Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع الملك صدقيا بن يوشيا وقد توقفنا عند أنه لا يوجد إعادة إعمار للمعبد، وهو معبد وهيكل سليمان وهو الآن على ما هو عليه منذ وقت تدميره مِن قبل نبوخذ نصر، وحسب ما ذكر في سفر إرميا أن نبوخذنصر جلب صدقيا عنده وأمر بقتل أولاد صدقيا أمام عينيه، وثم أمر بقلع عيني صدقيا، وأما عن سفر إرميا فهو ثاني أسفار الأنبياء في الكتاب المقدس العبري، وفي العهد القديم المسيحي، ويُعرّف الكتاب المقدس بأنه هو كلمات إرميا بن حلقيا، ومن بين جميع الأنبياء، يظهر إرميا بوضوح أكثر كشخص يتأمل مع كاتبه باروخ دوره كخادم لله، ويهدف كتابه إلى إرسال رسالة إلى اليهود في المنفى في بابل، يشرح فيها كارثة المنفى كرد فعل من الله على عبادة إسرائيل للأوثان، حيث يقول إرميا أن الناس مثل الزوجة غير المخلصة أو الأولاد المتمردين، فجعلت الخيانة الزوجية والتمرد الحكم لا مفر منه.

على الرغم من ذلك تنبأ بالاستعادة وقيام عهد جديد، وبعد ذلك لم تذكر مصادر التوراة مصيره وكيفية وفاته، ومع أن مملكة يهوذا كانت قد إلا أن البابليين قرروا تعيين شألتيل ملكا على الذين أبقوهم البابليين في أورشليم خلفا لصدقيا، وقيل أنه من المحزن أن أولاد يوشيا لم يكن بينهم واحد من الأتقياء أو الصالحين، ولم يكن من بينهم من ورث عن أبيه رقة قلبه، الذى عندما قرئت أمامه الكلمة الإلهية مزق ثيابه، أما يهوياقيم ابنه، فقد مزق الكلمة وألقى بها فى النار، ولم يكن صدقيا أفضل من أخيه، إذ أنه سمع كلمة النبى إرميا، ومزقها برفضها وعدم المبالاة بها، ولم يكن الرؤساء أقل احتقاراً للكلمة أو للنبى المتكلم بها، وها نحن نراهم يعاملون إرميا أسوأ معاملة ويحرضون الملك على قتله، وإذ يسلمه لأيديهم يلقون به فى الجب، الذى لم يكن به ماء بل وحل، وغاص إرميا فى الوحل، وكان هؤلاء الرؤساء قد غاصت حياتهم فى وحل الخطيئة وحمأتها.

ومن المؤسف أن الرجل البار بأمته والذى يغار عليها، ويبكى نهاراً وليلا قتلى نبت شعبه، هو الذى يلقى به فى الجب ليلطخ بالوحل ، الذى كانوا هم أولى به وأحق، والذى لم يلبث أن لا حقهم ولكن فى بئر أرهب وأعمق، وذلك فى السبى البابلى البعيد، وقد تغلغلت الخطية فى الشعب الذى سار على شاكلة قادته ورؤسائه، وكانت أكثر مظاهر الضعف التعلق بالمنظور من الطقوس والفرائض، والتصور أنه مادام الهيكل قائما، فلا شر يمكن أن يلحق بهم، وقال لهم إرميا لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو، ها إنكم متكلون على كلام الكذب الذى لا ينفع، أتسرقون وتقتلون وتحلفون كذبا وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى لم تعرفوها ثم تأتون وتقفون أمامى فى هذا البيت الذى دعى باسمى عليه وتقولون قد انقذنا حتى تعلموا كل هذه الرجاسات، هل صار هذا البيت الذى دعى باسمى عليه

مغارة لصوص فى أعينكم، وقد أكد المسيح هذه الحقيقة بنفسه عندما تكررت الصورة فى أيامه، عندما طرد الذين يبيعون ويشترون فى الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام وقال لهم، مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص، وإن الخطايا الحقيقية يغض الطرف عنها، والأمور الصغيرة البريئة ينظر إليها كخطايا، وإن من يرتكب الفسق والفجور يمكن أن تغفر خطاياه ، أما أن يفكر الإنسان فهذا ذنب، وأن يسأل هذا أو ذاك الأسئلة عن المعتقدات فأبواب الجحيم تفتح له، وقد حق القول الإلهى فى هوشع، قد هلك شعبى من عدم المعرفة، وطريق الهلاك دائما مفتوح أمام أولئك الذين يهملون الكلمة الإلهية أو يطرحونها خلفهم، وكما أن معرفة الله والتعلق به والشركة معه تضحى فى مثل هذا الجو نادرة وغريبة، حيث يجرى الإنسان وراء الحياة العالمية إلى أن يأتى الطوفان ويقتلع كل شئ، وهكذا كان الحال والنهاية تقترب من يهوذا بأسرع ما يتصور الخيال.

وكان تحالف صدقيا مع مصر وصور وغيرهما للوقوف فى وجه نبوخذ نصر، وأرسل صدقيا إلى إرميا يسأله مشورة الله، وكان الجواب، هكذا قال الرب إله إسرائيل هكذا تقولون لملك يهوذا الذى أرسلكم إلى لتستشيرونى، ها أن جيش فرعون الخارج إليكم لمساعدتكم يرجع إلى أرضه إلى مصر ويرجع الكلدانيون ويحاربون هذه المدينة ويأخذونها ويحرقونها بالنار، وهكذا قال الرب لا تخدعوا أنفسكم قائلين إن الكلدانيين سيذهبون عنا لأنهم لا يذهبون لأنكم وإن ضربتم كل جيش الكلدانيين الذين يحاربونكم وبقى منهم رجال قد طعنوا فإنهم يقومون كل واحد فى خيمته ويحرقون هذه المدينة بالنار، فإذا أضفنا إليه نبوة وقد كان معاصراً لإرميا أو أسبق قليل، وكان حبقوق وإرميا وطنيين من الطراز الأول، وقد عبر الأول بجزعه وفزعه وصرخته إلى الله عما سيفعل الكلدانيون، وعبر الثانى بأحزانه ودموعه ومراثيه.

عن مأساة بلاده وخرابها وضياعها، لكنهما مع ذلك اتفقا بدون أدنى ذبذبة على المصير الذى سيلحق بهذه البلاد، واتفقا على بطلان التحالف مع مصر أو غير مصر، لأن الأمر مقضى به من الله، فهو الذى أقام الكلدانيين، وهو الذى جعلهم أمة هائلة ومخوفة، وقيل فى الكتاب المقدس” خيلها أسرع من النمور وأحد من ذئاب المساء وفرسانها ينتشرون، وفرسانها يأتون من بعيد ويطيرون كالنسر المسرع إلى الأكل ” وقد حدث هذا فعلا، إذ أن جيوش الكلدانيين انطلقت فى غزوها الرهيب فهزمت آشور، وفرعون نخو، فى موقعة كركميش المشهورة، فإذا تصور اليهود أن الكلدانيين سيرجعون عن أورشليم لأن المصريين عادوا مرة أخرى لمناوأة الكلدانيين، ولأن بعض المتاعب واجهت نبوخذ نصر فى الداخل فتراجع عن أورشليم بعض الوقت، مما شجع صدقيا والقادة على التمرد والتحالف مع مصر، فإن كلمات إرميا بددت وهمهم هذا.

وكشفت أن الرجوع وقتى، وأن أية بقية من جيش الكلدانيين ستطوح بالأمة، وتنزل بأورشليم الدمار والضياع، فالأمر ليس أمر القوة فى حد ذاتها، وهل هى كبيرة أو صغيرة وهل الجنود أقوياء أم منهكون من الجراح التى ألمت بهم فإن الأمر أعمق وأقسى وأجل إنه أمر الخطية التى ضيعت الأمة، ولم يكن نبوخذ نصر سوى المعول الذى سيستخدمه الله فى هدمها ولعل هذا يمثل الفرق الواضح بين ثبات الحقيقة الدينية، وتذبذب الفكر السياسى، وكان صوت الأنبياء واضحا كالسيف القاطع البتار، وكان فكر السياسة متأرجحا مليئا بالوهم والخيال والظن، زكانت الحقيقة الدينية المعلنة متكاملة أمام ذهن النبى الذى يستمد نبوته من الله العالم بكل شئ والقادر على كل شئ، وكان الفكر السياسى مرتبطا بالمنظور الذى يتغير بين لحظة وأخرى، ولو أن صديقا كان دارسا للتاريخ لأدرك هذه الحقيقة بعمق، ولكنه كان أعمى البصيرة، قبل أن يصبح أعمى البصر، ومن أيام موسى حتى يومه.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *