Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى ومع الصحابى الجليل عبد الله بن رواحه، وقد وقفنا معه عندما بغثه الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى خيبر، فيخرص بينه وبين يهود خيبر، وقد قال: فجمعوا له حليًّا من حلي نسائهم، فقالوا له: هذا لك، وخفِّف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة “يا معشر اليهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إليَّ، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأَمَّا ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت، وإنَّا لا نأكلها” فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، وقد كان عبد الله بن رواحه هو أحد الشعراء الثلاثة الذين تصدوا للمشركين ودافعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام والمسلمين، وقد ولاّه النبي صلى الله عليه وسلم، عدة مهام، فاستخلفه على المدينة عندما خرج في غزوة بدر الموعد.

ولقد بعثه قائدا لسرية من ثلاثين رجلا لقتال أسير بن رزام اليهودي في خيبر، فقتله، وكما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، خارصا لتقدير زكاة نخل وزروع خيبر، وقد كان ابن رواحة من القلة الذين يُحسنون الكتابة في يثرب، وكما كان شاعرا لبيبا، فكان هو وحسان بن ثابت وكعب بن مالك يتولون الرد على من يهجون النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين، وقد أختار النبي صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن رواحة ليكون القائد الثالث للمسلمين في جيش الشام الذي واجه جيشًا من مائتى ألف مقاتل من الروم والغساسنةفي الشام، وكان عسكر جيش المسلمين الذي قوامه ثلاثة ألاف رجل بناحية معان باليمن، فبلغهم خبر جموع الروم، فاستشار القائد الأول زيد بن حارثة أصحابه فقالوا: قد وطئت البلاد وأخفت أهلها، فانصرف.

وابن رواحة ساكت، فسأله فقال: إنا لم نسر لغنائم، ولكنا خرجنا للقاء، ولسنا نقاتلهم بعدد ولا عُدّة، والرأي المسير إليهم، فبلغهم أن هرقلقد نزل بمؤاب، فشجع ابن رواحة المسلمين، وقال: يا قوم، والله إن الذي تكرهون للتي خرجتم لها الشهادة، والتقى الجيشان في مؤتة في شهر جمادى الأولى فى السنه الثامنه من الهجره، وقد واجه المسلمون موقفا عصيبا بسبب التفوق العددي للروم، فقُتل القائد الأول زيد بن حارثة، ثم القائد الثاني جعفر بن أبي طالب، فانتقلت الراية للقائد الثالث ابن رواحة الذي تردد قليلا، ثم نزل ابن رواحة للقتال فطُعن، فاستقبل الدم بيده فدلك به وجهه، ثم اخترق الصفوف، وجعل يقول: يا معشر المسلمين، ذُبُّوا عن لحم أخيكم، فهاجم المسلمون حتى يدركوه، فلم يزالوا كذلك حتى أدركوه وقد مات مكانه.

وقد مات ابن رواحة دون أن يعقب من الولد، وكان من شعره في النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” أنت النبي ومن يحرم شفاعته يوم الحساب، فقد أزرى به القـدر فثبت الله ما آتاك من حسـن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا ” فقال له النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ” وأنت فثبتك الله يا بن رواحة ” ومن أحسن ما مدح به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قول عبدالله بن رواحة ” لولم تكن فيه آيات مبينة، كانت بديهته تنبيك بالخبر ” وفي عمرة القضاء قال بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ” خلو بني الكفار عن سبيله ، اليوم نضربكم على تأويله، ضربا يزيل الهام عن مقيله، ويذهل الخليل عن خليله، فقال له عمر بن الخطاب: ” يا بن رواحة أفي حرم الله وبين يدي رسول الله؟

” فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” خل عنه ياعمر، فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبال ” وفي سنة ثمان للهجرة عندما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً لمواجهة الروم وأمّر عليه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن رواحة، فإن استشهدوا فليرتض المسلمون رجلا فليجعلوه عليهم، ولما أرادوا الخروج بكى عبدالله، فقالوا: ” ما يبكيك يا بن رواحة؟ ” فقال: ” أما والله مابي حب الدنيا ولا صبابة إليها، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون: ” صحبكم الله وردكم إلينا صالحين ودفع عنكم ” فأجابهم عبدالله بن رواحه مبينا تطلعه إلى الشهادة.

قائلا ” لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع يقذف الزبدا، أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا، حتى يقولوا إذا مروا على جدثي أرشده الله من غاز وقد رشـدا، ثم ساروا حتى بلغوا بادية الشام فعلموا بأن الروم مئتا ألف بينما جيش المسلمين ثلاثة آلاف، فأرادوا أن يتوقفوا ويرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليعلموه فشجعهم عبدالله بن رواحة على المضي إلى الجهاد، وسمعه زيد بن أرقم ذات ليلة يقول” إذا أدنيتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك فانعمي وخلاك ذمولا، أرجع إلى أهلي ورائي وجاء المؤمنون وغادروني بأرض الشام مشهور الثّواء، فبكى زيد، فضربه عبدالله بالدرة وقال: ” ماعليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع أنت “

ولما دار القتال استشهد زيد وجعفر فحمل الراية عبدالله وهو يقول ” يا نفس إلا تُقتَلي تموتي هذا حياض الموت قد صليت وما تمنيت فقد لقيت إن تفعلى فعلها هديت، وإن تأخرت فقد شقيت ثم قال: ” يا نفس إلى أي شيء تتوقين؟ إلى فلانة ويقصد امرأته، فهي طالق وإلى فلان وفلان ويقصد غلمانه، فهم أحرار وإلى بستان له فهو لله ولرسوله ” ثم قال ” يانفس مالك تكرهين الجنة أقسم بالله لتنزلنه طائعة أو لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنة، فاندفع يقاتل ببسالة لا مثيل لها، وقد أخبر الوحي رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حصل في الغزوة فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصحابة الكرام بذلك والمعركة مازالت تدور، ولعبدالله بن رواحة ديوان شعر معظمه في الدفاع عن الإسلام وهجاء المشركين.

وحض النفس على التقوى و الجهاد وطلب الشهادة، وقد كان لعبد الله بن رواحة رضى الله عنه، مواقف جمَّة مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ففي ليلة العقبة قال عبد الله بن رواحة، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: ” أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم” قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: “الجنة” قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت الآيه الكريمه فى سورة التوبه ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ) وقد أخبر عبادة بن الصامت رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاد عبد الله بن رواحة، فقال: فما تَحَوَّز أى تنحَّى له عن فراشه.

فقال: ” أتدرون مَن شُهداء أمتي؟” قالوا: قتْل المسلم شهادة، فقال صلى الله عليه وسلم: ” إن شهداء أمتى إذا لقليل، قتل المسلم شهاده، والطاعون شهاده، والبطن والغرق، والمرأه يقتلها ولدها جمعاء ” ويقول أبو الدرداء، أعوذ بالله أن يأتي عليَّ يوم لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة ، فكان إذا لقيني مقبلا ضرب بين ثدييّ، وإذا لقيني مدبرا ضرب بين كتفيّ، ثم يقول: “يا عُويمر، اجلس فلنؤمن ساعة ” فنجلس فنذكر الله تعالى، ما شاء، ثم يقول: “يا عويمر، هذه مجالس الإيمان” ولما كان يوم بدر وانتصر المسلمون وأُسر المشركون، شاور الرسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحابه في شأن هؤلاء الأسرى، فقال: “ما تقولون في هؤلاء الأُسارى؟” فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه: يا رسول الله.

قومك وأهلك استبقهم واستتبهم، لعل الله أن يتوب عليهم، وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: يا رسول الله، كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة رضى الله عنه، يا رسول الله، أنت في واد كثير الحطب، أضرم الوادي عليهم نارا ثم ألقهم فيه، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرد عليهم شيئا، ثم قام فدخل، فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، وقد كان لعبد الله بن رواحة، أثر واضح في الآخرين؛ فعن أنس ين مالك رضى الله عنه قال: كان عبد الله بن رواحة، إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ” تعالى نؤمن بربنا ساع” فقال ذات يوم لرجل، فغضب الرجل.

فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يرحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة ” ولقد كان له الأثر الواضح في إسلام أبي الدرداء رضى الله عنه، إذ كان أخا لأبي الدرداء في الجاهلية، وكان أبو الدرداء متعلقا بصنم له، وكان عبد الله بن رواحة يدعوه إلى الإسلام، فيأبى، فجاءه عبد الله بن رواحة ذات يوم، ولم يكن أبو الدرداء بالبيت، فأخذ قَدُوما فجعل يضرب صنم أبي الدرداء وهو يرتجز ويقول له ” ألا كل ما يُدعى مع الله باطل” وجاء أبو الدرداء فأخبرته امرأته بما صنع عبد الله بن رواحة ، ففكَّر في نفسه، فقال: لو كان عند هذا خير لدفع عن نفسه.

فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صومعة عبد الله بن رواحة ، فأسلم، وفى النهايه الحقيقيه لكل إنسان هى الموت، وقد استشهد عبد الله بن رواحه رضى الله عنه، في غزوة مُؤتة، وكان أحد قُوَّادها، ودُفن في بلدة مؤتة إلى الجنوب من مدينة الكرك، وذلك في العام الثامن للهجرة، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وبلال بن رباح، وقد روى عنه أنس بن مالك وابن أخته النعمان بن بشير، وعبد الله بن عباس وأسامة بن زيد، وأبو هريرة، رضى الله تعالى عنهم أجمعين.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *