Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع حصار شِعب أبو طالب، ومن جديد عقد المشركون اجتماعا طارئا وعاجلا، خرجوا منه في نهاية الأمر بقانون جديد، فقد ابتكروا وسيلة جديدة لحرب أهل الإيمان، وقرروا بالإجماع أن ينفذوا هذا القانون، وكان هذا القانون هو المقاطعة، وتفعيل سياسة الحصار الاقتصادي والاجتماعي لبني عبد مناف، وإعمال سياسة التجويع الجماعي لهم، سواء كانوا كفارا أم مسلمين، واجتمع الكفار يعملون على صياغة القانون الجديد، وهو القانون الذي يخالف كل أعراف وتقاليد وقيم مكة السابقة، وهكذا لم يكن مهما عندهم أن يتغير الدستور المكي ما دام أن ذلك لمصلحتهم الخاصة فكل شيء في أيديهم، ولا يهم كذلك أنهم في الشهر الحرام ذي الحجة.
أو في البلد الحرام مكة، فالمصالح عندهم تتقدم على الأعراف والقوانين والدين، فليس هناك مبدأ يُحترم، ولا قانون يُسوّد، ولا عهد يُبجّل، ولقد أبرموا فيه أنه على أهل مكة بكاملها في علاقتهم مع بني عبد مناف أن لا يناكحوهم أي لا يزوجونهم ولا يتزوجون منهم، وأن لا يبايعوهم أي لا يبيعون لهم ولا يشترون منهم، وأن لا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، وأن لا يقبلوا من بني هاشم وبني المطلب صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، وهكذا كان في غاية الوضوح السبيل الوحيد لفك هذا الحصار هو تسليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيا ليقتله زعماء الكفر بمكة، وذلك حدث عندما لم تفلح جميع محاولات قريش.
في ثني النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوته المباركة، ولا في إقناع أبي طالب بالتخلي عنه وعن نصرته، ولا في منع الناس من الدخول في الإسلام، عبر وسائل الترهيب تارة والترغيب أخرى، أجمعوا أمرهم على حرمانهم ومقاطعتهم اقتصاديا، والتضييق عليهم في المأكل والمشرب والملبس، وهي آخر وسيلة وأمل لهم، يرجون أن يحصلوا منه على نتيجة مرضية لهم، فإن الإنسان مهما تحمل من الآلام، إلا أن تحمله للجوع والعطش محدود، وهذا ظاهر بمجرد الالتفات إلى طبائع البشر وسلوكهم في الحياة عبر التاريخ، بل ان مجمل الحروب التي حصلت في التاريخ كانت ذات طابع اقتصادي أولا وبالذات، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت على موقفه فلن يكون بمقدور اتباعه الصبر.
على ذلك، والموت في سبيله، ولو فرض ذلك، فإن صراخ الأطفال وأنينهم، تحت ضغط الجوع، ربما دفعهم إلى الاستسلام والتراجع، لعدم قدرتهم على تحمل عذابات أطفالهم أمام أعينهم، فإن العاطفة كثيرا ما تتغلب على العقل في مقامات كهذه، وهو ما يغير المعادلة لمصلحة قريش حسب زعمهم، فقرروا إدارة الحرب بشكل آخر، من خلال المقاطعة الاقتصادية، وحرمان المسلمين من أدنى مقومات العيش، بعد أن لم تفلح كافة الأساليب الأخرى، فكتبوا في شهر محرم من السنة السابعة للبعثة صحيفة تعاقدوا عليها، ووقع عليها أربعون من شيوخهم، وكتبوا فيها أنهم لا يزوجون بني هاشم وبني عبد المطلب ولا يتزوجون منهم، ولا يبيعونهم ولا يبتاعون منهم.
ولا يجتمعوا معهم على أمر من الأمور، أو يسلموا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، وإلا فإنهم سيموتون جوعا وعطشا، وبالتالي فلا يتحمل أحد مسؤولية قتلهم، وإما أن يتراجع النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوته وتنتهي المشكلة، وختموها بخواتيمهم وعلقوها في داخل الكعبة، وأمر أبو طالب بني هاشم أن يدخلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشعب، واستمر هذا الحصار حتى السنة العاشرة، والهاشميون يتضورون جوعا وعطشا، لا يقدرون أن يخرجوا من الشعب إلا في الموسم، أي في شهر رجب أثناء العمرة، وفي شهر ذي الحجة أثناء موسم الحج، وعملت قريش على منع الوافدين إلى مكة من أن يبيعوهم أو يبتاعوا شيئا من الهاشميين.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *