Share Button

فى طريق النور ومع الرّجّال بن عنفوة ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الرّجّال بن عنفوة، وكان أكثر المسلمين تغيظا، وتحرقا للقاء الرّجّال هو الصحابي الجليل زيد بن الخطاب وهو أخو عمر بن الخطاب فكان أخوه الأكبر، والأسبق إلى الإسلام منه رضى الله عنهم، وكما سبقه الى الشهادة في سبيل الله، وكان زيد بطلا باهر البطولة، وكان العمل الصامت، الممعن في الصمت جوهر بطولته، وكان ايمانه بالله وبرسوله وبدينه ايمانا وثيقا، ولم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد ولا في غزاة، وفي كل مشهد لم يكن يبحث عن النصر، بقدر ما يبحث عن الشهادة، وفى يوم أحد، حين حمي القتال بين المسلمين والمشركين والمؤمنين، فقد راح زيد بن الخطاب يضرب ويضرب، وقد أبصره أخوه عمر بن الخطاب.

 

وقد سقط درعه عنه، وأصبح أدنى منالا للأعداء، فصاح به عمر بن الخطاب، خذ درعي يا زيد فقاتل بها، فأجابه زيد، اني أريد من الشهادة ما تريد يا عمر، وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة، واستبسال عظيم، وكان يتحرق شوقا للقاء الرّجّال متمنيا أن يكون الاجهاز على حياته الخبيثة من حظه وحده، فالرّجّال في رأي زيد، لم يكن مرتدا فحسبن بل كان كذابا منافقا، وصوليا، ولم يرتد عن اقتناع، بل عن وصولية حقيرة، ونفاق يغيض هزيل، ومن أجل تلك الأغراض المنحطة، قد لعب الرّجّال دوره الآثم، فأربى عدد الملتفين حول مسيلمة ارباء فاحشا، وهو بهذا يقدّم بيديه الى الموت والهلاك أعدادا كثيرة ستلاقي حتفها في معارك الردّة .

 

فقد أضلها أولا، وأهلكها أخيرا، وكل ذلك في سبيل ماذا؟ في سبيل أطماع لئيمة زينتها له نفسه، وزخرفها له هواه، ولقد أعد زيد بن الخطاب، نفسه ليختم حياته المؤمنة بمحق هذه الفتنة، لا في شخص مسيلمة بل في شخص من هو أكبر من خطرا، وأشد جرما وهو الرّجّال بن عنفوة، وقد بدأ يوم اليمامة مكفهرا شاحبا، وقد جمع القائد خالد بن الوليد جيش الاسلام، ووزعه على مواقعه ودفع لواء الجيش الى زيد بن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين، وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ضاريا، ومالت المعركة في بدايتها على المسلمين، وسقط منهم شهداء كثيرون، ولقد رأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة المسلمين، فعلا ربوة هناك، وصاح في اخوانه.

 

” أيها الناس، عضوا على أضراسكم، واضربوا في عدوكم، وامضوا قدما، والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله، أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي” ونزل من فوق الربوة، عاضا على أضراسه، زاما شفتيه لا يحرك لسانه بهمس، وتركز مصير المعركة لديه في مصير الرّجّال، فراح يخترق الخضمّ المقتتل كالسهم، باحثا عن الرّجّال حتى أبصره، وهناك راح يأتيه من يمين، ومن شمال، وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه وأخفاه، غاص زيد بن الخطاب، وراءه حتى لقيه، وأخيرا استطاع أن يمسك بخناقه، ويطوح بسيفه رأسه المملوء غرورا، وكذبا، وخسّة، وبسقوط الأكذوبة أخذ جيش مسيلمه الكذاب يتساقط، فدبّ الرعب في نفس مسيلمة، ولقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر المحتوم.

 

وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة، والمحكم بن طفيل سيقومون غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم، وها هو ذا الرّجّال قد سقط صريعا، ووضحت نبوّة مسيلمة كلها أنها كاذبة، وهكذا احدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا المدار في صفوف مسيلمة، أما المسلمون، فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال، ونهض جريحهم من جديد، حاملا سيفه، وغير عابئ بجراحه، فكان النبأ الذى وصل أسماعهم كالحلم الجميل، فودّوا لو أن بهم قوة يعودون بها الى الحياة ليقاتلو، وليشهدوا النصر في روعة ختامه، ولكن أنى لهم هذا، وقد تفتحل أبواب الجنة لاستقبالهم، ورفع زيد بن الخطاب ذراعيه الى السماء مبتهلا لربه، شاكرا نعمته، ثم عاد الى سيفه والى صمته.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *