Share Button
فى طريق النور ومع المذهب الحنفي ” جزء 3 “
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع المذهب الحنفي، وقيل إنه التقى بالإمام علي بن أبي طالب ودعا له ولذريته، وأما أبو حنيفة فقد ولد سنة ثمانين بالكوفة في عهد عبدالملك بن مروان، وإمارة الحجاج الثقفي، ونشأ بها، فحفظ القرآن الكريم، وتلقاه على يد الإمام عاصم بن أبي النجود، وعاش أكثر حياته فيها متعلما ومعلما وداعيا، واشتهر بالصدق والأمانة، والورع والكرم والعلم، وقد بدأ حياته مساعدا لأبيه في التجارة، وبدت عليه مخايل الذكاء والنجابة والصدق، حتى أطلق عليه الفقيه الخزاز، وفي أثناء تردده على السوق قابله الإمام الشعبي المحدث المعروف، فنصحه بالنظر في العلم ومجالسة العلماء إذ رأى فيه يقظة وحركة،فتأثر بالنصيحة، وبدأ يدرس علم العقائد والجدل.
وظل ينتقل بين البصرة والكوفة طلبا لعلم الكلام، كما قال عن نفسه “وكنت أعطيت جدلا في الكلام، وأصحاب الأهواء في البصرة كثير، فدخلتها إحدى وعشرين مرة، وربما أقمت بها سنة أو أكثر أو أقل ظنا أن علم الكلام أجل العلوم، فلما مضت مدة من عمري تفكرت وقلت السلف كانوا أعلم بالحقائق، ولم ينتصبوا مجادلين، وخاضوا في علم الشريعة ورغبوا فيه، فتركت الكلام واشتغلت بالفقه، ثم اختار أستاذه حماد بن سليمان الذي كان يعقد جلساته العلمية في المسجد الجامع بالكوفة، ولازم شيخه حمادا الذي خلف إبراهيم النخعي تلميذ الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، وكان يكثر السؤال ويلح في الجدل حتى ليحمر وجه حماد، لكن شيخه كان يقدره.
ويقول “هذا على ما ترى منه يقوم الليل كله ويحييه” واستمر في ملازمته عشر سنوات متتابعات، يحظى من شيخه بقسط كبير من الرعاية، وحين غاب حماد شهرين أناب عنه أبا حنيفة ليجلس مكانه، وفي هذه الفترة عرضت له مسائل لم يسمعها من شيخه، فأخذ يجيب عنها ويدون إجاباته ليعرضها على أستاذه عند عودته، فلما راجعها حماد أقر منها أربعين، وأنكر عشرين، فأحب أبو حنيفة التدوين منذ ذلك، وكانت أول فتوى خالف فيها شيخه إجابة عن سؤال لرجل كان على دابة سيور وغابت الشمس وليس على وضوء ويريد صلاة المغرب، فقال له حماد تيمم، فسئل فيها أبو حنيفة فقال سر وانتظر غيبوبة الشفق، فإذا خشيت ذلك فتيمم، وحين بلغ أبو حنيفة سن الأربعين.
صعدت روح حماد إلى بارئها سنة مائة وعشرون للهجرة، فوجد الناس عنده ما لم يجدوه عند غيره، فلزموه وتركوا سواه، حتى إن إسماعيل بن حماد نفسه وإخوانه جلسوا في مجلس أبي حنيفة، حتى صارت حلقته أعظم حلقة في المسجد، وكثر حساده، وكان وفيّا لشيخه، يدعو له مع والديه، بل سمى ولده بحماد تخليدا وحبا لذكراه، ودامت حلقته ثلاثين عاما، وذهب إلى الحج خمسا وخمسين مرة، يناظر ابن جريج في مكة، والأوزاعي فقيه الشام، والليث بن سعد فقيه مصر، والإمام مالكا فقيه المدينة، وكان في لقاءات هؤلاء العلماء فائدة كبيرة لأبي حنيفة إذ جمع منها خلاصات التفكير الإسلامي في كل أرجاء العالم الإسلامي، مما جعله قديرا في الحوار بفهم ووعي.
وقد عرض عليه ابن هبيرة في عصر الأمويين أن يعمل معه، فامتنع، فضربه ضربا شديدا حتى تورم رأسه، ولم يضعف أمام جلاده، ولم يتخذ التقية كغيره، بل فر من سجنه إلى مكة بعد أن مكنه الجلاد من ذلك، واتخذ مكة مستقرا ومقاما من سنة مائة وثلاثون إلى أن استقام الأمر للعباسيين، وعكف فيها على الحديث والفقه بما ورثت مكة من علم ابن عباس مدة ست سنوات، تثقف إذن أبو حنيفة بكل الثقافة الإسلامية في عصره، سواء كان ذلك في الحديث والنحو والشعر والأدب والجدل، ثم تخصص في الفقه بدءا من تلمذته على يد حماد بن سليمان مدة ثمانى عشر سنة، ولم يقف اجتهاد أبي حنيفة عند المسائل التي تعرض عليه أو التي تحدث فقط.
قد تكون صورة لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏جلوس‏‏ و‏منظر داخلي‏‏
Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *