Share Button

فى طريق النور ومع الرسول الكريم فى الشِعب ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الرسول الكريم فى الشِعب، وقد اجتمع كفار مكة اجتماعا طارئا وعاجلا، بعدما رأوا من اجتماع بني عبد مناف للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجوا منه في نهاية الأمر بقانون جديد، فقد ابتكروا وسيلة جديدة لحرب أهل الإيمان، وقرروا بالإجماع أن ينفذوا هذا القانون، كان هذا القانون هو المقاطعة، وهو تفعيل سياسة الحصار الاقتصادي لبني عبد مناف، وإعمال سياسة التجويع الجماعي لهم، سواء أكانوا كفارا أم مسلمين، واجتمع الكفار يعملون على صياغة القانون الجديد، وهو القانون الذي يخالف كل أعراف وتقاليد وقيم مكة السابقة، ولا يهم أن يتغير الدستور طالما أن ذلك لمصلحتهم الخاصة، وطالما أنه من عند أنفسهم.

وفي الوقت ذاته هو في أيديهم، فالمصالح تتقدم على الأعراف والقوانين، فليس هناك مبدأ يُحترم، ولا قانون يُعظم، ولا عهد يبجل، فماذا صاغوا في هذا القانون؟ فقد أبرموا فيه أنه على أهل مكة بكاملها في علاقتهم مع بني عبد مناف ما يلي، أن لا يناكحوهم، أى بمعنى لا يزوّجونهم، ولا يتزوجون منهم، وأن لا يبايعوهم، لا يبيعون لهم ولا يشترون منهم، وأن لا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، وأن لا يقبلوا من بني هاشم وبني المطلب صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يُسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم للقتل، وهكذا في غاية الوضوح كان السبيل الوحيد لفك هذا الحصار هو تسليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيا ليقتله زعماء الكفر بمكة.

وقد صاغوا قانون العقوبات هذا في صحيفة، ثم علقوها في جوف الكعبة، وقد تقاسموا بآلهتهم على الوفاء بها، وبالفعل بدأ تنفيذ هذا الحصار الرهيب في أول ليلة من ليالي المحرم في السنة السابعة من البعثة، وقد دخل بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلى شعب أبي طالب وتجمعوا فيه، ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ليكونوا جميعا حوله كي يحموه من أهل مكة، وقد بدأت مرحلة جديدة من المعاناة والألم، تلك التي عاشها المسلمون في بداية الدعوة الإسلامية، فقد قطع الطعام بالكلية عن المحاصرين، لا بيع ولا شراء، حتى الطعام الذي كان يدخل مكة من خارجها وكان يذهب بنو هاشم لشرائه، كان القرشيون يزيدون عليهم في السعر.

حتى لا يستطيعون شراءه، ومن ثم يشتريه القرشيون دون بني هاشم، وقد بلغ الجهد بالمحاصرين حتى كان يسمع أصوات النساء والصبيان يصرخون من شدة وألم الجوع، وحتى اضطروا إلى التقوت بأوراق الشجر، بل وإلى أكل الجلود، وقد ظلت هذه العملية وتلك المأساة البشرية طيلة ثلاثة أعوام كاملة، ثلاث سنوات من الظلم والقهر والإبادة الجماعية، ومع هؤلاء المحاصرين فإنا نتفهم حقيقة أن يضحي المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب بأنفسهم وبزوجاتهم وأولادهم وذلك لأنهم بصدد قضية غالية جدا، إنهم يصمدون ويضحون من أجل العقيدة، لكن الغريب حقا هو كيف يصبر الكافرون من بني هاشم وبني المطلب على هذا الحصار؟

فهؤلاء الكفار لا يرجون جنة ولا يخافون نارا، بل إنهم لا يؤمنون بالبعث أصلا، ورغم ذلك فقد وقفوا هذه الوقفة الرجولية مع مؤمني بني عبد مناف، وفي تفسير واضح لهذا العمل الرجولي والبطولي فقد كانت الحمية هي الدافع والمحرك الرئيسي له، حمية الجاهلية، ولكنها في النهاية حمية، حمية الكرامة حين يهان رجل من القبيلة، حمية لصلة الدم والقرابة، حمية العهد الذي كانوا قد قطعوه على أنفسهم قبل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، على أن يتعاونوا معا في حرب غيرهم، حمية واقعية يدفع فيها الرجل بنفسه وأولاده وهو راضى، حمية بالفعل وليست بالخطب والمقالات والشعارات، وقد مرت الأيام والسنوات عصيبة على المحاصرين.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *