Share Button

“فى طريق النور ومع الشهادة من أجل الوطن ” الجزء الحادى عشر ”
إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الحادى عشر مع الشهادة من أجل الوطن، وقد توقفنا مع قصة رجل يسمى قزمان،
فقد قتل ثلاثة من حملة راية المشركين يوم أحد، وفي رواية سبعة أو ثمانية من المشركين، وقاتل قتالا شديدا وبشره المسلمون، فقال “إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت” وكانت جراحه شديدة فنحر نفسه، فأخبر المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال قزمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنه من أهل النار” حيث لا يدخل الجنة إلا من يقاتل حتى تكون كلمة الله هي العليا، أما من يقاتل من أجل القومية أو الوطنية أو القبيلة فلا ينال الشهادة في سبيل الله، وقد روى البخاري أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم ” من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله” فهو الشهيد الكامل الشهادة، وهو أرفع الشهداء منزلة عند الله، وأفضلهم مقاما في الجنة، وهو المسلم المكلف الطاهر، الذي قتل في المعركة مخلصا لله النية، مقبلا غير مدبر، سواء قتله أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق، أو وجد في المعركة وبه أثر القت، أما الفخر بالقبائل والأحساب لا قيمة له، ولكن التقوى هي ميزان الأفضلية، فهذه مصيبة أحد وهذا هو الخير الموجود في هذه المصيبة، وقد لا نرى نحن هذا الخير، ولكنه موجود بالفعل، وليس معنى ذلك أن نبحث عن المصائب ونسعى إليها، ولكن معنى ذلك أن المصيبة ليست نهاية الدنيا، وأن هناك أيضا شهيد الدنيا.

وهو من غل من الغنيمة أو مات مدبرا، أو من قاتل لتعلم شجاعته، أو طلبا للغنيمة فقط، فشهيد الدنيا فهو من قتل في قتال مع الكفار وقد غل في الغنيمة، أو قاتل رياء، أو عصبية عن قومه، أو لأي غرض من أغراض الدنيا، ولم يكن قصده إعلاء كلمة الله، فهذا وإن طبقت عليه أحكام الشهيد في الظاهر من دفنه في ثيابه ونحو ذلك لكنه ليس له في الآخرة من خلاق، ونحن نعامل الناس على حسب الظاهر في الدنيا، والله الذي يعلم الحقائق هو الذي يتولى حسابهم يوم القيامة، ولعل كل قتيل في المعركة، لم يكن مخلصا لله، فهو من شهداء الدنيا، فإذا كان الباعث له، ليس الجهاد في سبيل الله، وإنما شيء من أشياء الدنيا، فإنه لا يحرم نفسه من الأجر والثواب فحسب، بل إنه، بذلك، يعرض نفسه للعذاب يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن أول الناس يقضى يوم القيامه عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار” رواه مسلم، وأيضا هناك شهيد الآخرة، وشهيد الآخرة الذي يكون له أجر شهيد في الآخرة لكنه في الدنيا يطبق عليه ما يطبق على الميت العادي، فهذا أصناف منهم المقتول ظلما من غير قتال، وكالميت بأنواع من الأمراض ونحو ذلك، وكالغريق في البحر الذي ركبه وكان الغالب فيه السلامة بخلاف من ركبه وكان الغالب عدم السلامة أو ركبه لإتيان معصية من المعاصي ونحو ذلك.

فأما الاستشهاد في ساحة القتال فإن أجره عظيم جدا وهو قمة مراتب الشهادة، ولا يمكن لأي نوع آخر من الشهداء أن يصل إلى هذا المقام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه” وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد، قال صلى الله عليه وسلم “كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة” رواه النسائى، فترجى هذه الشهادة لمن سألها مخلصا من قلبه ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة لقوله صلى الله عليه وسلم “من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه” ولذلك كان لا بد من سؤال الله بصدق الاستشهاد في سبيل الله لتحصيل هذا الأجر العظيم، ولو مات الإنسان حتف أنفه، وكذلك من أنواع الموت الطيبة الموت غازيا في سبيل الله لقوله صلى الله عليه وسلم “ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال صلى الله عليه وسلم “إن شهداء أمتي إذن لقليل” قالوا فمن هم يا رسول الله؟ قال ” من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد” ومن أنواع الموت الطيبة التي لها أجر شهيد، الموت بالطاعون، قال صلى الله عليه وسلم “الطاعون شهادة لكل مسلم” وقال صلى الله عليه وسلم أيضا لما سئل عن الطاعون ” إنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين.

فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد” وقال صلى الله عليه وسلم “يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون فيقول أصحاب الطاعون، نحن شهداء، فيقال انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دما ريح المسك فهم شهداء، فيجدونهم كذلك” وكذلك فإن من أنواع شهداء الآخرة من مات بداء البطن لقوله صلى الله عليه وسلم “إن شهداء أمتي إذن لقليل” ثم ذكر أنواعا، “ومن مات في البطن فهو شهيد” وعن عبد الله بن يسار قال كنت جالسا وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة، فذكروا أن رجلا توفي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم”من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره؟” فقال الآخر بلى، وفي رواية صدقت، وكذلك من أنواع شهداء الآخرة الموت بالغرق والهدم لقوله صلى الله عليه وسلم “الشهداء خمسة المطعون” الذي أصيب بالطاعون، والمبطون، الذي قتل بداء البطن، ومات بسبب مرض في بطنه، وأمراض البطن كثيرة، والغرق الذي مات غريقا، وصاحب الهدم، الذي انهدم عليه بيته، أو انهدم السكن الذي يسكن فيه، وقع عليه جدار أو حائط، فمات بسبب الهدم، وكثير من الذين يموتون في الزلازل كذلك، وصاحب الهدم “والشهيد في سبيل الله” ومن أنواع شهداء الآخرة أيضا هو موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، لحديث عبادة بن الصامت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد عبد الله بن رواحة فما تحوز له عن فراشه أي تنحى.

فقال صلى الله عليه وسلم “أتدري من شهداء أمتي؟ قال قتل المسلم شهادة، قال صلى الله عليه وسلم “إن شهداء أمتي إذن لقليل، قتل المسلم شهادة، والطاعون شهادة، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء، التي تموت وفي بطنها ولد، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة، والسرة ما يبقى بعد القطع مما تقطعه القابلة، هذا هو السرر، الحبل السري، يجرها به ولدها إلى الجنة، وهذا مخصوص بالمسلمة التي تموت في حمل صحيح، ولذلك استثنى العلماء من هذا الحديث من ماتت بحمل من زنا والعياذ بالله، وكذلك من شهداء الآخرة هو الموت بذات الجنب، كما قال صلى الله عليه وسلم “وصاحب ذات الجنب شهيد” وهو ورم يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع، أورام في الجانب يموت بسببها الإنسان، ونرجو إن شاء الله أن يكون كل مسلم مات بالسرطان أن يكون إذن من شهداء الآخرة الذين لهم أجر شهيد، وكذلك من أنواع شهداء الآخرة، هو الموت بداء السل، لقوله صلى الله عليه وسلم “القتل في سبيل الله شهادة، والنفساء شهادة” وقال صلى الله عليه وسلم “والسل شهادة” فإن قدر عبد على أن يجعل همّه مستغرقا بالله عز وجل فلا يقدر على أن يموت على تلك الحالة إلا في صف القتال، فإنه قطع الطمع عن مهجته وأهله وماله وولده، بل من الدنيا كلها فإنه يريدها لحياته وقد هون على قلبه حياته في حب الله عز وجل ونيل مرضاته، فلا تجرد لله أعظم من ذلك، ولذلك عظم أمر الشهادة وورد فيه من الفضائل ما لا يحصى، فعن مخارق رضي الله عنه.

قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل يأتيني فيريد مالي؟ قال ” ذكره بالله” قال فإن لم يذكر؟ قال “فاستعن عليه من حولك من المسلمين” قال فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين، قال “فاستعن عليه السلطان” قال فإن نأى السلطان عني وعجل علي؟ هذا اللص قاطع الطريق عجل عليّ ولم يكن وقت للاستنجاد، قال “قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة أو تمنع مالك” وإن من الشهداء أيضا، هو الموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس، فقال صلى الله عليه وسلم “من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد” فإن الذي يقتل دفاعا عن عرضه ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، وقال صلى الله عليه وسلم “من قتل دون مظلمته فهو شهيد” والموت في الرباط في سبيل الله من أعظم الميتات وأطيبها، حيث قال صلى الله عليه وسلم ” رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان” وأما من مات على عمل صالح قبض عليه فإنه من علامات حسن خاتمته، قال صلى الله عليه وسلم “من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوما ابتغاء وجه الله تعالى ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة” فلقد كان حرص السلف الصالح علي الاستشهاد في سبيل الله شديدا وواضحا رغم ظروفهم الصعبة، فإن الشهداء لهم تعريف خاص، وهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.

فهو من اعتنق الحق، وأخلص له، وضحى في سبيله، وبذل دمه ليروي شجرة الحق به فهذا شهيد، وأما فضل الشهادة والترغيب فيها فشيء آخر، وهو أعظم وأجل، فعن مسروق قال سألنا عبدالله عن هذه الآية ” ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون” قال أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا؟ قالوا أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتل في سبيلك مرة، أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا” رواه مسلم، والترمذى، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “ما أحد يدخل الجنة يحب أن يَرجِع إلى الدنيا، وإن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيُقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة” رواه البخارى ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” والذي نفسي محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتَل، ثم أغزو فأقتَل، ثم أغزو فأقتل” رواه البخارى ومسلم، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين” رواه مسلم، وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، لم أر قط أحسن منها، قالا لي أما هذه فدار الشهداء” رواه البخارى.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *