليكه بنت ملحان وتُلقَّب بالرميصاء، وأم سليم هي الصحابية التي دفع إليها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، السيده صفية بين حيي التي أصبحت زوجته فيما بعد فجهزتها وزفتها إليه وهم عائدون من خيبر إلى المدينة وقد أسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، وهم أهل يثرب الذين ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ينتمون إلى قبائل الأوس والخزرج، السيده أم سليم هى أم الصحابي أنس بن مالك، خادم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ولد أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر، في يثرب قبل الهجرة النبوية بعشر سنين.

وهو ينتمي إلى بني النجار وهم أحد بطون قبيلة الخزرج الأزدية خئولة جد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عبد المطلب بن هاشم، فأم عبد المطلب هي سلمى بنت عمرو بن زيد بن أسد بن خداش بن عامر، فيلتقي بذلك نسب أنس بنسب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وقد قُتل مالك بن النضر أبو أنس في الجاهلية، فتزوجت أمه أم سليم مليكة بنت ملحان النجارية وهي أيضا صحابية من أبي طلحة الأنصاري، وأنس أخو الصحابي البراء بن مالك، وقد عاشت في بداية حياتها كغيرها من الفتيات في الجاهلية قبل مجيء الإسلام، فتزوجت مالك بن النضر، فلما جاء الله بالإسلام.

وظهرت شمسه في الأفق، واستجابت وفود من الأنصار أسلمت مع السابقين إلى الإسلام، وقد اشتهرت بكنيتها أم سليم أكثر من اسمها ولقبها، وقد علمت أم سليم بالإسلام رغم أنها لم ترى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، لكنها سمعت عنه من مصعب بن عمير، الذي أرسله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إلى يثرب لتعليم أهلها،عادت أم سليم بعد اليوم الذي اعتنقت فيه الإسلام وهي تشعر بانشراح لم تشعر به من قبل، انتظرت زوجها مالك بن النضر على أحر من الجمر لتدله على طريق النجاة والإيمان قبل أن يأتيه الموت الذي لا يعلمه أحد إلا الله، متى يكون؟ لم تتوقع أبدًا أن يرفض زوجها الإسلام.

فعرضت الإسلام على زوجها مالك بن النضر، فغضب عليها، وكان قد عشّش الشيطان في رأسه، فلم يقبل هدى الله، ولم يستطع أن يقاوم الدعوة، لأن المدينة صارت دار إسلام، فخرج إلى الشام فهلك هناك، وقيل أنه كانت ذات مرة تتحدث إليه وهي تقول له: قال الله وقال رسول الله فترى في وجهه ثورة عظيمة وأسمعها كلام قاسيًا وصفع الباب مغضبًا وخرج من البيت بعد أن قال لها: إن لم تعودي إلى دين آبائك وأجدادك فلن ترى وجهي بعد اليوم، ما هذا الخيار القاسي؟ هي تحب زوجها حبًا جمًا، لكنها تحب دينها وربها ونبيها أكثر منه ومن ولديها ومن نفسها التي بين جنبيها، خيار صعب وقاسي.

ولكن إن كان عليها أن تختار فلن تختار الفاني وتترك الباقي، إذن لم تتردد أم سليم بل حسمت أمرها واختارت ربها على كل ما سواه، ورددت بصوت حزين قول الله تعالى: ( ومن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) انشرح صدرها عندما قرأت هذه الآية فرفعت يديها ضارعة وقالت: “يا رب فوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، ففرج كربي يا أرحم الراحمين”، مرت شهور عديدة وأم سليم تترقب فيها اللحظة الذي يفتح فيها زوجها بيت الدار ويعود إليها وقد هداه الله فيلتم شمل العائلة من جديد.

لكن الناعي حمل إليها خبر لم تكن تتوقعه فقد مات مالك بن النضر في الشام وذاب الأمل التي كانت تنتظره وتعيش عليه، حزنت أم سليم لموت زوجها وحزنت أكثر لأنه مات مشركًا، ومن ثَمَّ فاختيار أم سليم الأنصارية رضي الله عنها، الإسلام على زوجها في ذلك الوقت المبكر ينبئ عن عزيمة أكيدة، وإيمان راسخ في وقت كان الاعتماد في تدبير البيت والمعاش وغير ذلك من أمور الحياة على الرجل، ولم تكن المرأة قبيل مجيء الإسلام تساوي شيئًا، فكونها أخذت هذا القرار من الانفصال بسبب الإسلام عن زوجها الذي في نظرها يعتبر كل شيء في ذلك الوقت، فيه دلالة على ما تمتاز به هذه المرأة المسلمة.

من الثبات على المبدأ مهما كلفها من متاعب، وان ولداها أنس، والبراء ما يزالان طفلين صغيرين نظرت إليها ورددت من بين دموعها: “اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها”، فرغت أم سليم نفسها لتربية هذين الولدين على الإيمان بالله وعلى مراقبته وكانت تلقنهما مبادئ الإسلام وتزرع فيهما قيمه السامية. عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة طار قلبها فرحًا لقدومه وكانت مع الأنصار الذين استقبلوه مهللين مكبرين، وأما زواجها في الإسلام فذاك هو العجب بعينه، ولم يتكرر في التاريخ مثله، فبعد موت مالك بفترة صغيرة، تقدم لخطبة أم سليم زيد بن سهل المعروف بأبي طلحة

كما أن زيد ذا حسب ونسب، ومال وجاه، ولكن أم سليم ردته ولم تقبل به زوج، هذا عجيب لماذا ردته وهو يملك كل هذه المواصفات التي ترغب بها النساء؟وهو ببساطة لأنه كان مشرك فكيف ترضى به وهي التي فارقت زوجها مالك بسبب كفره، فاعتذرت منه قائلة: “يا أبا طلحة ما مثلك يرد ولكنك امرئ كافر وأنا امرأة مسلمة”، سمع أبو طلحة كلامها فهز رأسه وهم بالخروج من دارها، ولكن فكرة ما في عقل أم سليم جعلتها تتابع الحديث، قائلة: “يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد إنما هو شجرة تنبت من الأرض نجرها حبشي من أحباش بني النجار؟” أجاب أبو طلحة: “بلى يا أم سليم”، فاستطردت قائلة

” فكيف تسجد لخشبة تنبت من الأرض لو أشعلت فيها النار لحترقت كيف تعبدها من دون الله؟” لم يجب أبو طلحة بشيء، وعاد أبو طلحة إلى منزله وقد وقع كلام أم سليم في قلبه وظل يفكر في الأوثان التي يعبدها كما عبده أبائه وأجداده، بعد وقت وتفكير طويل استسلم للحقيقة فهذه الأصنام التي يعبدها لا تجلب له نفع ولا تدفع عنه ضرر فكيف يسجد لها من دون الله، عاود أبو طلحة خطبة أم سليم واستشفت تلك السيدة اللماحة ما يعتلج في صدره، فقالت له: “يا أبا طلحة هل تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأزوجك نفسي؟ لا أريد منك صفراء ولا بيضاء فيكون إسلامك مهري”،

وهو عمل الصدق الذي حمله أم سليم في نفس أبو طلحة عمله، فأسلم أبو طلحة وتزوجها على مهر لم تمهره امرأة، فعن أنس بن مالك قال: خطب أبو طلحة أم سليم رضي الله عنها، قبل أن يسلم فقالت: أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذاك مهري، لا أسأل غيره، فأسلم وتزوجها أبو طلحة، فكانت بذلك أول امرأة جعلت مهرها إسلام زوجها، فصارت سببًا في دخول أبي طلحة في الإسلام، فحازت بذلك على الفضيلة التي وعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: ” فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حُمر النَّعَم “.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *