Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع المفسدين فى الأرض، وإن المرتبة الرابعة من الفساد هى إفساد الدائرة الأوسع في المجتمعات عن طريق إشاعة الأمراض الاجتماعية المفسدة بواسطة المضلين مثل إثارة فتن الشبهات والشهوات، والوقوف في وجه المصلحين وإحداث العقبات في طرقهم زعما بأنهم يقفون ضد مصالح الناس، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” وقال الملأ المضلون من قوم فرعون كما جاء فى سورة الأعراف ” أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك” وإن المرتبة الخامسة هى الإفساد الناشئ عن فساد الحكام والقادة والزعماء، وهو الفساد الأكبر، لأن الكبراء إذا فسدوا في أنفسهم فإنهم ينشرون الفساد بقوة نفوذهم واستخدام سلطاتهم وقوتهم وقد ذكر القرآن عن بلقيس قولها كما جاء فى سورة النمل “إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون” وكثيرا ما يزعم الطغاة المتكبرون أن المصلحين هم أصحاب الفساد، كما قال فرعون عن موسى عليه السلام كما جاء فى سورة غافر ” إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد” هذا بالرغم من أن فرعون نفسه كان مكثرا من الإفساد بكل أنواعه، ولا تشفع له الأبراج العالية والأصنام المنصوبة والقبور المشيدة فيما يطلق عليه الحضارة الفرعونية.
فإنها جميعا شواهد على استبداد وسيطرة وطغيان الفراعين الذين كانوا يطمعون أن ينقلوا معهم الثروات المسروقة من الشعوب المستضعفة إلى قبورهم، فقال الله تعالى فى سورة الفجر ” وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد” وقد وصف القرآن الكريم فرعون بالعلو والإفساد في الأرض كما جاء فى سورة القصص ” إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا، يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم، إنه كان من المفسدين” ومثلما كان فرعون، مفسدا بنفوذه السياسي والعسكري، فقد كان قارون مفسدا بنفوذه المالي الاقتصادي، وقد كان قادرا على استعمال أمواله في الإصلاح في الأرض، ولكنه أبى إلا أن يستعمل نعمة الله في محاربة الله، وقد قال له الناصحون من قومه كما جاء فى سورة القصص ” ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي” وقد أوسع المتعالون من بني إسرائيل الأرض فسادا، فكلما زاد علوهم زاد فسادهم، فقال الله تعالى عنهم كما جاء فى سورة الإسراء ” وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا” وكثر فسادهم وإفسادهم حتى صار الإفساد ديدنهم، وصار طبيعة فيهم حتى أنهم لا يشعرون بذلك، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون”
ولم يفلح معهم العلاج، حتى الوحي المتنزل من السماء لم يمنعهم من الإفساد، بل كانوا يوغلون في الطغيان حتى فيما بينهم، فصاروا ميؤوسا من صلاحهم واستحقوا أن يكونوا الأمة المغضوب عليها إلى يوم القيامة بسبب فسادهم وإفسادهم فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين” والفساد في بني إسرائيل لم يكن على مستوى الساسة والقادة والزعماء فقط، بل وصل إلى من يفترض أنهم يقفون في وجه الفساد إصلاحا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، فقد سكت علماء الضلالة فيهم عن إنكار المنكر، فقال الله تعالى فى سورة المائدة ” وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يفعلون، لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يصنعون” فإن تلك المراتب الخمس للإفساد في الأرض، قد أحدثها ويحدثها البشر على هذا الكوكب، فالناس لا غيرهم من المخلوقات هم الذين ملأوا الأرض بالفساد حين ضلوا عن مناهج الوحي الإلهي عبر العصور، أما بقية مظاهر الحياة على الأرض فإنها تتأثر بفساد المفسدين من البشر تبعا، فقال الله تعالى فى سورة الروم ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون”
وإن استفحال الفساد والإفساد في العالم يؤدي إلى مساوئ وآثار سلبية كبيرة ومتنوعة ومن هذه الآثار، هى آثار دينية، فإن الفساد سبب في نزول العذاب وحلول النقم من الله تعالى، وهناك أيضا آثار اجتماعية، حيث يزرع الفساد بذور التفرقة والعداوة والبغضاء بين الناس ويحطم كيان الأسر، وتتفاقم المشكلات الأسرية، وفيه إهدار لكرامة الفرد وعرضه، ويهدد النوع البشري، وأما الآثار النفسية والصحية، فالمفسد فاقد للأمن النفسي والاستقرار العقلي، حيث يسيطر القلق والاضطراب عليه، وأما آثاره الاقتصادية، فتترتب عليه مضار كثيرة ويؤدي إلى إهدار المال العام، ويعود على الدولة بالخسارة المالية، ويقف دون التقدم الاقتصادي والرقي الحضاري للمجتمع، وأما آثاره السياسية، فيعد الفساد عدو التنمية، فهو من أسباب فشل خطة التنمية في الدول النامية، وهو مشجّع على كل مظاهر الفوضى والخروج على النظام العام، وإن الدين الإسلامي الحنيف حارب الفساد منذ اليوم الأول لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، بدءا من فساد العقيدة فقد جاء ليحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, وجاء ليقضى على الأخلاق الذميمة والعصبيات الجاهلية, وينشر بدلا منها, الأخلاق القويمة الحميدة, وتكون العصبية للدين وحده, جاء ليقضى على كل مظاهر الفساد الاقتصادية والاجتماعية.
ويؤصل بدلا منها كل ما هو حسن وكل ما من شأنه أن ينهض بالأمة ويجعلها رائدة العالم كله، وقد انتهج الإسلام في محاربة الفساد نهجا قويما, فالإسلام قد نظر إلى هذا الفساد بكل أنواعه, وأدرك أسبابه الخفية والظاهرة وعمل على علاجها علاجا جذريا حقيقيا وليس علاجا صوريا كما هي المناهج العصرية التي ينتهجها الناس اليوم, ثم عالج الفساد بعد حدوثه، وحاربه بسبل وطرائق لا يستهان بها، بل لقد أثبت التاريخ أن النهج الإسلامي هو أنجح السبل في محاربة الفساد, وهذا ليس بالشيء الغريب، فالإسلام منهج حياة كامل متكامل صالح لكل زمان ومكان، ويصلح كل ما أفسده الناس في كل زمان ومكان، ولكن ننبه إلى أن حد الحرابة لا يطبقه إلا السلطان أو نائبه، كما قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع، أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنا، أو السرقة، أو الشرب، لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد، لأن الحدود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها للإمام، وأما أهل المفسد وذويه ممن ليسوا معه في الإفساد، فلا يؤاخذون بجريرته، ويحرم الاعتداء عليهم، أو أذيتهم بذنبه، فلو كان يظن مثل هؤلاء أنهم أحرار في أن يكونوا فاسدين، فهم ليسوا أحرارا بنشر فسادهم، وسنقوم وسيقوم أهل السداد والخير بالتصدي لهم.
حتى يتبين فسادهم ويفضحهم الله على رءوس العالمين، ويجب على أهل الخير أن يتكاتفوا في التصدي لمثل هذا الفساد فهو لا يقل عن الفساد الملموس بل هو أدهى وأمر فهو يدمر الدين والقيم، وإن الصراع الواقع على ظهر الأرض منذ بدأت عليها الحياة البشرية، إنما هو صراع بين المصلحين والمفسدين والعاقبة فيه لأهل الصلاح في الدنيا والآخرة، فقال الله تعالى فى سورة القصص ” تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين” وإن للمصلحين طرق ومناهج للإصلاح، كما أن للمفسدين سبل وطرائق للإفساد وعلى الناس أن يتبعوا سبيل المصلحين ويجتنبوا سبل المفسدين، فقال الله تعالى فى سورة الشعراء ” ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون” وقد أوصى نبى الله موسى عليه السلام، أخاه هارون حين استخلفه بألا يتبع سبل المفسدين كما جاء فى سورة الأعراف ” وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين” فهما صنفان من الناس مصلح أو مفسد ولا يستويان، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لايحب الفساد” ولا يمكن أن يستوي أهل الإصلاح وأهل الإفساد في الدنيا ولا في الآخرة.
فقال الله تعالى فى سورة ص ” أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، أم نجعل المتقين كالفجار” أبدا لا يستون فقال تعالى فى سورة الرعد ” والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار” وفي تلك الدار، دار البوار، فإن العذاب يضاعف للمفسدين جزاء ما تعدى فسادهم في أنفسهم إلى إفسادهم لغيرهم كما جاء فى سورة النحل فى قوله تعالى ” الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون” وهل بعد ذلك من خسران؟ أبدا، فقال تعالى فى سورة البقرة ” الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون” وإن أثر الفساد والإفساد ليس له حدود لو سارت الأمور على مقتضى أهواء المفسدين، فالكون كله يفسد لو سارت أموره بحسب أهواء أهل الفساد فقال الله تعالى فى سورة المؤمنون ” ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن” ولو لم يقف المصلحون في وجه المفسدين لعم الفساد أرجاء الأرض ولشمل الضلال كل أطرافها، ولكن من رحمة الله أنه يدفع فساد المفسدين بجهاد المصلحين وذلك كما جاء فى سورة البقرة ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين”

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *