Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

لقد كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على الحفاظ على كل واحد من أفراد جماعته المؤمنة، سواء كان عبدا أو حرا، وسواء كان قرشيا أو غير قرشي، وسواء كان من قدماء الصحابة أو حديثي الإسلام، ومن هنا فقد كان لزاما عليه صلى الله عليه وسلم أن يُعلم أصحابه في الخفاء، وأن ينقل إليهم ما ينزل من القرآن الكريم بعيدا عن أعين الناس، ولقد مرت الدعوة النبوية بمرحلتين أساسيتين، وهما مرحلة الدعوة السرية، وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة، ومرحلة الدعوة الجهرية وهي ما بعد ذلك.

وكانت طبيعة المرحلة الأولى تتطلب سرية العمل الدعوي، ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها، وكانت دار الأرقم، هي المكان المناسب لمثل هذه الظروف من أيام الدعوة، فكانت دار الأرقم، هي الدار التي كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يجتمع فيها مع اوائل المسلمين في مكه المكرمه في بداية دعوته، وكانو يتعلمون اسس الاسلام وكانو يقرئون ماينزل الله عز وجل، من القرآن الكريم على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت الدعوة في ذلك الوقت سريه.

ودار الأرقم هي الدار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس فيها ليعلم أصحابه تعاليم الدين في بداية الدعوة، وكانت عند الصفا، وكانت للصحابي الجليل الأرقم بن أبي الأرقم بن أسد بن عبد الله بن عمر المخزومي وأمه أميمة بنت الحارث، ودُعيت دار الأرقم بعد ذلك بدار الإسلام، وكانت هذه الدار، دار الأرقم، على جبل الصفا ، ذلك الجبل المنعزل عما يدور حوله ، فهي إذن بمعزل عن أعين الأعداء والمتربصين، وكانت للأرقم بن أبى الأرقم بن أسد بن عبد الله المخزومي وكان اسمه عبد مناف.

وهو من السابقين الأولين الذين استجابوا لله والرسول، وباعوا عَرَض الدنيا لأجل الآخرة، وآثروا تحمل الأذى والعذاب على حياة الشرك والكفر، فقد توافرت لهذه الدار صفات عدة جعلت منها منطلقاً ومنارا لهذه الدعوة الناشئة، وفي هذه الدار المباركة، التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم، وتلقوا عنه تعاليم الإسلام وتوجيهاته الكريمة، حيث كان صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم ما ينزل عليه من القرآن الكريم، ويعلمهم أمور دينهم ويباحثهم في شأن الدعوة، وما وصلت إليه.

وكذلك موقف المعرضين عنها والصادين عن سبيلها، وكان يسمع شكوى أصحابه وما يلقونه من أذى المشركين وكيدهم، يتحسس آلامهم وآمالهم، ويطلب منهم الصبر والمصابرة، ويبشرهم أن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع المؤمنين ، وأن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وقيل أن الأرقم رضي الله عنه تصدق بها قبل وفاته على ولده، وجاء في نسخة الصدقة، بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قضى الأرقم في ربعه ما حاز الصفا، إنها محرمة بمكانها من الحرم، لا تباع ولا تورث.

وقد شهد هشام بن العاص، ومولى هشام بن العاص، فلم تزل هذه الدار صدقة قائمة فيها ولده يسكنون فيها ويؤاجرون حتى كان زمن أبي جعفر المنصور فإنه حج في إحدى السنوات، وبينما هو يسعى رأى تلك الدار فوقعت في نفسه، ثم بعد زمن ساوم أحد أحفاد الأرقم على بيعها وهو عبد الله بن عثمان بن الأرقم وكان مسجونا عنده، فساومه على بيعها مقابل أن يخلي سبيله، فتنازل له عن حقه وكتب عليه كتاب شرىً على حساب سبعة عشر ألف دينار وتتبع إخوته وكانوا له شركاء في الدار، ففتنتهم كثرة المال فباعوها له.

فصارت لأبي جعفر ولمن أقطعها، ثم صيَرها المهدي للخيزران أم موسى وهارون فبنتها وعُرفت الدار بها فصارت تسمى دار الخيزران، ثم صارت لجعفر بن موسى أمير المؤمنين، ثم سكنها أصحاب الشَّطوي والعدني، ثم اشتراها غسان بن عباد من ولد موسى بن جعفر وهكذا، وهي الآن خبر بعد عين دخلت في حدود المسعى، وكان الذي دعا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لاختيار هذه الدار عدة أسباب، وهو أن صاحب هذه الدار وهو الأرقم لم يكن معروفا بإسلامه.

فلم يكن يخطر ببال أحد من المشركين أن يجتمع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة في هذه الدار، وأن الأرقم بن أبي الأرقم كان فتى عند إسلامه، ولم تفكر قريش أن هناك تجمع إسلامي عند أحد الفتيان، بل إن نظرها كان يتجه في الغالب إلى بيوت كبار الصحابة، وأن هذه الدار كانت قريبة من الكعبة المشرفة، ولقد كانت رعاية الله وعنايته بالعصبة المؤمنة واضحة جلية لا تفارقهم بحال، على الرغم مما كان ينالهم من أذى المشركين.

وكان من الحكمة البالغة في بداية أمر الدعوة الابتعاد بهذه العصبة المؤمنة عن كل ما يضر بها، قدر المستطاع ، وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى، أن تبقى دعوة الإسلام ضمن مجالها السري إلى أن هيأ الله لها من الأسباب ما مكنها من إشهار أمرها وإعلان رسالتها، وفى نهاية الحديث عن دار الأرقم، هو أن الأرقم قد تصدق بها على أولاده وكتب وصيّة بعدم بيعها وبقي أولاده يسكنون فيها مدة من الزمن ثم انتقلت ملكيتها لأشخاص عدة ذوي شأن ومنهم أبو جعفر المنصور، وهي الآن داخلة في حدود المسعى بين الصفا والمروه.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *