Share Button
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى ومع بيعة الرضوان، وقد وقفنا عندما استنفر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه، وقد ساق معه الهدي وأحرم بالعمرة لتعلم قريش أنه خرج زائرا للبيت الحرام، فخرج منها يوم الاثنين غرة شهر ذي القعدة ومعه زوجته السيده أم سلمة، ولم يخرج بسلاح، إلا سلاح المسافر وهى السيوف فقط، وساق معه سبعين بدنة، واستخلف على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي وقيل، استخلف عبد الله بن أم مكتوم، ولمّا علمت قريش بذلك، قررت منعه عن الكعبة، فأرسلوا مائتين فارس بقيادة خالد بن الوليد للطريق الرئيسي إلى مكة، ولما وصل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لعسفان لقيه بشر بن سفيان الكلبي وأخبره بجيش قريش، فاتخذ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، طريقا آخر، وكان دليله في هذا الطريق حمزة بن عمرو الأسلمي.
حتى وصل إلى بشر الحديبية على بعد تسعة أميال من مكة، فجاءه نفر من خزاعة ناصحين له، فقال لهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جَمُوا، وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره ” فعادوا إلى قريش موصلين تلك الرسالة، فبعثت قريش الحليس بن علقمة الكناني سيد الأحابيش بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة وحلفاء قريش فلما رآه الرسول قال ” إن هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ” فلما رأى الحليس بن علقمة الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، رجع إلى قريش ولم يصل إلى الرسولِ الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
إعظاما لما رأى، فقال لهم ذلك، فقالوا له ” اجلس، فإنما أنت أعرابي لا علم لك ” فغضب عند ذلك الحليس وقال ” يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أيُصد عن بيت الله من جاء معظما له؟ والذي نفس الحليس بيده، لتخلن بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد ” فقالوا له ” مه، كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به ” ثم بعثت قريش عروة بن مسعود الثقفي، ليفاوض المسلمين، فأعاد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عليه نفس العرض، فعاد لمكة قائلا ” والله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدون إليه النظر تعظيما له، وقد عرض عليكم خطة رُشد فاقبلوها
وقد أراد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن يبعث أحد الصحابة للتفاوض مع قريش على دخول مكة للعمرة، فدعا عمر بن الخطاب، ولكن عمر قال ” إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني هو عثمان بن عفان، فدعا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عثمان بن عفان، فانطلق عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص وأجاره في بيته، وذهب عثمان إلى أبي سفيان بن حرب وأشراف مكة يخبرهم أن المسلمين لم يأتوا لحرب وإنما جاءوا زائرين للبيت الحرام، فقالوا لعثمان، إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال عثمان رضى الله عنه، ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتبسته قريش عند ذلك ثلاثة أيام، فبلغ المسلمين أن عثمان قد قتل، وقيل أن عثمان بن عفان دخل مكة ومعه عشرة من الصحابة.
ليزوروا أهاليهم ولم يذكروا أسماءهم، فلما احتبست قريش عثمان عندها ثلاثة أيام، أشاع الناس أنهم قتلوه هو والعشرة الذين معه، فعندئذ قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، للصحابة ” لا نبرح حتى نناجز القوم ” ودعا المسلمين إلى البيعة على القتال حتى الموت، وأمر عمر بن الخطاب أن ينادي الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، وكانت البيعة كما قال سلمة بن الأكوع على عدم الفرار وأنه إما الفتح وإما الشهادة، وكان الناس يقولون أن البيعة كانت على الموت، وكان جابر بن عبد الله يقول ” إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت، ولكن بايعنا على أن لا نفر” وقد كان عدد المبايعين في ذلك اليوم يُقدر بحوالي ألف وأربعمائة من الصحابة، وقال ابن حجر العسقلاني ” أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، ويؤيده قول البراء بن عازب في رواية عنه “كنا ألفا وأربعمائة أو أكثر”
وكان أول من بايع أبو سنان الأسدي وهو أخو عكاشة بن محصن، فقال له النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “على ما تبايع؟ فقال له على ما فى نفسك يا رسول الله ” وزاد ابن عمر، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وما في نفسي؟ قال، أضرب بسيفي بين يدك حتى يظهرك الله أو أقتل، فبايعه، وبايعه الناس على بيعة أبي سنان ” وقد بايع جميع الحاضرين إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة وكانوا يعدّونه من المنافقين، فكان جابر بن عبد الله يقول والله لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته قد ضبأ إليها يستتر بها من الناس، وكان من أشهر من حضر البيعة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وأم سلمة، ومن الصحابة من بايع أكثر من مرة مثل سلمة بن الأكوع الذي بايع ثلاث مرات كما ورد في صحيح مسلم، ثم علم المسلمون أن خبر مقتل عثمان بن عفان كان باطلا.
وكانت البيعة سبب من أسباب صلح الحديبية، فلما علمت قريش بهذه البيعة خافوا وأشار أهل الرأي فيهم بالصلح، وكما يعدّ علماء المسلمين عثمان بن عفان ممن حضر البيعة، لأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بايع عنه، فوضع يده اليمنى على اليسرى وقال ” اللهم هذه عن عثمان ” وقال في ذلك صاحب الهمزية مادحا عثمان بن عفان، وكما وردت عدة أحاديث نبوية في فضل أهل هذه البيعه، ومنها، ما رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله أنه قال ” كنا يوم الحديبية ألف وأربع مائة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أنتم خير أهل الأرض ” وما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أنه قال، أخبرتني أم مبشر، أنها سمعت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يقول عند حفصة ” لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها” قالت، بلى يا رسول الله ” فانتهرها فقالت حفصة ( وإن منكم إلا واردها )
فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد قال الله عز وجل ( ثم ننجى الذين أتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) وما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما ” أن عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية” وقد كانت شجرة الرضوان بفج نحو مكة بالقرب من بئر الحديبية، ولكن المسلمين نسوا مكانها ولم يجدوها حين خرجوا للعمرة في العام التالي لصلح الحديبية، فروى البخاري عن سعيد بن المسيب أنه قال “حدثنى أبى أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجره، قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها ” وكذلك قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما” رجعنا من العام المقبل فما أجتمع منا اثنان على الشجره التى بايعنا تحتها، كانت رحمه من الله”
وكما ذكر الطبري أن عمر بن الخطاب مر بمكانها فبحث عنها فقال “أين كانت؟ فجعل بعضهم يقول: هنا، وبعضهم يقول: ههنا، فلما كثر اختلافهم قال ” سيروا، هذا التكلف ” فقيل أن الشجرة ذهبت وكانت سمُرة إما ذهب بها سيل، وإما شيء غير ذلك، ورجَّح الحاكم النيسابوري ذلك في كتابه معرفة علوم الحديث فقال ” ثم إن الشجرة فُقدت بعد ذلك، فلم يجدوها، وقالوا إن السيول ذهبت بها، وقد ذكر ابن حجر العسقلاني أن في اختفاء الشجرة وعدم معرفتها حكمة فقال، وبيان الحكمة في ذَلِك وهو أَن لا يحصل بِها افتتان لِما وقع تحتها من الخير، فَلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها، حتى ربما أَفضى بِهِم إلى اعتقَاد أَن لها قوة نفع أَو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها، وقد علق على ذلك ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري فقال ” إنكار سعيد بن المسيّب على من زعم أنه عرفها معتمدا على قول أبيه، إنهم لم يعرفوها في العام المقبل، لا يدل على رفع معرفتها أصلا.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *