Share Button
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن الله سبحانه وتعالى قد فضل بعض الشهور على بعض وفضل بعض الأماكن على بعض، ولكن لا يثبت فضل لزمان ولا لمكان إلا بدليل قطعي ولا بد من التثبت حتى لا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كثير من الأحاديث جاءت في فضل رجب ما بين ضعيف وموضوع فلا بد من التثبت في النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول تعالى “وربك يخلق ما يشاء ويختار” وإن الاختيار هو الاجتباء والاصطفاء الدال على ربوبيته ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته عز وجل، وإن من اختياره وتفضيله هو اختياره عز وجل بعض الأيام والشهور وتفضيلها على بعض، وقد اختار الله تعالى من بين الشهور أربعة حُرما، فقال تعالى فى كتابه العزيز ” إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم” وهي مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله الكفار، وإن الأشهر الحرم قد وردت في الآية مبهمة ولم تحدد اسماؤها وجاءت السُنة النبوية الشريفة بذكرها فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع وقال في خطبته ” إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان” رواه البخارى، ومسلم، ولقد سميت هذه الأشهر الأربعة حرما لعظم حرمتها ولحرمة القتال فيها.
وينبغي التفريق بين الأشهر الحرم وأشهر الحج، فأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، وهذه الأشهر الأربعة الحرم حرمها العرب في الجاهلية، وسبب تحريمهم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم هو أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهرا ليتمكنوا من السير إلى الحج، ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرمون ذا الحجة وفيه أداء مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهرا ليعودوا إلى ديارهم، وحرموا شهر رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والإعمار، فيأمن قاصد البيت الغارة فيه، فهذه الأشهر الحرم لها مكانة عظيمة في الجاهلية أقرها الإسلام، وهذه فضيلة شهر رجب في الشريعة، وفي هذه الأشهر المحرمة، وفسر الظلم بأنه فعل المعاصي وترك الطاعات، وهو يشمل ظلم العبد لنفسه بالشرك والمعصية، وظلم العبد لغيره من الخلق بأنواع المظالم، وقال ابن عباس رضى الله عنهما “خص الله من شهور العام أربعةَ أشهر فجعلهن حرما، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم” وقال قتادة “العمل الصالح أعظم أجرا في الأشهر الحرم، والظلم فيهن أعظم من الظلم فيما سواهن، وإن كان الظلم على كل حال عظيما” فينبغي للعبد مراعاة حرمة هذه الأشهر ومنها شهر رجب هذا، لما خصها الله تعالى به من المنزلة، والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة لأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله، وأما القتال في هذه الأشهر الحرم فتحريمه من بقايا دين الخليل إبراهيم عليه السلام، الذي تمسك به العرب في جاهليتهم.
وحكمه في شرعنا أن القتال على نوعين، هو قتال دفع كما لو هوجم المسلمون من قبل أعدائهم، فهنا يقاتل المسلمون ولو كانوا في الأشهر الحرم باتفاق العلماء، وإذا كانت هذه عاقبةَ الظالم في سائر الأوقات والأزمان فكيف بالظالم المعتدي في هذه الأشهر الحرم، وفي هذه الأيام العظام ولهذا قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لأصحابِه، عن أبى بكرة رضى الله عنه، قَال خطبنا النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال ” أتدرون أى يوم هذا ؟” قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت النبى الكريم صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” أليس يوم النحر؟” قلنا بلى قال ” أى شهر هذا؟ ” قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال ” أليس ذو الحجة” قلنا بلى، فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” أى بلد هذا؟” قلنا الله ورسله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير إسمه، قال ” أليست بالبلدة الحرام؟” قلنا بلى، قال ” فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، فى شهركم هذا، فى بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت” قالوا نعم، فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض” ولهذا فينبغي على المسلم أن يكون في هذه الأشهر أكثر ابتعادا عن الذنوب والآثامِ، وتوقياً لكل ما يغضب الله عز وجل، فيبتعد عن ظلمه لربه بالإشراك به سبحانه، وصرف شيء من العبادة لغيره عز وجل.
ويبتعد عن ظلمه لإخوانه بالاعتداء عليهم وسفك دمائهم، أو أكل أموالهم وحقوقهم، أو الولوغ في أعراضهم، ونهشِ لحومهم، وتتبع عوراتهم، وإفشاء أسرارهم، وإلحاق الأذى بهم، ويبتعد عن ظلمِه لنفسه، والإساءة إلى شخصه، بمعصيته لخالقه، وخاصة ما يتساهل فيه بعض الناس من صغائر الذنوب ومحقرات المعاصى، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه، قال إنكم لتملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر، إن كنا نعدها على عهد النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الموبقات، قال أبو عبد الله يعنى المهلكات” وقد سمي رجب مضر لأن مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم وهو النسيء المذكور في قوله تعالى “إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله” وقيل أن سبب نسبته إلى مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك، وفى سبب تسمية شهر رجب، فقد قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة، بأن رجب، الراء والجيم والباء أصل يدل على دعم شيء بشيء وتقويته، ومن هذا الباب رجبت الشيء أي عظمته، فسمي رجبا لأنهم كانوا يعظمونه وقد عظمته الشريعة أيضا، وقد كان أهل الجاهلية يسمون شهر رجب مُنصل الأسنة كما جاء عن أبي رجاء العطاردي قال كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر ، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة أى كوم من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به.
فإذا دخل شهر رجب قلنا مُنصل الأسنة فلا ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه في شهر رجب” رواه البخارى، وقال البيهقي كان أهل الجاهلية يعظمون هذه الأشهر الحرم وخاصة شهر رجب فكانوا لا يقاتلون فيه، وشهر رجب شهر الانتصارات يذكرنا بمجد كان لأمتنا ففيه كانت غزوة تبوك، وفيه أيضا كان تخليص المسجد الأقصى من أيدي الصليبين على يد القائد صلاح الدين وفيه كان الإسراء والمعراج، ويحتفل العالم الإسلامي بشهر رجب إذ يعد شهر رجب من الأشهر المحببة لدى المسلمين فهو من الأشهر الحرم، ويحتفل فيه المسلمون بذكرى ليلة الإسراء والمعراج، وأن هناك أعمال مستحبة القيام بها في شهر رجب، حيث أن شهر رجب هو أحد أشهر الله الحرم، وهو شهر للبركة والمغفرة ومضاعفة الأجر، فكان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إذا رأى هلال رجب قال ” اللهم بارك‏ لنا في‏ رجب‏ وشعبان، وبلغنا شهر رمضان” وإنه يستحب في شهر رجب الإكثار من الصيام والصدقات والعمرة، كما يستحب الدعاء طيلة الشهر وبخاصة في الليلة الأولى منه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ” خمس ليال لا يرد فيهن الدعاء، ليلة الجمعة، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة العيد، وليلة النحر” رواه البيهقي في شعب الإيمان، ولقد جاء في السنة النبوية الشريفة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال “يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”
فاستدلوا من هذا الحديث على استحباب صيام رجب، فكما أن صيام شعبان مستحب فكذلك صيامه، وقيل أنه استحب التقرب إلى الله بالذبح من بهيمة الأنعام في شهر رجب، وهو ما يسمى بالعتيرة، ويستدل على ذلك بما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن مخنف بن سليم قال كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول ” يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية” وأن أعظم ما يتقرب به المرء في هذه الأيام هو التوبة والاستغفار والبعد عن المظالم، فالظلم وإن كان حراما طيلة العام، إلا إن حرمته تشتد في الأشهر الحرم وقد جاءت الوصية في القرآن الكريم ” إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم، ذلك الدين القيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم” وإن من أشهر الأحاديث الضعيفة في صيامه” إن في الجنة نهرا يقال له رجب، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر” وأيضا حديث “من صام من رجب يوما كان كصيام شهر، ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب الجحيم السبعة ومن صام منه ثمانية أيام فتحت أبواب الجنة الثمانية، ومن صام منه عشرة أيام بدلت سيئاته حسنات” ومنها حديث طويل جاء في فضل صيام أيام منه، وفي أثناء الحديث “رجب شهر الله وشعبان شهرى ورمضان شهر أمتي” وقيل إنه موضوع، وجاء في الجامع الكبير للسيوطي أنه من رواية أبي الفتح بن أبي الفوارس في أماليه عن الحسن مرسلا.
ومن الأحاديث غير المقبولة في فضل صلاة مخصوصة فيه “من صلي المغرب في أول ليلة من رجب ثم صلى بعدها عشرين ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد مرة ويسلم فيهن عشر تسليمات حفظه الله في نفسه وأهله وماله وولده، وأُجير من عذاب القَبر، وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عذاب” وهو حديث موضوع، ومثلها صلاة الرغائب، وإن للأشهر الحرم مكانة عظيمة ومنها شهر رجب لأنه أحد هذه الأشهر الحرم فقال تعالى “يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام” أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها فالنهي يشمل فعل القبيح ويشمل اعتقاده، وقال تعالى “فلا تظلموا فيهن أنفسكم أي في هذه الأشهر المحرمة” والضمير في الآية عائد إلى هذه الأربعة الأشهر على ما قرره إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله، فينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله تعالى به من المنزلة والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة، ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرمه الله عز وجل ولذلك حذرنا الله تعالى في الآية السابقة من ظلم النفس فيها مع أنه أي ظلم النفس ويشمل المعاصي وهو يحرم في جميع الشهور، وأما عن القتال في الشهر الحرام، فقال الله تعالى “يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير” وقال جمهور العلماء على أن القتال في الأشهر الحرم منسوخ بقوله تعالى “فإذا أنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم” .
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *