Share Button

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع المسلمون وحضارة الإنسانية، بينما تميزت مرحلة الإبداع بالاستخدام الرصين للمنهج الاستقرائي متكاملا مع المنهج الاستنباطي في منظومة منهجية للاستدلال العقلي، وبرز في مجال الطب والبصريات الرازي، كما برز الكندي في ميدان الآثار العلوية أو ميتاؤرولوجيا والماهاني في الرياضيات، وابن الهيثم في الفيزياء، والبيروني في الفلك وعلوم الأرض، وبالرغم مما قيل من أن القرن السادس الهجري كان نهاية عصر التنوير وبداية الركود العلمي، فهناك أدلة كثيرة على أن العلوم العربية بلغت ذروتها في القرنين السابع والثامن الهجري مثل اكتشاف العلامة ابن النفيس للدورة الدموية، وعرض لسان الدين الخطيب لقضية العدوى.
ووضع علم حساب المثلثات من قبل نصير الدين الطوسي، والاكتشافات الخطيرة والمتعددة في علم الرياضيات لغيّاث الدين الكاشي، والمحاولات الرائعة في علم الفلك لقطب الدين الشيرازي وابن الشاطر، ووضع ابن خلدون لفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع في القرنين السابع والثامن من الهجرة، ومع بوادر النهضة العلمية ظهرت الجامعات الإسلامية لأول مرة في العالم الإسلامي قبل أوروبا بقرنين من الزمان، وكانت أول جامعة أسست بتونس وهي جامعة الزيتونة وكان ذلك سنة سبعمائة وسبعة وثلاثون ميلادى ثم ظهر بيت الحكمة الذي أنشئ في بغداد سنة ثمانى مائة وثلاثون ميلادى، ثم تلى ذلك بناء جامعة القرويين سنة ثمانى مائة وتسعة وخمسون ميلادى، في فاس ثم جامعة الأزهر سنة تسعمائة وسبعون ميلادى في القاهرة.
ولقد أنشئت أول جامعة في أوروبا في “سالرنو” بصقلية سنة الف وتسعين ميلادى على عهد ملك صقلية روجر الثاني، وأخذ فكرتها عن العرب بوقتها ثم تلاها جامعة بادوفا بإيطاليا سنة الف ومائتان واثنين وعشرين، وكانت الكتب العربية تدرس فيها وقتها وكان للجامعات الإسلامية تقاليد متبعة وتنظيم، فكان للطلاب زي موحد خاص بهم وللأساتذة زي خاص وربما اختلف الزي من بلد إلى بلد، ومن عصر إلى عصر وقد أخذ الأوربيون تقليد الزي الجامعي الإسلامي فكان الروب الجامعي المعمول به الآن في جامعاتهم، وكان الخلفاء والوزراء إذا أرادوا زيارة الجامعة الإسلامية يخلعون زي الإمارة والوزارة ويلبسون زي الجامعة قبل دخولها، وكانت اعتمادات الجامعات من إيرادات الأوقاف.
فكان يصرف للطالب المستجد زي جديد وجراية لطعامه، وأغلبهم كان يتلقى منحة مالية بشكل راتب وهو ما يسمى في عصرنا بالمنحة الدراسية، فكان التعليم للجميع بالمجان يستوي فيه العربي والأعجمي والأبيض والأسود، وفي الجامعات العربية كان يوجد المدن الجامعية المجانية لسكن الغرباء وكان يطلق عليها الأروقة، والطلبة كان يطلق عليهم المجاورون لسكناهم بجوارها وكان في الجامعة الواحدة أجناس عديدة من الأمم والشعوب الإسلامية يعيشون في إخاء ومساواة تحت مظلة الإسلام والعلم، فكان من بينهم المغاربة والشوام والأكراد والأتراك وأهل الصين وبخارى وسمرقند وحتى من مجاهل أفريقيا وآسيا وأوروبا وكان نظام التدريس في حلقات بعضها يعقد داخل الفصول وأكثرها كان في الخلاء.
بالساحات أو بجوار النافورات بالمساجد الكبرى وكان لكل حلقة أستاذها يسجل طلابها والحضور والغياب ولم يكن هناك سن للدارسين بهذه الجامعات المفتوحة وكان بعض الخلفاء والحكام يحضرون هذه الحلقات وكانوا يتنافسون في استجلاب العلماء المشهورين من أنحاء العالم الإسلامي، ويغرونهم بالرواتب والمناصب، ويقدمون لهم أقصى التسهيلات لأبحاثهم وكان هذا يساعد على سرعة انتشار العلم وانتقال الحضارة الإسلامية بديار الإسلام ويمكن القول أن ظهور الحضارة كمفهوم إسلامي قد ترجم الرحمة التي بعث بها الأنبياء على أرض الواقع، وتعتبر الدراسات العربية الإسلامية بمثابة أحدث الدراسات التي تناولت البيئة وعلم البيئة، وخصوصا التلوث.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *