Share Button

فى طريق النور ومع إتساع أبواب الخير ” الجزء السادس ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع إتساع أبواب الخير، فإن الأعمال الصالحة تذكر بما عداها، وتدل على ما سواها، وتزيد المؤمنين إيمانا، وتبعث في نفوسهم الهمم ليرتقوا إلى أعالي القمم، فسلعة الله غالية، ومن طلب الحسناء لم يغله المهر، فمن ذلك ما أدرك به الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه المنازل العالية في جنات النعيم، فقد جاء في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، سأل بلال فقال “يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام” لماذا سأله؟ إنما سأله ليعلم الأمر الذي أوصله إلى أعالي الجنان، فيقول صلى الله عليه وسلم “يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدى في الجنة” فقال بلال يا رسول الله، ما عملت عملا أرجى عندى من أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي” وفي رواية لابن خزيمة عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم.

سأل بلال رضي الله عنه فقال “يا بلال، بم سبقتنى إلى الجنة؟ إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي” فما أسعد بلال إذ جاءته البشارة لا بدخول الجنة فقط وإنما بكونه سابقا إليها، ثم ما هذا العمل؟ وهل يعجز أحدنا أن يصلي ركعتين كلما توضأ تقربا إلى الله عز وجل؟ فيا له من عمل عظيم يورث صاحبه الجنة، مع سهولته ويسره على من أراده، ومن الأعمال الصالحة ذلك العمل الذى غفل عن عظيم أجره أكثرنا، ألا وهو الذهاب إلى المسجد والرجوع منه، فأكثرنا يظن أن الأجر يكون على الذهاب إلى المسجد فقط، أما الرجوع من المسجد فلا أجر فيه، وهذا من الجهل بفضل الله وإحسانه إلى عباده المقبلين على طاعته سبحانه، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، فقال ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاى إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلى.

فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال الرجل، فقال “قد جمع الله لك ذلك كله” رواه مسلم، ومن الأعمال الصالحة أيضا ذلك العمل الذى قلّ اهتمام الناس به وتسابقهم إليه، ألا وهو الأذان، فربما اجتمع قوم في مكان أو خرجوا في سفر ثم حضرت الصلاة فلم تجد بينهم من التنافس والحرص على التأذين ما يليق بهذا العمل العظيم، ولهؤلاء نسوق حديثا أخرجه البخارى في صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدرى رضي الله عنه قال له يا عبد الرحمن، أني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن من حجر ولا شجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما كان العمل واجبا على العبد بمقتضى الطبع والفطرة والعادة، ومع ذلك فقد جعل الله لصاحبه أوفر الثواب وأوفاه، ولعل أقرب مثال على ذلك إنفاق الرجل على زوجه وعياله، فإنه واجب عليه لا منة له فيه.

ولو لم يقم به لناله الذم، وربما العقاب ومع ذلك جعل الله لمن قام به، محتسبا، الأجر العظيم، والثواب الكريم، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته فى رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذى أنفقته على أهلك” فالحمد لله الذى جعل لنا في ما لابد لنا منه أجرا، ويا لخسارة أولئك الذين ينفقون أموالهم ثم لا يحتسبون أجرها إذا صارت يوم القيامة هباءً منثورا، ثم إنها دعوة لكل مسلم أن يخلص نيته ويستحضر احتساب الأجر في جميع أحواله لئلا يحرم فضل ربه سبحانه، ومن هذا الباب ما جهله أو غفل عنه بعض المسلمين من ثواب من أحسن إلى بنياته واحتسب في ذلك فضل ربه، فمن فعل ذلك كانت بنيّاته سترا له من النار، كما جاء في الصحيحين حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، وعن أنس مرفوعا “من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضمّ أصابعه” رواه مسلم والترمذى.

وفيه “من عال جاريتين كنت أنا وهو فى الجنة كهاتين” وقد جاءت إلى السيدة عائشة رضي الله عنها مسكينة تحمل ابنتين لها، فتصدقت عليها عائشة رضي الله عنها بثلاث تمرات، فأعطت المرأة كل واحدة من البنتين تمرة، ورفعت الثالثة إلى فمها لتأكلها، ولكن البنتين طلبتا تلك التمرة من أمهما، فرحمتهما الأم، وشقت التمرة نصفين، وأعطت كل واحدة نصفا، فتعجبت السيدة عائشة رضي الله عنها من صنيع هذه المرأة، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنعت المرأة فقال صلى الله عليه وسلم “إن الله قد أوجب لها بهما الجنة” أو “أعتقها بهما من النار” رواه مسلم، ومن أصلحِ الأعمال وأعظمها نفعا في العاجل والآجل ذلك العمل الذى كثر التفريط فيه إلا من رحم الله من المسلمين، إنه زيارة الإخوان فى الله من غير غرض ولا عرض إلا لمحبتهم في الله، وابتغاء مرضاة الله، ففي الحديث، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم “إن رجلا زار أخا له في الله، فأرصد الله على من مدرجته أو قال على طريقه ملكا.

فلما أتى عليه قال أين تريد؟ قال أريد أخا لي في هذه القرية، قال هل لك من نعمة تربها؟ قال لا، غير أني أحببته في الله، قال الملك فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه” رواه مسلم، فانظر وتفكر كيف كانت زيارة هذا الرجل لأخيه سببا في محبة الله لذلك الرجل وأى فضل وشرف أعظم من محبة الله للعبد؟ وماذا ستكون درجته في الآخرة؟ فنسأل الله من فضله ورحمته، فحرى بنا أن نعمل بما نعلم، وأن نتعلم ما لم نعلم، والله عنده أجر عظيم، فإن العبد المؤمن إذا سمع الآيات والأحاديث التي يذكر فيها عظيم فضل الله وعظيم ما أعده للعاملين من عباده فإن نفسه تتوق إلى العمل الصالح، وقلبه يشتاق إلى ما أعده الله لمن أحسن عملا، وذلك النشاط، وتلك القوة التى تنبعث عند سماع الذكر، دليل على الإيمان، ومحبة الرحمن، فمِن صفات المؤمنين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فبشّرهم الله بالخير، وذكرهم بأشرف الذكر، فما أسعد ذلك العبد الذى يستمع القول فإذا بك تجده أول العاملين به، المشمرين إليه، الداعين إليه.

فأجل أيها المسلم المحب نظرك، وتلفت يمينا وشمالا لترى فئاما من عباد الله كيف يتقربون له، ويتحببون إليه، فمنهم من يقوم الليل، يحرم نفسه لذة النوم والراحة لأنه سمع قول الصادق المصدوق “وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام” ومنهم من يصوم الهواجر صابرا على الجوع والعطش والتعب، لماذا؟ لأنه سمع قول من لا ينطق عن الهوى “من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا” وثالث لسانه رطب بالقرآن، ورابع لا يفتر من دعوة الناس إلى الخير وتعليمهم دين الله، وهكذا في صفوة من المتعبدين الطالبين فضل رب العالمين، فتأمل أنت حالَك كيف حالك؟ وأين أنت من تلك الأعمال؟ وأين أنت في أولئك الرجال؟ أم أن نصيبك سماع أخبار الأخيار، وقيام حجة الله عليك؟ فكم تنشرح النفس وتقر العين حين تسمع كلمة الخير، فهي كلمة واسعة الدلالة، عظيمة الأثر، فإن الخير يجتمع الناس جميعا على حبه والدعوة إليه والثناءِ على فاعله، وإن عمل الخير سواء كان قولا أو فعلا هو مقصد شرعى.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *