Share Button

فى طريق النور ومع الهجرة النبوية المباركة ” الجزء السادس ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع الهجرة النبوية المباركة، وأما ما رُوي من كون أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها كانت هي التي تحمل الطعام والماء، وتتجه به كل يوم إلى غار ثور إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأبيها الصديق رضي الله عنه، فهو أمر مستبعد، والله أعلم فالرواية التي ذكرت ذلك بلا سند، حيث قال ابن إسحاق “وكانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما” وهذه الرواية لا تتفق مع ما جاء في الصحيح من كون الطعام أعد وحُمل من بيت الصديق رضي الله عنه مباشرة، كما أن أسماء رضي الله عنها كانت في الشهور الأخيرة من حملها، وإنه لمن الصعب أن تتحرك امرأة في هذه الظروف مسافة ثمانية كيلو مترات في الصحراء.

وهي تحمل الطعام، فضلا عن صعود الجبل الصعب حتى تصل إلى الغار، بالإضافة إلى أن حركتها هذه في عمق الصحراء قد تلفت أنظار القرشيين، لعدم اعتيادهم رؤية النساء بمفردهن في مثل هذه الطرق، فكانت هذه هي عناصر الخطة الدقيقة التي اشترك في وضعها وتنفيذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه، وتعاون معهم فيها فريق من المؤمنين، كلهم من بيت الصديق رضي الله عنهم، بالإضافة إلى الدليل المشرك، وكان بعد أن نجحت بيعة العقبة الثانية، وأصبح الأنصار يمثلون عددا لا بأس به في يثرب، وقبلوا أن يستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحموه مما يحمون منه نساءهم وأبناءهم وأموالهم.

بعد كل هذه الأمور العظيمة التي حدثت في فترة وجيزة جدا، جاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن له بالهجرة إلى يثرب، وكان الإذن بهجرة المؤمنين غير رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء من الله قبيل بيعة العقبة الثانية، أما الآن فصارت الهجرة لزاما على كل المستطيعين من المسلمين وبسرعة يشمل هذا الضعفاء والأقوياء، والفقراء والأغنياء، والرجال والنساء، والأحرار والعبيد، فالمشروع الكبير وهو مشروع بناء الدولة الإسلامية، حيث يحتاج إلى كل طاقات المسلمين، ولا يُسمح لمسلم أو مسلمة بالقعود عن المشاركة في بناء هذا الصرح العظيم، ولم تكن الهجرة أمرا سهلا ميسورا، فالهجرة كانت تعني ترك الديار، والأموال، والأعمال، والذكريات.

وكانت تعني الذهاب إلى حياة جديدة يعلم الجميع أنها ستكون شاقة بل كانت تعني الذهاب إلى المجهول، فالدولة الناشئة قد تتعرض لحرب هائلة شاملة، يشترك فيها كل المشركين في جزيرة العرب بل قد تشارك فيها جنود الأرض كلها، وهي الحرب التي صورها الصحابي الجليل العباس بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه على أنها الحرب للأحمر والأسود من الناس، فهذه هي الهجرة، ليست هروبا ولا فرارا بل كانت استعدادا ليوم عظيم، أو لأيام عظيمة لذلك عظم الله جدا من أجر المهاجرين، فقد قال الله تعالى فى سورة الحج “والذين هاجروا فى سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين، ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم”

ولقد صدر الأمر النبوي لجميع المسلمين القادرين على الهجرة أن يهاجروا لكن لم يبدأ هو صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلا بعد أن هاجر الجميع إلى المدينة، فلم يكن من همّه صلى الله عليه وسلم أن ينجو بنفسه أولا، أو أن يؤمّن حاله، أو أن يحافظ على أمواله، إنما كان كل همّه صلى الله عليه وسلم أن يطمئن على حال المسلمين المهاجرين، فكان يتصرف كالربّان الذي لا يترك سفينته إلا بعد اطمئنانه على أمن كل الركاب فالقيادة ليست نوعا من الترف أو الرفاهية، إنما هي مسئولية وتضحية وأمانة، ونستطيع أن نلاحظ ملامح مهمة لهجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وكان أبرز هذه الملامح الاهتمام بمسألة النية.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *