Share Button
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع شهر رجب، وقد توقفنا مع البدع فى شهر رجب، فقال حسان بن عطية “ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ولا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة” وقال أيوب السختيانى “ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا زاد من الله بعدا” وإن من أبرز تلك المواسم البدعية هو ما يقوم به بعض العباد في كثير من البلدان في شهر رجب، وأما عن بدعة صلاة الرغائب، فنتحدث أولا عن صفتها، وقد وردت صفتها في حديث موضوع عن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه قال “ما من أحد يصوم يوم الخميس، وهو أول خميس من رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وسورة القدر” إنا أنزلناه فى ليلة القدر” ثلاث مرات، وسورة الإخلاص ” قل هو الله أحد ” اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين، فيقول في سجوده سبعين مرة “سبوح قدوس رب الملائكة والروح” ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العزيز الأعظم، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله تعالى، حاجته، فإنها تقضى” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “والذي نفسي بيده، ما من عبد ولا أَمة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال، وورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار”
وقد قال ابن تيمية “وأما صلاة الرغائب، فلا أصل لها، بل هي محدثة، فلا تستحب، لا جماعة ولا فرادى، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم “نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام” وقد كان الرؤساء من أهل الكتاب يمنعهم الإسلام خوف زوال رئاستهم ، وفيهم نزل قول الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” فويل للذين كتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون” وأما عن حادثة الإسراء والمعراج، فإن من أعظم معجزات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو الإسراء به صلى الله عليه وسلم، ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم العروج به صلى الله عليه وسلم، إلى السماوات السبع فما فوقها، وقد انتشر في بعض البلدان الاحتفال بذكراها في ليلة السابع والعشرين من رجب، ولا يصح كون ليلة الإسراء في تلك الليلة، وعلى أنه لو ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج لما شرع لأحد تخصيصها بشيء، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته أو التابعين لهم بإحسان أنهم جعلوا لليلة الإسراء مزية عن غيرها، فضلا عن أن يقيموا احتفالا بذكراها، بالإضافة إلى ما يتضمنه الاحتفال بها من البدع والمنكرات، وقال ابن العطار، وما يفعله الناس في هذه الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له، بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجبا أو غيره.
فإن شهر رجب أحد الشهور الأربعة الحرم التي خصها الله تعالى بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها كما جاء في قوله عز وجل كما جاء فى سورة التوبة” إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم” فهذا هو كل ما ورد في شهر رجب مما يصلح للاحتجاج، أما تخصيصه بصيام يوم منه معين أو قيام بعض لياليه أو تخصيص ليلة السابع والعشرين منه باحتفال يسمى الاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج فهذه كلها أمور محدثة، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم، فالحق أن شهر رجب ليست له خصوصية ولا فضيلة على غيره من الشهور إلا أنه من الأشهر الحرم كما تقدم، وكون آية الإسراء والمعراج حصلت فيه على افتراض صحة ذلك لا يسوغ لنا إحداث عبادة فيه لم تكن معهودة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في زمن خلفائه الراشدين ولا التابعين من بعدهم وهى القرون المشهود لهم بالخير، أما شهر شعبان فينبغي الإكثار فيه من الصيام اقتداء بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قالت السيدة عائشة رضي الله عنها “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان” رواه البخاري ومسلم، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال، قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال صلى الله عليه وسلم.
“ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم” رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة أما تخصيص يوم النصف منه بالصوم ظنا أن له فضيلة على غيره فهو أمر لم يقم عليه دليل صحيح، والله تعالى أعلم، وقيل إن شهر رجب ذكر له ثمانيةَ عشر اسما، من أشهرها هو الأصم، وذلك لعدم سماع قَعقعة السلاح فيه، لأنه من الأشهر الحرم التي حُرم فيها القتال، و أيضا إسم الأصب، وذلك لانصباب الرحمة فيه، و أيضا إسم منصل الأسنة، كما ذكره البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثوة من تراب ثم جئنا الشاء أى بمعنى الشياه فحلبنا عليه ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلنا منصل الأسنة، فلم ندع رمحا فيه حديدة، ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه، وإن فضل رجب داخل في عموم فضل الأشهر الحرم التي قال الله فيها ” إن عدة الشهور” وعينها حديث الصحيحين في حجة الوداع بأنها ثلاثة سرد، أي بمعنى متتالية، وهم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد فرد وهو شهر رجب وقيل رجب مُضر، الذي بين جمادى الآخرة وشعبان، وليس رجب ربيعةَ وهو رمضان، ومن عدم الظلم فيه عدم القتال فيه، وذلك لتأمين الطريق لزائري المسجد الحرام، كما قال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة التوبة ” فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجتموهم” ومن عدم الظلم أيضا عدم معصية الله تعالى فيه.
وقد استنبط بعض العلماء من ذلك دون دليل مباشر من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفه نص عليه جواز تغليظ الدية على القَتل في الأشهر الحرم بزيادة الثلث، وإن من مظاهرِ تفضيل الأشهر الحرم بما فيها شهر رجب هو ندب الصيام فيها، كما جاء في حديث رواه أبو داود من مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال له بعد كلام طويل “صم من الحرم واترك، ثلاث مرات، وأشار بأصابعه الثلاثة، حيث ضمها وأرسلها والظاهر أن الإشارة كانت لعدد المرات لا لعدد الأيام” فالعمل الصالح في شهر رجب كالأشهر الحُرم له ثوابه العظيم، ومنه الصيام، ويستوي في ذلك أول يوم مع آخره، وقد قال ابن حجر، إن شهر رجب لم يرد حديث خاص بفضل الصيام فيه، لا صحيح ولا حسن، وقيل له رجب لأنه كان يرجب، أي بمعنى يعظم، وأُضيف إلى مُضر، لأن قبيلةَ مُضـر كانت تزيد في تعظيمه واحترامه، وله غير هذا من الأسماء التي تدل على شرفه، وإن الواجب على المسلم أن يعرف قدر هذا الشهر الحرام، ذلك لأن معرفته وتعظيمه “هو الدين القيم” أي المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، ولا ضلال، ولا انحراف، وكما يجب عليه أن يحذر من المعصية فيه فإنها ليست كالمعصية في غيره، بل المعصية فيها أعظم، والعاصي فيه آثم، كما قال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة البقرة “يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير”أي ذنب عظيم، وجرم خطير فهو كالظلم والمعصية في البلد الحرام الذى قال الله عز وجل فيه كما جاء فى سورة الحج.
” ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ” ومن هنا قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما في تفسير قوله تعالى ” فلا تظلموا فيهن أنفسكم” كما روى الطبري في تفسيره، فى كلهن، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم، وعن قتادة رحمه الله قال إن الظلم في الشهر الحرام أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواه، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يُعظم من أمره ما شاء، وقال إن الله أصطفى صفايا من خلقه، فأصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، وأصطفى من الكلام ذكره، وأصطفى من الأرضِ المساجد، وأصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالى ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله تعالى عند أهل الفهم والعقل، وإن من أظهر الدلائل على تعظيم هذا الشهر الحرام، هو الابتعاد عن ظلمِ الإنسانِ نفسه باجتراح الذنوب والسيئات، ومقارفة الآثام والخطيئات، ذلك لأن الذنب في كل زمان هو شر وشؤم على صاحبه لأنه اجتراء على الله عز وجل وعظم سلطانه، لكنه في الشهر الحرام أشد سوءا وأعظم شؤما، لأنه يجمع بين الاجتراءِ على الله تعالى، والاستخفاف بما عظمه الله عز وجل، وإذا كان تعظيم الشهر الحرام أمرا متوارثا لدى أهل الجاهلية قبل الإسلام، فكانوا يكفون فيه عن سفك الدم الحرام وعن الأخذ بالثأر والانتقام، أفليس من ينتسب إلى الإسلام أجدر وأحرى بهذا الالتزام؟
ولهذا فينبغي على المسلم أن يكون في هذا الشهر أكثر ابتعادا عن الذنوب والآثام، وتوقيا لكل ما يغضب الله عز وجل، فيبتعد عن ظلمه لربه بالإشراك به سبحانه وتعالى، وصرف شيء من العبادة لغيره عز وجل، ويبتعد عن ظلمه لإخوانه بالاعتداء عليهم وسفك دمائهم، أو أكل أموالهم وحقوقهم، أو الولوغ في أعراضهم، ونهش لحومهم، وتتبع عوراتهم، وإفشاء أسرارهم، وإلحاق الأذى بهم، وكذلك يبتعد عن ظلمه لنفسه، والإساءة إلى شخصه بمعصيته لخالقه سبحانه وتعالى، وخاصة ما يتساهل فيه بعض الناسِ من صغائر الذنوب، فإن صغائر الذنوب متى استرسل فيها الإنسان كان على وجهه في النار مكبوب، إلا أن يتوب، وإلى ربه يؤوب، فقد ثبت فى صحيح الإمام أحمد، عن سهل بن سعد الساعدى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا فى بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى انضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه” هذا وكما أن المعاصي تعظم في الشهر الحرام، فكذلك الحسنات والطاعات تعظم وتضاعف في هذه الأيام الطيبه المباركة، فالتقرب إلى الله عز وجل بالطاعة في الشهر الحرام أفضل وأحب إليه سبحانه وتعالى من التعبد في سائرِ الأيام، كما سبق في قول ابن عباس رضي الله عنهما “وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم” فيستحب للمسلم فى هذا الشهر الكريم الإكثار والمواظبة على ما ثبتت به السنة في سائر الأيام من نوافل الطاعات، من صلاة، وصيام، وصدقات، وغيرها من القربات، مع المحافظة على الفرائض والواجبات.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *