Share Button
فى طريق النور ومع المذهب الحنفي ” جزء 4 “
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع المذهب الحنفي، ولم يقف اجتهاد أبي حنيفة عند المسائل التي تعرض عليه أو التي تحدث فقط، بل كان يفترض المسائل التي لم تقع ويقلبها على جميع وجوهها ثم يستنبط لها أحكاما، وهو ما يسمى بالفقه التقديري وفرص المسائل، وهذا النوع من الفقه يقال إن أبا حنيفة هو أول من استحدثه، وقد أكثر منه لإكثاره استعمال القياس، روي أنه وضع ستين ألف مسألة من هذا النوع، ولم يؤثر عن أبي حنيفة أنه كتب كتابا في الفقه يجمع آراءه وفتاواه، وهذا لا ينفي أنه كان يملي ذلك على تلاميذه، ثم يراجعه بعد إتمام كتابته، ليقر منه ما يراه صالحا أو يحذف ما دون ذلك، أو يغير ما يحتاج إلى تغيير، ولكن مذهبه بقي وانتشر ولم يندثر.
كما اندثرت مذاهب كثيرة لفقهاء سبقوه أو عاصروه، وذلك بفضل تلاميذه الموهوبين الذين دونوا المذهب وحفظوا كثيرا من آراء إمامهم بأقواله وكان أشهر هؤلاء أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم المتوفى سنة مائة وثلاثة وثمانون من الهجرة، وهو يعد أول من دوّن الكتب في مذهب أبي حنيفة، ووصل إلينا من كتبه، الآثار، وكتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، وساعده منصبه في القضاء على أن يمكن لمذهب أبي حنيفة الذيوع والانتشار، وأيضا محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة مائة وتسعة وثمانون من الهجرة، وهو يعد صاحب الفضل الأكبر في تدوين المذهب، على الرغم من أنه لم يتتلمذ على شيخه أبي حنيفة إلا لفترة قصيرة، واستكمل دراسته على يد أبي يوسف.
وأخذ عن الثوري والأوزاعي، ورحل إلى مالك في المدينة، وتلقى عنه فقه الحديث والرواية، وقد وصلت إلينا كتب محمد بن الحسن الشيباني كاملة، وكان منها ما أطلق عليه العلماء كتب ظاهر الرواية، وهي كتب المبسوط والزيادات، والجامع الكبير والجماع الصغير، والسير الكبير والسير الصغير، وسميت بكتب ظاهرة الرواية لأنها رويت عن الثقات من تلاميذه، فهي ثابتة عنه إما بالتواتر أو بالشهرة، وقد جمع أبو الفضل المروزي المعروف بالحاكم الشهيد المتوفى سنة ثلاثة مائة وأربعة وأربعون من الهجرة، كتب ظاهر الرواية بعد حذف المكرر منها في كتاب أطلق عليه الكافي، ثم قام بشرحه شمس الأئمة السرخسي المتوفى سنة ربعمائة وثلاثة وثمانون من الهجرة.
في كتابه المبسوط، وهو مطبوع في ثلاثين جزءا، ويعد من أهم كتب الحنفية الناقلة لأقوال أئمة المذهب، بما يضمه من أصول المسائل وأدلتها وأوجه القياس فيها كتاب المبسوط من أهم كتب المذهب الحنفي في الفقه، وقد انتشر مذهب أبي حنيفة في البلاد منذ أن مكن له أبو يوسف بعد توليه منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية، وكان المذهب الرسمي لها، كما كان مذهب السلاجقة والدولة الغرنوية ثم الدولة العثمانية، وهو الآن شائع في أكثر البقاع الإسلامية، ويتركز وجوده في مصر والشام والعراق وباكستان والهند والصين، ولقد كان الإمام أبو حنيفة واحدا من أعظم المجتهدين، وكان مخططا عظيما للمدينة، وكان مسؤولا عن تخطيط مدينة بغداد.
عندما أسسها المنصور عام سبعمائة وخمسة وستون للميلاد، وكان أبو حنيفة عالم رياضيات من الدرجة الأولى، وكان على دراية بمفاهيم الكثافة المحددة، والحجم المحدد، ونفذها عمليا، ولم يحصر الإمام أبي حنيفة نفسه في حقل ثقافي واحد، كان ناسكا، وأكاديميا، ويعتكف في المساجد، ورجلا ثريا، وتاجرا ناجحا، وإنسانا رائعا عاش بين عامة الناس بحماس وإيمان، وساهم في المجتمع الذي عاش فيه، ويقع مسجد أبي حنيفة على ضفة نهر دجلة، الآن على بعد ستة كيلومترات تقريبا، من وسط بغداد، وتحديدا في منطقة الأعظمية، ويجذب الزوار إليه من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وتحيط بالمسجد المقبرة القديمة.
قد تكون صورة لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏‏جلوس‏، ‏منظر داخلي‏‏‏ و‏نص مفاده '‏‎REDMI NOTE 9 PRO AI QUAD CAMERA‎‏'‏‏
Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *