Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع نبى الله إبراهيم عليه السلام، وقد توقفنا معه عليه السلام مع مقام مناظرة لقومه، وبيان لهم أن هذه الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة لا تصلح للألوهية، ولا أن تعبد مع الله عز وجل لأنها مخلوقة مربوبة مصنوعة مدبرة مسخرة تطلع تارة وتأفل أخرى فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية، بل هو الدائم الباقي بلا زوال لا إله إلا هو، ولا رب سواه فبين لهم أولا عدم صلاحية الكوكب، وقد قيل أنه هو كوكب الزهرة لذلك ترقى منها إلى القمر الذي هو أضوأ منها وأبهى من حسنها، ثم ترقى إلى الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياء وسناء وبهاء، فبين أنها مسخرة مسيرة مقدرة مربوبة، كما قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم فى سورة فصلت ” ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون” ولهذا قال فلما رأى الشمس بازغة، أي طالعة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت”

قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا، أي لست أبالي في هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله فإنها لا تنفع شيئا ولا تسمع ولا تعقل، بل هي مربوبة مسخرة كالكواكب ونحوها، أو مصنوعة منحوتة منجورة، والظاهر أن موعظته هذه في الكواكب لأهل حران فإنهم كان يعبدونها، وهذا يرد قول من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب لما كان صغيرا، كما ذكره ابن إسحاق وغيره، وهو مستند إلى أخبار إسرائيلية لا يوثق بها، ولا سيما إذا خالفت الحق، وأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم في عبادتها، وكسرها عليهم وأهانها وبين بطلانها، كما قال الله تعالى فى سورة ص ” وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ” وقال تعالى في سورة الأنبياء ” ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين”

إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا ياإبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين” وقال الله عز وجل في سورة الشعراء ” واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين”

قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين” وقال الله تعالى في سورة الصافات ” وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا إليه يزفون قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين” ويخبر الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام أنه أنكر على قومه عبادة الأوثان، وحقرها عندهم، وصغرها، وتنقصها فقال عليه السلام ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، أي معتكفون عندها وخاضعون لها قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين”

ما كان حجتهم إلا صنيع الآباء والأجداد، وما كانوا عليه من عبادة الأنداد قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين، وكما قال الله تعالى فى سورة ص ” إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين” وقال قتادة فما ظنكم به أنه فاعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره، وقال لهم هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، فهم سلموا له أنها لا تسمع داعيا ولا تنفع ولا تضر شيئا، وإنما الحامل لهم على عبادتها هو الاقتداء بأسلافهم، ومن هو مثلهم في الضلال من الآباء الجهال، ولهذا قال لهم أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين، وهذا برهان قاطع على بطلان إلهية ما ادعوه من الأصنام، لأنه تبرأ منها وتنقص بها، فلو كانت تضر لضرته أو تؤثر لأثرت فيه قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين و يقولون هذا الكلام الذي تقوله لنا، وتنتقص به آلهتنا، وتطعن بسببه في آبائنا تقوله محقا جادا فيه أم لاعبا قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين”

يعني بل أقول لكم ذلك جادا محقا، وإنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ربكم، ورب كل شيء فاطر السماوات والأرض الخالق لهما على غير مثال سبق، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأنا على ذلكم من الشاهدين وقوله وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين، وهو أنه أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدهم، فقيل إنه قال هذا خفية في نفسه وقال ابن مسعود سمعه بعضهم، وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد فدعاه أبوه ليحضره، فقال إني سقيم كما قال الله تعالى” فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم” وقد عرض لهم في الكلام حتى توصل إلى مقصوده من إهانة أصنامهم، ونصرة دين الله الحق في بطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي تستحق أن تكسر، وأن تهان غاية الإهانة، فلما خرجوا إلى عيدهم، واستقر هو في بلدهم فراغ إلى آلهتهم أي ذهب إليها مسرعا مستخفيا فوجدها في بهو عظيم، وقد وضعوا بين أيديها أنواعا من الأطعمة قربانا إليها، فقال لها على سبيل التهكم والازدراء ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين.

لأنها أقوى وأبطش وأسرع وأقهر، فكسرها بقدوم في يده، كما قال الله تعالى ” فجعلهم جذاذا” أي حطاما كسرها كلها إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون، وقيل إنه وضع القدوم في يد الكبير إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار، فلما رجعوا من عيدهم، ووجدوا ما حل بمعبودهم قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون وهو ما حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء لكنهم قالوا من جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة ضلالهم، وخبالهم من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم أي يذكرها بالعيب، والتنقص لها، والازدراء بها فهو المقيم عليها، والكاسر لها، وعلى قول ابن مسعود أي يذكرهم بقوله وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين، قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون، أي في الملأ الأكبر على رءوس الأشهاد لعلهم يشهدون مقالته، ويسمعون كلامه، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه، وكان هذا أكبر مقاصد الخليل إبراهيم عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم فيقيم على جميع عباد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه.

L’image contient peut-être : 1 personne

J’aime

 

Commenter

Commentaires

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *