Share Button

فى طريق النور ومع ظالم بن سارق ” الجزء الثالث ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع ظالم بن سارق، وقد توقفنا مع إبن ظالم بن سارق وهو المهلب بن أبي صفرة الأزدى، فكان رضى الله عنه من أحلم الناس، ومن أخبار حلمه، أنه مر يوما بالبصرة، فسمع أحد يقول هذا الأعور قد ساد الناس، ولو خرج إلى السوق لا يساوي أكثر من مائة درهم، فبعث إليه المهلب بمائة درهم وقال لو زدتنا فى الثمن زدناك فى العطية وكان قد فقئت عينه بسمرقند، وكان بليغا حكيما فى آرائه له كلمات لطيفة وإشارات مليحة تدل على مكارمه، ومن ذلك حين حضرته الوفاة، دعا إليه ابنه حبيب ومن حضره من ولده، ودعا بسهام فحزمت ثم قال أفترونكم كاسريها مجتمعة؟ قالوا لا، قال فهكذا الجماعة، فأوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم، فإن صلة الرحم تنسئ فى الأجل وتثرى المال وتكثر العدد، وأنهاكم عن القطيعة فإن القطيعة تعقب النار وتورث الذلة والقلة، فتحابوا وأجمعوا أمركم ولا تختلفوا وتباروا تجتمع أموركم، وكانت الحكمة تجرى علي لسانه، كيف لا وهم الجيل الذى شاهد صحابة رسول الله رضى الله عنهم أجمعين.

ومن كلماته قوله”عجبت لمن يشترى العبيد بماله، ولا يشترى الأحرار بأفضاله” وقال الحياة خير من الموت، والثناء خير من الحياة، ولو أعطيت ما لم يعطه أحد لأحببت أن تكون لى أذن أسمع بها ما يقال فى غدا إذا مت، وقد أثني عليه الصحابة رضوان الله عليهم، لما وجدوا فيه من كريم الخلال، فقد قال عبد الله بن الزبير عن المهلب “هذا سيد أهل العراق” وقال عنه قطرى بن الفجاءة، المهلب من عرفتموه إن أخذتم بطرف ثوب أخذ بطرفه الآخر، يمده إذا أرسلتموه ويرسله إذا مددتموه ولا يبدؤكم إلا أن تبدؤوه لا أن يرى فرصة فينتهزها فهو الليث المبر والثعلب الرواغ والبلاء المقيم، وقال عنه أبو إسحاق السبيعى، لم أرى أميرا أيمن نقيبة ولا أشجع لقاء ولا أبعد مما يكره ولا أقرب مما يحب من المهلب، وقد أنشد فيه المغيرة بن حبناء، فقال أمسى العباد لعمرى لاغياث لهم، إلا المهلب بعد الله والمطر، هذا يجود ويحمى عن ديارهم، وذا يعيش به الأنعام والشجر، وقد عزل الحجاج أمية بن عبد الله عن خراسان واستعمل عليها المهلب بن أبى صفرة.

وقد مات المهلب بها سنة اثنتين وثمانين وكانت ولايته عليها سنة سبع وسبعين، وقد اشتهرت أسرة المهلب بشجاعة فائقة، وأصبحت هذه الصفة ملازمة لهم، فإذا ذكرت الشجاعة وردت أسماء هذه الأسرة إلى جانبها، فكان المهلب مثلا أعلى لأبنائه، فقد استطاع أن يقارع الخوارج الأزارفة سنوات طوالا، وسار على هذا المنوال أبناؤه من بعده من أشهر ما قاله المهلب بن أبي صفرة، وصايته لابنه يزيد من بعده يا بنى، استعقل الحاجب، واستظرف الكاتب، فإن حاجب الرجل وجهه وكاتبه لسانه، وهو المهلب بن أبي صفيرة العتكى، و يقال الأزدى، وكنيته أبا سعيد، ولد العام الثامن من الهجرة ويعود نسب المهلب بن أبى صفيرة إلى قبيلة الأزد اليمانية، واختلفت الأقوال في اسم ابيه، فيقال ظالم بن سارق، وقيل ظالم بن سارف، وقيل قاطع بن سارق بن ظالم، وقيل غالب بن سارق، واختلفت الأقوال في صحبة والده للنبى صلى الله عليه وسلم فروى أنه أسلم فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغير اسمه من ظالم.

إلى أبا صفرة ، وروى أنه وقومه ممن ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فهزموا في حرب الردة، ووقعوا في الأسر ولما عفا عنهم أبى بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم انطلقوا إلى أي البلاد شئتم، فأنتم قوم أحرار، فخرجوا فنزلوا بالبصرة، وروى أيضا أنه كان أبو صفرة مسلما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفد عليه، وإنما قدم هو وأبوه المدينة في زمن عمر بن الخطاب، فلما وفد أبو صفرة على عُمر بن الخطاب في عشرة من ولده ، أصغرهم المهلب، قال له عمر هذا سيد ولدك، وتمتع المهلب بن أبي صفرة منذ صباه ونعومة أظافره، بكثير من الصفات الحميدة، والتي لا تتوفر في كثير من الرجال، فكان يتمتع بالشجاعة والقدرة على القتال، وكان له من الإدارة ما يجعله يخوض المعارك بكفاءة منقطعة النظير، وله من الكرم والحلم مواقف كثيرة، وكان بليغا حكيما في آرائه، وقد شارك المهلب بن أبى صفرة في أولى معاركه، مع والده ضمن جيش عبدالرحمن بن سمرة على مدينة سجستان في سنة.

اثنين وأربعين من الهجرة، وجاهد وغزا في بلاد الهند عام أربعه وأربعين من الهجرة، وقام المهلب بن أبى صفرة بدور مميز في انقاذ جيش المسلمون، في غزوة جبل الأشل، مع والى خرسان الحكم بن عمرو الغفارى، حيث كاد الترك أن يفتكوا بجيوش المسلمين، حينما حاصروهم بين الشعاب وكان المسلمين لم يعرفوا طرق كما يعرفها أهلها، وقد ذكر الطبرى في كتابه وقال فتولى المهلب الحرب، ولم يزل المهلب يحتال، حتى أخذ عظيما من عظمائهم، فقال له اختر بين أن أقتلك، وبين أن تخرجنا من هذا المضيق، فنجا وغنموا غنيمة عظيمة، وشارك أيضا المهلب بن أبى صفرة في فتح سمرقند عام سته وخمسين من الهجرة، مع سعيد بن عثمان بن عفان، في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وقد أصيبت عين المهلب بن أبى صفرة في تلك الغزوة، وقلعت عين طلحة بن عبدالله الخزاعي الملقب بطلحة الطلحات، وقد قال المهلب في تلك الحادثة، لئن ذهبت عينى لقد بقيت نفسى، وفيها بحمد الله عن تلك ما ينسي إذا جاء أمر الله أعيا خيولنا.

ولابد أن تعمى العيون لدى الرمس، وشارك أيضا المهلب مع والى خرسان سلم بن زياد، لغزو بلاد الترك، وحاصرهم حتى تم الصلح بينهم على مبلغ كبير من المال، وتعتبر تلك الغزوة بداية أكبر انتصارات حققها المسلمون، والتي استطاعوا بعدها من هزيمة ملكة بخارى خاتون فى سمرقند، وقد اضطرت للصلح بمبلغ مالي كبير مع المسلمون، وشارك المهلب أيضا في زمن خلافة عبدالله بن الزبير، في فتح البصرة وأبلي بلاء حسنا مع عبدالله بن الزبير فولاه على الجزيرة، وبرع في تنظيم الجيش الذي قاتل به الخوارج، والذين يمتلكون مهارات قتالية عالية ولا يكترثون للموت، وكانت حركتهم في ذلك الوقت تشكل خطرا كبيرا على الدولة، فقد أثاروا الرعب في قلوب أهل البصرة، وتمكن المهلب بن أبي صفرة بدهائه وذكائه من إيقاع الهزائم بهم، وفرق جمعهم بعد معارك استمرت طيلة سنوات حتى قضى على شوكتهم تماما، فلم يقاتلهم إنسان قط كان أشد عليهم ولا أغيظ لقلوبهم منه، وانتهت بمقتل عبيد الله بن الماحوز قائد الخوارج.

وعدد كبير من جنده وفر الباقون، وأقام المهلب فى البصرة ، فعينه الحجاج بن يوسف الثقفى واليا على خراسان عام سبعه وسبعون من الهجرة، وأمده بجيش وعهد إليه فتح مدن منطقة ما وراء النهر بوسط آسيا، وقاتل الأتراك الذين تدفقوا غربا من أواسط آسيا، وقد ظل المهلب بن أبي صفرة واليا على خراسان، حتى أدركته الوفاة هناك، فتوفى فى ذى الحجة سنة اثنين وثمانين من الهجرة، بقرية يقال لها زاغول، وفى عام ألف وتسعمائة وتسعة وسبعون قد شهد العالم الإسلامى هزّة من نوع جديد، فى المكان الأكثر قدسية بالنسبة إلى المسلمين وهو الكعبة المشرفة، حيث يتعرض للاعتداء من قبل جهيمان العتيبى ومحمد بن عبد الله القحطاني، والقحطانى ادّعى أنه المهدى وأنه نبى الزمان المنتظر، ودعا زميله جهيمان المصلين إلى مبايعة القحطانى وأخذهم رهائن إلى حين إعلان بيعته، فكانت ضجة هائلة أحاطت بهذا الحدث، وهو اعتداء تمكنت السعودية من إحباطه، إلا أن ما يميز دعوى القحطانى أنها محاولة فريدة من نوعها لاقتحام مركز مقدس.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *