Share Button
فى طريق النور ومع حق الوطن والمشاركه فى بنائه ” الجزء الخامس عشر”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس عشر مع حق الوطن والمشاركة فى بنائه، والطبيب والمعلم والمهندس بما يقدم كل منهم في خدمة وطنه، وهكذا في سائر الأعمال والمهن والصناعات يجب على كل منا أن يقدم ما يثبت به ان حبه للوطن ولاء وعطاء لا مجرد كلام أو أماني أو أحلام، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه، لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلا، ومن أجله تضحي بكل غالى ونفيس، والطيور تعيش في عشها في سعادة ولا ترضى بغيره ولو كان من حرير، والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلا عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه.
وهذه النملة الصغيرة تخرج من بيتها ووطنها فتقطع الفيافي والقفار وتصعد على الصخور وتمشي على الرمال تبحث عن رزقها، ثم تعود إلى بيتها، بل إن بعض المخلوقات إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت، ولذا يقول الأصمعي ” ثلاث خصال في ثلاثة أصناف من الحيوانات، الإبل تحن إلى أوطانها وإن كان عهدها بها بعيدا، والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدبا، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعا” فإذا كانت هذه سنة الله في المخلوقات فقد جعلها الله في فطرة الإنسان، وإلا فما الذي يجعل الإنسان الذي يعيش في المناطق شديدة الحرارة، والتي قد تصل إلى ستين درجة فوق الصفر، وذلك الذي يعيش في القطب المتجمد الشمالي تحت البرد القارس.
أو ذلك الذي يعيش في الغابات والأدغال يعاني من مخاطر الحياة كل يوم، ما الذي جعلهم يتحملون كل ذلك إلا حبهم لوطنهم وديارهم، وقد روي في ذلك أن مالك بن فهم خرج من السراة وهى بلدة بالحجاز، يريد عمان، قد توسط الطريق، فحنت إبله إلى مراعيها، وقبلت تلتفت إلى نحو السراة وتردد الحنين، فإن الوطن هو الملاذ الآمن الذي يلجأ اليه الانسان من أجل الحصول على الأمان والارتياح النفسى, فهو يمتلئ بعديد الذكريات السعيدة والاصدقاء والاقارب والأماكن التى ترتبط بنا وترتبط بها بعدة اشكال اما مادية او نفسية او عاطفية, وإن البشر يألفون أرضهم على ما بها حتى ولو كان قبرا مستوحشا، وحب الأوطان غريزة مستوطنة في النفوس.
تجعل الإنسان يستريح للبقاء فيه ويحن إليه إذا غاب عنه ويدفع عنه إذا هوجم ويغضب له إذا انتقص، وإن الوطنية بهذا المفهوم الطبيعي هو أمر غير مستغرب، وهذه السعادة به وتلك الكآبة لفراقه وهذا الولاء له مشاعر إنسانية لا غبار عليها ولا اعتراض، ولا يجوز أن تكون مفهوما مشوها يعارض به الولاء للدين، فالإسلام لا يغير انتماء الناس إلى أرضهم ولا شعوبهم ولا قبائلهم، فقد بقي بلال حبشيّا وصهيب روميّا وسلمان فارسيّا ولم يتضارب ذلك مع انتمائهم العظيم للإسلام، وعندما يفكر الإنسان في طبيعته فسيجد أن له محبة وولاء وانتماء لأسرته وعشيرته وأهل قريته، وكما يحس بانتمائه الكبير للأمة المسلمة باتساعها وتلون أعراقها ولسانها.
فإنه لا تعارض بين هذه الانتماءات ولا مساومة عليها، بل هي دوائر يحوي بعضها بعضا، وإن من المغالطة الإيهام بالتعارض بين الوطينة بمفهومها الطبيعي وبين الإسلام، وإن تصوير هذا التعارض ليس إلا حيلة للنيل من الإسلام واستغلالا للمحبة الغريزية للوطن لإيهام الناس بأن التمسك بتفاصيل الشريعة يعطل بعض مصالح الوطن، وذلك عبر مصادمة أحكام الشريعة لمطالب الوطنية، فإننا لا نريد أن نقابل غلوّا بغلو، بل يجب ألا نستفز من قبل من غالى في الوطنية ورفع شعارها ندّا للإسلام ليجعلنا نتجاهل حقوق الوطن ونتساهل فيه، بل يجب ألا نسير بغفلة خلف الشعارات المستوردة والمصطلحات الدخيلة، وإن المفهوم المستورد للوطنية مفهوم يرفضه الإسلام.
قد تكون صورة لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏ساعة يد‏‏ و‏منظر داخلي‏‏
Share Button

By ahram misr

رئيس مجلس ادارة جريدة اهــــرام مــصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *