Share Button

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع عبد العزيز بن موسى بن نصير، وقد وقفنا مع القوط في داكيا عندما اعتنقوا المسيحية الأريانية التي تقول بأن المسيح ليس صورة من صور الرب في ثالوث الأقداس وإنما مخلوق عادي كسائر البشر خلقه الله تعالى، وقد كانت الأريانية تخالف، بشكل كبير، المعتقدات الأساسية للمسيحية الكاثوليكية وأرثودكسية اللتين كانتا منتشرتين في الإمبراطورية الرومانية، وقد ظل القوط الغربيون يدينون بالأريانية، وقد انتهت عندما أعلن الملك ريكارد الأول دخوله في الكاثوليكية أثناء فترة حكمه في شبه جزيرة أيبيريا، وأما عن معاهدة أريولة فهى كانت معاهدة عقدت في أريولة في شهر رجب من عام أربعه وتسعين من الهجره، بين عبد العزيز بن موسى بن نصير وهو أحد قادة الفتح الإسلامي لأيبيريا.

وبين القوط الغربيين من أهل كورة تدمير، وترجع أهمية هذه المعاهدة، لكونها مثال على معاملة المسلمين لأهل الذمة أثناء فتحهم لأيبيريا، وفيها نجح المسلمون في ضم تلك المنطقة من الأندلس تحديدا مدن أريولة وبلنتلة ولقنت ومولة وإيّة وإلش ولورقة بالوسائل السلمية، وقد نصت المعاهدة على حرية أهل الذمة في ممارسة شعائرهم الدينية المسيحية، ما دموا يؤدون الجزية ولم يتعاونوا مع أعداء المسلمين، وكانت المعاهده نصها هو ” بسم الله الرحمن الرحيم ” هذا كتاب عبد العزيز بن موسى بن نصير لتدمير بن غندريس، إذ نزل على الصلح، أن له عهد الله وميثاقه وما بعث به أنبيائه ورسله، وأن له ذمة الله عز وجل، وذمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وألا يقدم له وألا يؤخر لأحد من أصحابه بسوء ”

” وألا يُسبون ولا يفرق بينهم وبين نسائهم وأولادهم، ولا يقتلون، ولا تحرق كنائسهم، ولا يكرهون على دينهم، وأن صلحهم على سبع مدائن وهم ” أوريولة ومولة ولورقة وبلنتلة ولقنت وإيّة وإلش ” وأنه لا يدع حفظ العهد، ولا يحل ما انعقد، ويصحح الذي فرضناه عليه وألزمناه أمره، ولا يكتمنا خبرا علمه، وأن عليه وعلى أصحابه غُرم الجزية، من ذلك على كل حُر: دينار وأربعة أمداء من قمح وأربعة أمداء من شعير، وأربعة أقساط خل، وقسطا عسل، وقسط زيت، وعلى كل عبد نصف هذا، وقد شهد على ذلك: عثمان بن عبيدة القرشي، وحبيب بن أبي عبيدة القرشي، وسعدان بن عبد الله الربعي، وسليمان بن قيس التجيبي، ويحيى بن يعمر السهمي، وبشر بن قيس اللخمي، ويعيش بن عبد الله الأزدي، وأبو عاصم الهذلي.

وكتبت هذه المعاهده في شهر رجب سنة أربع وتسعين من الهجره، وأما عبد العزيز بن موسى بن نصير كان في عهد ولاية أبيه على الأندلس، وقد ثار أهل إشبيلية على حاميتها من المسلمين وقتلوهم، فأرسله موسى بن نصير إلى إشبيلية، فأعاد فتحها، ومنها افتتح لبلة، وهى بلدية تقع في مقاطعة ولبة التابعة لمنطقة أندلوسيا جنوب إسبانيا وغيرها من المعاقل والحصون في منطقة الساحل الواقعة بين مالقة وبلنسية، وقد كان من بين المناطق التي افتتحها عبد العزيز بن موسى بن نصير، في تلك الفترة، كورة تدمير التي صالحها أهلها وعقد مع حاكمها القوطي ثيوديمير معاهدة، عرفت باسم معاهدة أريولة، والتي أعطت الحق للقوط الغربيين المسيحيين بممارسة شعائر دينهم، ما داموا يحافظون على عهدهم مع المسلمين.

ويدفعون الجزية، وأما عن ثيوديمير، والذي عرفته المصادر العربية التي تناولت الغزو الإسلامي لشبه الجزيرة الأوربية باسم تدمير وهو كونت قوطي، وقد حكم المنطقة الواقعة حول مدينة مرسية الحالية، وكان ذلك خلال العقود الأخيرة من حكم مملكة القوط الغربيين وبضع سنوات بعد الغزو الإسلامي لهسبانيا، وقد تولى ثيوديمير حكم سبع مدن في جنوب شرق إسبانيا، وقد ورد ذكرها المؤرخ ابن عذاري في حديثه عن معاهدة أريولة، وهي أريولة وبلنتية ولقنت ومولة وبيجاسترو، وأوخوس ولورقة، وقد قاوم ثيودمير خلال عهد إجيكا أو عهد ويتزا أسطولا بيزنطيا هاجم الشواطيء الجنوبية لإسبانيا، ونجح في طرد هذا الأسطول، ولكن هناك خلاف حول تاريخ تلك الحملة.

وكان بعد هزيمة الملك رودريك في معركة معركة وادي لكة، فقد قاوم ثيوديمير الغزو الإسلامي إلا أنه انهزم أمامهم، واضطر لعقد معاهدة مع القائد عبد العزيز بن موسى بن نصير، وقد سمحت لثيوديمير بحكم بعض المدن، على أن يؤدوا الجزية بوصفهم أهل الذمة، وقد أطلق العرب على المنطقة التي حكمها ثيوديمير باسم كورة تدمير، و تدمير هي إحدى كور شرق الدولة الأموية في الأندلس، وكانت قاعدتها مدينة مرسية التي أسسها الأمير عبد الرحمن بن عبد الحكم، أو يطلق عليه عبد الرحمن الداخل، لتكون قاعدة الكورة، ومن مدنها هى إلش وأريولة وجنجالة ولورقة وقرطاجنة وقد ذكر الحميري أنها سميت بذلك نسبة لآخر حكامها من القوط تدمير، وأما عن عبد العزيز بن موسى.

فإنه في عام خمسه وتسعين من الهجره، فقد استدعى الخليفة الوليد بن عبد الملك موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق، فاستخلف موسى ابنه عبد العزيز على الأندلس، واتخذ عبد العزيز من إشبيلية قاعدة له، وقد استكمل عبد العزيز بن موسى افتتاح باقي الأندلس، وضبط شئونه إداريا، وحصّن ثغوره، وقد تزوج عبد العزيز بن موسى بن نصير، من امرأة مسيحية من أشراف القوط، وقد زعم ابن عبد الحكم والواقدي أنها ابنة رودريك، فيما زعم صاحب أخبار مجموعة في فتح الأندلس وابن عذاري أنها زوجة رودريك، وكناها بأم عاصم، وقد ذكر المؤرخون أن امرأته ألبته على قومه، مما أثار حفيظتهم، وكما ثارت شائعات أنه تنصّر، فاتفق جماعة من بينهم زياد بن النابغة التميمي وحبيب بن أبي عبيدة الفهري.

وزياد بن عُذرة البلوي على قتله، فاغتاله زياد التميمي، وقيل زياد البلوي، وهو يصلي بمسجد، ويسمى بمسجد ربينة في إشبيلية، وقال ابن عذاري، أنهم ما قتلوه إلا بأمر من الخليفة سليمان بن عبد الملك بعد أن نكب موسى بن نصير، ثم حُملت رأسه إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك، فعرضها على موسى بن نصير قائلا ” أتعرف هذا؟ ” فقال موسى بن نصير ” نعم أعرفه صوّاما قوّاما، فعليه لعنة الله إن كان الذي قتله خيرا منه ” وقد كان مقتله في شهر رجب فى عام سبعه وتسعين من الهجره، وقيل فى عام ثمانى وتسعين من الهجره، وقد خلفه على ولاية الأندلس ابن عمته أيوب بن حبيب اللخمي، وقد قال عنه الزركلي في الأعلام أنه كان شجاعا حازما، فاضلا في أخلاقه وسيرته.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *