Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع الهجرة النبوية المباركة، ونستطيع أن نلاحظ ملامح مهمة لهجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وكان أبرز هذه الملامح الاهتمام بمسألة النية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه” ومع أن الهجرة للزواج ليست محرمة، ومع أن الهجرة لإصابة الدنيا الحلال ليست محرمة كذلك لكنها ليست كالهجرة لبناء أمة إسلامية، فهيهات أن يكون الذي ترك كل ما يملك ابتغاء مرضات الله وسعيا لإنشاء أمة إسلامية، ورغبة في تطبيق شرع الله تعالى في الأرض، كالذي عاش لحياته فقط، وإن كانت حياته حلالا.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “من هاجر يبتغى شيئا فهو له” ثم قال “هاجر رجل ليتزوج امرأه يقال لها أم قيس، وكان يسمى مهاجر أم قيس” وليس هناك سند صحيح يؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد هذه القصة تحديدا عندما تحدث عن هجرة رجل إلى امرأة ينكحها، ولا نعرف كذلك على وجه التحديد من هو الصحابي الذي فعل ذلك لكن المعنى صار واضحا لأن قصة مهاجر أم قيس ثابتة وإن لم نعرف صاحبها، فبدا بجلاء أن النية تغير من ثواب العمل وقبوله، وليس المهاجر لله ورسوله صلى الله عليه وسلم كالمهاجر لأي شيء آخر، ومن الملامح المهمة كذلك في أمر هذه الهجرة الكاملة لكل المسلمين أنها لم تكن بهذا الشمول.
إلا بعد أن أغلقت أبواب الدعوة تماما في مكة، فقد رأينا انغلاق هذه الأبواب تقريبا منذ ثلاث سنوات أي بعد موت أبي طالب وخديجة، ومنذ ذلك التاريخ والرسول صلى الله عليه وسلم يخطط للهجرة، وكان من الممكن أن يكون مكان الهجرة مختلفا عن يثرب لو آمن وفد بني شيبان أو بني حنيفة أو بني عامر أو غيرهم ولكن الله تعالى أراد أن تكون الهجرة إلى هذا المكان لكن المهم هنا في هذه النقطة ملاحظة أن الهجرة لم تكن نوعا من الكسل عن الدعوة في مكة، فلو كانت السبل للدعوة مفتوحة ولو بصعوبة لكان الأولى البقاء لأداء الواجب تجاه أهل البلد ولكن هذا التوقف الكامل عن الدعوة كان هو السبب في البحث عن بديل عملي لنشر الدين.
ويمكن لنا أن نلاحظ فرقا مهما بين الهجرة إلى يثرب والهجرة إلى الحبشة، فالهجرة هنا كانت لجميع المسلمين على خلاف هجرة الحبشة، التي كانت لبعض الأفراد دون الآخرين، والسبب أن طبيعة المكان وظروفه تختلف من الحبشة إلى يثرب، فالمسلمون الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا يُريدون حفظ أنفسهم في مكان آمن حتى لا يُستأصل الإسلام بالكلية إذا تعرض المسلمون في مكة للإبادة، ولم يكن الغرض هو إقامة حكومة إسلامية في الحبشة بل كان المسلمون مجرد لاجئين إلى ملك عادل، أما الهجرة هنا فكان الغرض منها إقامة دولة إسلامية تكون يثرب هي المركز الرئيس لها، ولكن لماذا تصلح يثرب لإقامة الدولة الإسلامية ولا تصلح الحبشة؟
فإن هذا ليس راجعا إلى عامل البعد عن مكة، أو اختلاف اللغة، أو اختلاف التقاليد فقط، وإن كانت هذه عوامل مهمة، ولكن قيل أن الاختلاف الرئيسي هو أن الاعتماد في الحبشة كان على رجل واحد هو النجاشي الملك الذي لا يُظلم عنده أَحد، فإذا مات هذا الرجل أو خُلع فإن المسلمين سيصبحون في خطر عظيم، وقد كاد يحدث ذلك وذلك عندما دارت حرب أهلية كاد النجاشي يفقد فيها ملكه، فما كان منه إلا أن يسّر سبيل الهروب للمسلمين المهاجرين عنده فقد كان لا يملك لهم شيئا أكثر من ذلك، وكان هذا هو الوضع في الحبشة، أما في يثرب فالهجرة لم تكن تعتمد على رجل معين بل تعتمد على شعب يثرب وجيشها، والجو العام هناك صار محبا للإسلام.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *