Share Button

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع العماليق وقد وقفنا عندما قام الملك البابلي الكلداني نابونيد بشن حملة عسكرية في الجزيرة العربية، وقد سيطر فيها على مدن العماليق وهي تيماء، خيبر، مدين، فدك، ديدان، يثرب، وخلال رحلة السنين الطويلة، حصل تزاوج وتمازج بين العماليق من يثرب والقبائل الوافدة، وظهرت أجيال جديدة تحمل دماء مختلطة، وما لبث العماليق المتميزون بضخامة الأجسام أن قل عددهم تدريجيا، ولكنهم لم ينقرضوا تماما، بل بقيت منهم بقية وكانت لاتزال من العماليق بقية إلى عصر النبوة في يثرب، حيث يذكر أن بني أنيف، وهم حي أقاموا مع اليهود قبل وصول الأوس والخزرج، كانوا منهم، وعندما وصل الإسلام إلى يثرب لم يكن قد بقي منهم إلا أفراد قلائل تميزوا بطول القامة، وقد هاجر الكنعانيون والعموريين، وهما شعبان من العماليق وهم من أقدم الأمم كانت تسكن الحجاز.

وقد جاء ذكرهم في بعض الكتب العربية ككتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير حيث قال، أن عميلق وهو أبو العماليق ومنهم كانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم الكنعانيون والفراعنة بمصر وكان أهل البحرين وعمان منهم ويسمون جاسم وكان منهم بنو أميم بن لاوذ أهل وبار بأرض الرمل وهي بين اليمامة والشحر، وكذلك يعتبر الأموريين من العماليق، ومن أول الشعوب السامية القديمة التي هاجرت من الجزيرة العربية باتجاه العراق وسوريا، فانتشروا في أواسطها وشمالها وشرقها، وأسسوا عدة ممالك ومدن من أشهرها، هى يمحاض وكانت عاصمتها مدينة حلب، ومن أشهر ملوكها يارم ليم وابنه حمورابي معاصر حمورابي ملك بابل، ومملكة آسين التي تأسست في بلاد مابين النهرين، والدولة البابلية الأمورية، ومملكة ماري وهى قرب البوكمال، وكانت أقدم أكادية سومرية وكانت حضارتها تشبه.

حضارة السومريين، وقد أخذ الأموريون حضارة السومريين والأكاديين، فازدهرت مملكة ماري ازدهارا عظيما وسيطرت على طرق المواصلات التي تصل الخليج العربي بسوريا والأناضول قرابة قرنين من الزمان، أما حضارة الأموريين فهي حضارة البابليين في جميع وجوهها، وقد هاجر الكنعانيون مع الأموريين لكنهم استوطنوا سوريا الجنوبية، ولاختلاف موضع الشعبين تأثر الأموريون بالحضارة السومرية، وهى الأكادية وتأثر الكنعانيون بالحضارة المصرية وحضارة مغرب البحر المتوسط، وقد انتشر الكنعانيون على طول الساحل الشمالي لسوريا، وتعد لغة الآموريين والكنعانيين لهجتين من فرع واحد وأما الخلاف بين لهجتين لا يختلف عن أكثر مما تختلف اللهجات الشامية اليوم، وقد أطلق اليونانيون اسم فينيقيا المشتق من فينيقيين أي الأحمر الأرجواني على القسم المتوسط والشمالي من ساحل سوريا

كما أطلقوا اسم الفينيقين على الكنعانيين سكان هذا الساحل، وكان الأموريين البدو يسمون انفسهم باسم العمور، تشير مصادر الألف الثالث قبل الميلاد المسمارية إلى أن الأموريين كانوا جماعات بدوية تغلغلت من الجزيرة العربية إلى أواسط بلاد الرافدين وجنوبيها، وتطلق عليهم المدوّنات السومرية اسم مارتو، أما الأكدية فتسمّيهم أَمُورم أي الغربيين أو أهل الغرب، وقد انتشر الأموريون في أواخر العصر الأكدي في مناطق الجزيرة الفراتية، واستمر تسرّبهم في عصر سلالة أور الثالثة إلى مناطق بلاد الرافدين الداخلية على شكل هجرات قبلية متتالية، وقد كانت تربية الحيوانات، هى العمل الرئيسي للبدو الأموريين كما تدل على ذلك المصادر المكتوبة، فقد كانوا مربي أغنام في المقام الأول يتجولون بقطعانهم في مناطق البادية بحثا عن الكلأ والماء، ويعيشون من منتجاتها المختلفة واللبن ومشتقاته والصوف.

وكان الأموريون قبائل يقوم على رأس كل منها شيخ مسؤول يسير شؤونها المختلفة بالتشاور مع مجلس يضم كبار رجالات القبيلة ورؤساء العشائر والأسر الكبيرة ولم تكن هناك قوانين مكتوبة تنظم شؤون المجتمع البدوي بل كانت لهم أعراف وتقاليد لها فعل القانون، وهدفها حماية المجموعة القبلية والأفراد معا، وكانت تتناسب مع الحياة التي تحياها هذه المجموعة، ولم يترك الأموريون نصوصا أو كتابات بلغتهم، والسبب في ذلك هو أنهم كانوا عند دخولهم مدن بلاد الرافدين والشام بدوا لا يعرفون القراءة والكتابة، وقد نزح قسم كبير من الأموريين العماليق إلى مصر تحت ضغط الحيثيين وقد حكموا مصر فتره من الزمان، عندما أتيحت الفرصة لهم بتأسيس مملكتهم بسبب كثرة عددهم والنزاعات والعداءات الداخلية في مصر، وقد جاء ذكر العماليق في الكتابات المصرية القديمة باسم الهكسوس وهى كلمتين.

منفصلتين، هكا، سوس، وتعني الملوك الرعاة، وكما جاء ذكرهم في مواضع أخرى بلفظ، العامو أو العمو، وقد اتخذ العماليق عاصمة لهم في شرق الدلتا اطلقوا عليها اسم زوان، أو صوعن وهى التي كانت تعرف، أورايس، واندمج العماليق مع المصرين القدماء بشمال مصر، ودخلت العديد من الكلمات السامية إلى لغة المصرية القديمة، وفي عصرهم تطورت القدرات القتالية المصرية وأدخلوا العربة الحربية والدروع والحصان العربي وهو حيوان لم يعرفة المصرين القدماء من قبل، ويعتقد العلماء أن العماليق أحرقوا معابد الوثنية وأنهم لم يقروا بدين المصرين، وهذا سبب أن الله عز وجل في القرآن الكريم، لم يلقب الملك الذي عاصرا النبي يوسف عليه السلام، بالفرعون لأنه هو وقومه العماليق لم يؤمنوا بدين المصرين القدماء، وفي عصر حكمهم دخل النبي الكريم يوسف عليه السلام، وبنو إسرائيل مصر.

ومن المحتمل أن يكون ملك مصر في حقبة دخول النبي يوسف عليه السلام، لمصر هو أول أو ثاني ملك من ملوكهم، وكان خروجهم من مصر، على يد الملك أحمس الأول، ولقد ذكر القرآن الكريم حكام مصر الأقدمين وفرق بينهم لما يذكر حكام مصر في عصر نبى الله موسى عليه السلام لا يذكره إلا بصيغة فرعون، وذلك في أكثر من ستين آية كريمة منها قول الله عز وجل فى القرآن الكريم فى سورة البقرة (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون اَبناءكم ويستحيون نِساءكم وفي ذلكم بللاء من ربِكم عظيم) وأما عند ذكر حكام مصر في عصر نبي الله يوسف عليه السلام، فلا يذكره إلا بلفظ الملك فقال الله عز وجل فى القرآن الكريم فى سورة يوسف (وقال الملك إِني أَرى سَبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وآخر يابسات) وقول تعالى فى سورة يوسف أيضا.

(وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم) وتذكر الكتب العربية القديمة ان العماليق دخلوا مصر سلما دون قتال على عكس ما يقوله يوسيفوس فلافيوس, شكل الأموريين العماليق حكام الأسرة الخامسة عشر و الأسرة السادسة عشر، ثم هناك أيضا مسألة جرهم والعماليق أنسباء النبي إسماعيل عليه السلام، وتذكر بعض الروايات أنهم شاركوا في بناء البيت، وهم من العرب العاربة، وربما كانت إجابة التساؤلات في متابعة العرب العاربة، فلنمسك بطرف هذا الخيط ونتتبعه، فقال حمزة الأصفهاني، إن العرب العاربة هي قوم عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وعماليق، وعبيل، وأميم، ووبار، ورهط، وجاسم، وقحطان، بادت ومن بقي منهم أطلق عليهم اسم الأرمان، وقال ابن خلدون إنهم عاد، وثمود، وطسم، وجديس.

ثم لا يذكر عماليق، إنما يذكر عبد ضخم وجرهم، إضافة إلى عبيل، وأميم، وحصور، وحضرموت، والسلفات، والعملاق، هو ضخم البناء، وتحكي لنا كتب التراث روايات كثيرة، تطابق هذا المعنى وتشير إليه، وكيف كان الواحد منهم يحمل الصخرة فيرميها على الجيش فيسحقه، وذلك أن هؤلاء القوم، كانوا في هيئات النخل طولا، وكانوا في اتصال الأعمار بحسب ذلك من القدر، وبالعودة إلى منطق البدوي، الذي عاش حياة متفرقة في قبائل متنازعة متصارعة، ولم تجتمع كلمته في وحدة سياسية واحدة إلا نادرا، وحين حدوثها كانت تحدث بين أهل المدر، وليس بين أهل الوبر، مما جعل هذا البدوي عاجزا عن القيام بالأعمال الكبرى، والمشاريع الضخمة التي تحتاج إلى تكاتف قوى المجتمع الموحد، المنتظم، ومن هنا كان هذا البدوي المرتحل يرى في الأعمال المعمارية الهائلة، التي أقامها جيرانه في مصر والعراق أعمالا إعجازية وعجيبة.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *