Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــــرورى

ونكمل الحديث فى الجزء السادس عن الخليفه عبد الرحمن الداخل وهو صقر قريش، وهو مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، وقد اتبع عبد الرحمن الداخل سنة أسلافه من الأمويين في نظام الحكم، فقد اتخذ حُجّابًا، ولم يتخذ وزراء، واحتفظ دومًا بمجموعة من المستشارين، وكان أغلبهم ممن استقبلوه وناصروه في بداية عهده وقاتلوا معه، وقد اهتم بجيشه الذي كان الدعامة التي ساعدته على السيطرة على مقاليد الأمر طوال حكمه، فبلغ جيش عبد الرحمن الداخل مائة ألف جندي من المتطوعين والمرتزقة، لاسترابته من العرب بسبب نزعاتهم المستمرة للثورة، إضافة إلى حرسه الخاص الذي بلغ أربعين ألفًا من الموالي والبربر والرقيق، كما أنشأ في أواخر عهده عددًا من قواعد بناء السفن.

وكان ذلك في طركونة وطرطوشة وقرطاجنة وإشبيلية، وطركونه هي إحدى المدن الإسبانية الساحلية، حيث تقع المدينة في جنوب منطقة كتالونيا، في شمال شرق إسبانيا وتطل على البحر الأبيض المتوسط، وأما عن مدينة طراغونة فهي عاصمة مقاطعة طراغونة، وأما عن مدينة قرطاجنه، وهى كارتاخينا وبالعريبة قرطاجنه أو قرطاج الجديدة وهي مدينة ساحلية تقع في منطقة مرسية جنوب شرق إسبانيا، وقد بناها صدربعل القرطاجي سنة مائتين وثلاثين قبل الميلاد، وكما بنى عبد الرحمن قصر الرصافة في أول حكمه، وسماه كرصافة جده هشام بن عبد الملك الذي بناه في الشام، وأحاطه بالحدائق الزاهرة التي جلب لها الغروس والزروع والنوى التي لم تكن من قبل في الأندلس من الشام وإفريقية.

وفي عام مائه وخمسين من الهجره، أقام سور قرطبة الكبير، الذي حصّن به قرطبة، واستمر العمل به لأعوام. وفي عام مائه وسبعين من الهجره، أسس الأمير عبد الرحمن المسجد الجامع في قرطبة، وكان المسلمون حين افتتحوا قرطبة، قد شاطروا أهلها كنيستهم العظمى، فابتنوا فيها مسجدًا، ولما كثرت عمارة قرطبة، ضاق المسجد على مرتاديه، فابتاع الداخل الشطر الثاني من النصارى بمائة ألف دينار، فأسس عليها الجامع، وتمت أسواره في عام، وأمر ببنائه على طراز المسجد الأموي بدمشق، وجامع قرطبة وهو كاتدرائيه، والمعروفة رسمياً بإسمها الكنسي كاتدرائيَّة سيدة الانتقال وهي كاتدرائية رومانية كاثوليكية وهي مقر مطران أبرشية قرطبة مكرسة لذكرى انتقال العذراء.

وذلك بحسب المعتقدات المسيحية وتقع في إقليم أندلسية، ونظراً لوضعها كمكان عبادة إسلامي سابق، يٌعرف المبنى أيضا باسم المسجد الكبير في قرطبة أو مـِسكيتا من قبل السكان المحليين وكلمة مـِسكيتا بالأسبانية تعني مسجد باللغة الإسبانية، ويعتبر الهيكل من أكثر المعالم الأثرية للعمارة المورسكيَّة، وهي مدرجة في قائمة مواقع التراث العالمي، ووفقًا للروايات التقليدية كان الموقع في الأصل كنيسة مسيحية على زمن القوط الغربيين تحت اسم كنيسة القديس فنسنت، وقد أمر عبد الرحمن الأول بتحويل الكنيسة إلى مسجد خلال الحكم الأموي في الأندلس وبإعادة بناء المبنى، والذي تم توسيعه بشكل كبير من قبل الحكام المسلمين الآخرين في وقت لاحق.

وقد عادت قرطبة إلى الحكم المسيحي خلال الاسترداد بعد ذلك، وحول الإسبان لاحقاً المسجد إلى كنيسة تتبع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وبلغت ذروته بإدخال صحن الكاتدرائية خلال عصر النهضة في القرن السادس عشر، وقد شكلت الكاتدرائية نموذج لتداخل فن العمارة الإسلامية والمسيحية، وتعتبر كاتدرائية قرطبة بوصفها واحدة من المعالم الأثرية الأشهر للعمارة الإسلامية في إسبانيا، وقد بلغت مساجد قرطبة في عهده ربعمائه وتسعين مسجدًا، وكما أنشأ دارًا لسك العملة، تضرب فيها النقود بحسب ما كانت تضرب في دمشق في عهد بني أمية وزنًا ونقشًا، ولم تحدث عبد الرحمن الداخل نفسه بالخلافة، حيث كان يرى بأنه لا يستحقها إلا من ملك الحرمين.

وهو أيضا لم يقطع الخطبة للخليفة العباسي حتى عام مائه وتسعه وثلاثين من الهجره، وبعد عشرة أشهر من حكمه، وبعد أن أشار عليه قادته بقطعها، بل ألح بعضهم على ذلك، حتى أن عبد الملك بن عمر المرواني هدده بقتل نفسه إن لم يقطعها، أما فيما يتعلق بعلاقاته الخارجية، فبعد أن فشلت حملة شارلمان على شرق الأندلس، وهزيمة جيشه في معركة باب الشرزي، قد دعاه عبد الرحمن الداخل إلى السلم والمصاهرة، لتوطيد العلاقة بين الدولتين، فأجابه شارلمان إلى السلم، ولم يجبه إلى المصاهرة، وفي زمنه دخل الغازي بن قيس الأندلس بموطأ مالك وبقراءة نافع بن أبي نعيم، وأبو محمد الغازي بن قيس الأموي هو فقيه ومُحدّث وقاريء أندلسي.

وقد ولد الغازي بن قيس في قرطبة لأسرة من موالي بني أمية، وقد رحل الغازي في بداية عهد عبد الرحمن الداخل إلى المشرق، وكان عاقلاً نبيلاً، ويروي حديثًا كثيرًا، ويتفقه في المسائل، وكان رأسًا في علم القرآن، متهجداً بالقرآن كثير الصلاة بالليل، وكان بعد ذلك توجه الداخل عام مائه وستين من الهجره، قوة بقيادة تمام بن علقمة وأبي عثمان لقتال الفاطمي، واقتتلا وهزمهما الفاطمي، إلا أن رجلين من أصحابه تآمرا عليه وقتلاه بعد ذلك، لتنتهي ثورته، وأما عن قورية أو قورية الكبيرة فهى أكبر جزر أرخبيل قورية الذي يقع في الوسط التونسي شرق مدينة المنستير، في عام مائه وواحد وستين من الهجره، نزل عبد الرحمن بن حبيب الصقلبي بجيشه ساحل تدمير.

فسارع الداخل بمهاجمة ابن حبيب، فاستغاث ابن حبيب بوالي برشلونة سليمان الأعرابي، ولكن هذا الأخير لم ينجده، وبذلك استطاع عبد الرحمن أن يهزم ابن حبيب ويحرق سفنه عند ساحل تدمير، ففر الصقلبي إلى كورة بلنسية، حيث اغتاله رجل من البربر طمعًا في عطية من الداخل، وهي عاصمة مقاطعة بلنسية في شرق إسبانيا على البحر المتوسط ومن أكبر مدن البلاد، كان الاسم اللاتيني الأصلي للمدينة هو فالنتيا والتي تعني القوة والبسالة، بسبب الممارسة الرومانية في التعرف على شجاعة الجنود الرومان السابقين بعد الحرب، وكان أثناء حكم الممالك الإسلامية، لم يساير المسلمين الإسبان في إطلاق اسم الإشبان على تلك المدينة، بل غيروا بعض حروفه وأدخلوا تعديلا علي رسمه فأصبح بلنسيه.

وأوردوه بهذا الرسم في مؤلفاتهم التاريخية والجغرافية، وقد صفها المسلمون بمدينة التراب، وكان ذلك بسبب كثرة التراب لاتساع محارثها ومزارعها، وكان عبد الرحمن بن حبيب الفهري المعروف باسم الصقلبي هو أحد القادة الذين ثاروا على العباسيين في إفريقية، ثم تحوّل ليدعو لهم في الأندلس، وهو عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، وقد عرف بالصقلبي لطوله وزرقة عينيه وشقرة شعره، وقد كان عبد الرحمن في جيش أبي حاتم الخارجي المنقض على العباسيين بإفريقية، ولما هزم أبي حاتم على يد يزيد بن حاتم عام مائه وواحد وخمسين من الهجره، فقد فر إلى كتامة وبدأ يستعد للقتال، وقد سير إليه يزيد جيشًا آخر عام مائه وسته وخمسين من الهجره.

فهزموا البربر وظفروا بهم، وفر عبد الرحمن، ثم تمكن عبد الرحمن من جمع جيش عبر به إلى الأندلس عام مائه وواحد وستين من الهجره، لمحاربة الأمويين، والدعوة للعباسيين، غير أنه قتل على يد رجل من البربر عام مائه واثنين وستين من الهجره، وسليمان بن يقظان الكلبي القضاعي المعروف بلقب الأعرابي والي برشلونة إبان حكم عبد الرحمن الداخل. ثار على عبد الرحمن الداخل عام مائه وسبعه وخمسين من الهجره، وقد وحالف شارلمان إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة، إلا أن فشل حملة شارلمان على شرق الأندلس التي دعاه لها الأعرابي، وكان سببًا في أسر شارلمان له عقابًا له على فشل الحملة، وبعدئذ تحالف ولديه عيشون ومطروح مع البشكنس الذين هاجم شارلمان مدينتهم بنبلونة.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *