Share Button

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء العاشر مع رسالة المرض إلى الإنسان، فينال منا التعب والملل واليأس، لكنه ليس يأسا من الله بقدر ما هو يأس سببه قسوة الأحباب، لم يشفقوا على ضعفنا الذي آل بنا إلى لزوم الفراش، آهاتنا بلغت عنان السماء من الألم والحسرة والندم، لكن لم ينفع ندم بعد سقوط الأقنعة، فأي ندم نصارع وجوده بداخلنا؟ هو ندم أننا أحببنا بصدق ليس إلا، هو ندم أننا كنا ساذجين في تعاطينا مع حقيقة الحياة، لكني أعتقد أن هذا الندم مؤقت، حتى إنه ليس حقيقيا، جاء في لحظة يأس لأن المؤمن ليس له ما يندم عليه ما دام يدير طاحونة الخير بيديه الكريمتين لأنه شيء معتاد في مسيرته التي أرادها من الخير وللخير تنتمي، وباعتقادي أن رحمة المرض فوق كل اعتبار.
لذا كانت هذه اللحظات رحيمة بنا، ولو أنها متعبة للقوى، كشفت كل مستور، وكشفت كل ما في بئر مشاعر الحقد والغيرة، لحظات المرض كانت كناقوس الخطر تدق في كل أنحاء الكيان الآدمي أنك يا بن آدم في خطر، أنك مهدد ربما للزوال، ربما لعاهة، ربما، وربما هي في الغيبيات وليست في علمنا، حتى وإن حبانا الله بقوة، يجب ألا ننسى أن لهذه القوة ضعفا ينال من جوهر لمعانها، فنركن للراحة رغما عن إرادتنا لأن إرادة الله فوق إرادتنا، صحيح واجباتنا كثيرة، ومسؤولياتنا أكبر، خاصة مع الله، وأي تأخير منا في تلبية الواجب الرباني يصبح تأخرا غير محمود، هذا فقهنا كبشر مؤمنين بأحقية رسالة الله في الأرض، لكن الله أراده رحمة وراحة لأنه لا يكلف النفس إلا وسعها.
ثم الله أدرى لما سنؤول إليه من مفاجآت في هذه الدنيا التي نكافح ونكابد على ألا نموت إلا موتة هنية، أو نعيش عيشة كريمة كرامة ساداتنا الأنبياء عليهم السلام لأن في الأمثل والأمثل امتدادا لمسيرة الابتلاء في موروث القرآن الكريم، إذن تختلف الرؤى وتتنوع الآراء بشأن المرض، فهناك من يراه نقمة لأنه أفسد نواعم العيش الرغيد بكماليات الدنيا الزائلة والمنتهية بانتهاء الصلاحية الدنيوية، وهناك من يرى أنه مانع في جمع الذهب والفضة، حتى أصبح التنجيم شغل الأطباء لاستعادة العافية بعيدا عن حكمة التطبيب بطب أصيل، هو البديل لطب مفبرك، وهناك من يراه معطلا للتمتع بنشوة كرسي السلطة بتخمة بطون سلاطين الإنس والجان، حتى ظن الملوك أن في مزامير داود.
وصفة شفاء خارقة لخلطات السحر الساحرة، أو في اختيار كرسي سليمان ما تخبئه كنوز تحت عظمة السلطة، وبتسخير الجن في غدو الريح ورواحها، وهي آراء تافهة وليست بالقيمة ولا بالنافعة، لكن عند الأتقياء هي لحظات مدفوعة الأجر في ثوب المغفرة والغفران، هي لحظات ركون للاستغفار والتسبيح، ففي الحياة محطات استغفار عظيمة عظم التوحيد والتسبيح بالواحد الأحد، ولكي يطول عمر العطاء، يجب على هذا الجسد أن يتغذى بمناعة المقاومة بتقوى الله عز وجل، فأمراض العصر فتاكة، بل قاتلة وفيروساتها محطمة للعقيدة ولأوثَق عُرى الإيمان، في هذه اللحظة يتبادر إلى ذهني الله عز وجل متى نتفكر بعمق في الله عز وجل؟ أليس ونحن مرضى؟ ومتى نلجأ إليه؟
أليس في لحظات الضعف؟ أليس الله بكاف عبده؟ أليس الله برحيم بمريضه؟ ألم نخالف قاعدة اعرف ربك؟ بمعنى أن نعرف الله في كل الأوقات وفي كل الظروف، في الفرح وفي القرح، في الألم وفي الرخاء، في السعادة وفي الحزن، لكن هوى النفس يزين أعمالنا، ستقولون إن هوى النفس موجود بل ملازم للنفس الأمارة بالسوء، ولكن الله خلق كل شيء بميزان الاعتدال وفي المرض يقظة من غفلة النسيان شئنا أم أبينا، فتن الدنيا أمواج عاتية تقذف بنا في كل مكان، والسند الذي يعيننا على الصمود غير موجود، أنا لا أعني سند الله تعالى لأنه سند قائم بوجود الربوبية، بل أعني سند الإخوان والأهل لأنهم يغيبون عنا حينما نفقد توازن العطاء بالمرض.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *