Share Button
إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع عبد الله بن سبأ، وقد ذهبت بعض الآراء إلى عبد الله بن سبأ أنه أحكم كيده إحكاما، فنظم في الأمصار جماعات خفية تستتر بالكيد، وتتداعى فيما بينها إلى الفتنة، حتى إذا تهيأت لها الأمور، وثبت على الخليفة، فكان ما كان من الخروج والحصار وقتل الإمام، والمعلومات التاريخية الواردة في نسب ابن سبأ من والده، ضئيلة، بل إنها غير متجانسة، ثم إن أباه لا يُعرف عنه شيئا لا في المنشأ ولا في الممات، أما أمه، فكانت حبشية، ولذلك لقب بلقب ابن السوداء، وأكثر من ذلك أنه لا معلومات البتة عن فتوته ونشأته، أي فترة ما قبل ظهور وانتشار اسمه، وعبد الله بن سبأ، كما تدل كنيته على ذلك، ينسب إلى سبأ، وقد ورد ذكر هذه المنطقة في القرآن الكريم فقال تعالى ” لقد كان لسبأ في مسكنهم آية” وهي في الغالب مجموعة من القبائل التي استقرت في اليمن حوالي سنة ثمانى مائة قبل الميلاد، ولكن بعض المصادر التاريخية الأخرى تنسبه إلى قبيلة حمير، وأخرى إلى قبيلة همدان، وهناك أيضا من يقول إنه من الحيرة، وآخرون يقولون إنه رومي، وأيّا كان القول.
فمعظم المصادر تكاد تجمع على أن عبد الله بن سبأ، يمني، وقد جاء في تاريخ الطبري أنه كان عبد الله بن سبأ يهوديا من أهل صنعاء، ويروى أن ابن سبأ أنه كان يخفي أصله عمدا، إذ سأله والي البصرة في عهد الخليفة عثمان بن عفان عمن يكون، فأجابه بأنه رجل من أهل الكتاب يرغب في الإسلام وفي جواره، دون أن يصرح له باسمه، وأما عن دينه، فكان يهوديا، وبالرغم من أن بعض المستشرقين قالوا إن الاحتمال الغالب أن ابن سبأ ليس كذلك، إذ أن انتسابه إلى قبيلة عربية يمنع من أن يكون يهوديا، إلا أن البعض أكد هذا الاستنتاج لا مبرر له، وكان الدليل في ذلك، أنه ليس هناك من تناقض بين أن يكون المرء يهوديا وأن يكون من قبيلة عربية، ثم إن الاتجاه الغالب في يهود اليمن أن أغلبيتهم كانوا ذوي أصل عربي، وقد أسلم ابن سبأ في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، ونسبة إلى تاريخ الطبري، فإنه أخذ ينتقل في البلاد المسلمة من قطر لآخر، محاولا ضلالتهم، فابتدأ بالحجاز ثم البصرة فالكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على شيء فيها، حتى أتى مصر واستقر بها وقيل إنه افتتن بعض أهلها.
وإن نفس القول يرد عند ابن كثير، إذ يروي أن ابن سبأ كان سبب تألب الأحزاب على الخليفة عثمان بن عفان، ويرد أيضا عند ابن عساكر، الذي يؤكد أن ابن سبأ ظهر بين المسلمين في عهد عثمان ليلفتهم عن طاعة الأئمة، لكن دون تحديد سنة معينة لهذا الظهور، ويقول ابن كثير إن ظهور ابن سبأ من أسباب تألب الأحزاب على الخليفة عثمان بن عفان، إذ اخترع كلاما يقول مما قال فيه ” محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء” ثم يتم محرضا ويقول فهو أحق بالأمر من عثمان، وعثمان معتد في ولايته ما ليس له، وإذا كان الناس قد أنكروا عليه، وفق ابن كثير، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن بشرا كثيرا من أهل مصر، كان قد افتتن به، ويشير صلاح الدين الصفدي، في تعريفه لابن سبأ، إلى أنه قال لعلي بن أبي طالب ” أنت الإله ” فنفاه الإمام على إلى المدائن، وحين قتل، زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزءا إلهيا، وأن ابن ملجم، وهو قاتل الإمام علي، إنما قتل شيطانا تصور بصورته، وأن عليا في السحاب، الرعد صوته والبرق صورته، وأنه سينزل يوما ما إلى الأرض ليملأها عدلا.
وأما عبد القاهر الجرجاني، فيزعم أن أصحاب عبد الله بن سبأ إذ يسمعون الرعد، يقولون ” عليك السلام يا أمير المؤمنين ” ويذكر أبو حاتم الرازي أن عبد الله بن سبأ ومن قال بقوله من السبئية، كانوا يزعمون أن عليا هو الإله، وأنه يحيي الموتى، وادعوا غيبته بعد موته، ويشير المستشرق يوليوس فلهاوزن، إلى أن ابن سبأ ابتدع ما يسمى بعقيدة ناسخ الأرواح التي أصبحت بعد ذلك ضمن عقيدة السبئية، وذكر أن هؤلاء يؤمنون بأن روح الله التي تسري في الأنبياء تنتقل بعد موت كل نبي إلى النبي الذي بعده، وأن روح رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خاصة انتقلت إلى علي، وهي باقية في سلالته، وبالمقابل، يرى عبد الرحمن بدوي أن عبد الله بن سبأ والسبئية لم يقولوا بألوهية علي بن أبي طالب، حيث لم يرد شيء من ذلك عند الطبري والقمي وأبي الحسن الأشعري، أما ورود ذلك عند الآخرين فاعتبره تزايدا من عندهم، وإذا كان هناك اختلاف واضح في ذكر الكتب الأولى لسيرة ابن سبأ، فإنها تكاد تجمع على أنها شخصية ظهرت في المسلمين لتلفتهم عن دينهم، فاجتمع إليها مجموعة من الناس.
أطلق عليها الطائفة السبائية، وهكذا كان عبد الله بن سبأ شخصية ظهرت في فترة خلافة عثمان بن عفان وتنسب إليه الروايات التاريخية بأنه مشعل الاضطرابات والاحتجاجات ضد عثمان بن عفان في الخفاء وكان من الغلاة بحب علي بن أبي طالب ومدعٍ لألوهيته، ومؤسس الفرقة السبئية وهي أصل فكرة التشيع، وهو أول من أظهر الطعن والشتم للصحابة خصوصا أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب والسيدة عائشة بنت أبي بكر، رضى الله عنهم أجمعين، ويعده العديد من مؤرخي أهل السنة أنه مشعل الثورة على الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان والسبب في وقوع معركة الجمل بعد ذلك، ويعتبر عبد الله بن سبأ أول من نادى بولاية الإمام علي بن أبي طالب وبأن لكل نبي وصيا وأن وصي الأمة هو علي بن أبي طالب، وينسب له أنه أول من غالى في علي وأضفى عليه صفات غير بشرية، مما اضطر عليا إلى التبرؤ منه حتى أنه كان يقول على منبر الكوفة “خير هذه الامة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر “
فكان يظهر الفضل لبشر فكيف يرضى أن يقال عنه إله، و لهذا خدت الأخاديد ثم ملئت حطبا وأوقدت فأمر بإلقاء من تابع ابن سبأ في قوله أن عليا إله إلا أن ابن سبأ فر منهم، ويرى بعض المؤرخين الحديثين ابن سبأ أصل التشيع بصفة عامة وأصل الفتن الإسلامية الأولى كفتنة مقتل عثمان وحرب الجمل، ويرجعونه لأصول يهودية بحيث أن تشتت المسلمين كان نتيجة مؤامرة يهودية، ومن جهة أخرى، ينفي المؤرخون الشيعة وجود ابن سبأ من الأساس، ويعتبروه مجرد قصة اختلقها أعداءهم للطعن في أصول الإسلام الشيعي من خلال إيهام عامة الناس بنظرية المؤامرة، ويحاجج البعض بإمكانية أن يكون شخص واحد قد أحدث هذا التأثير الكبير على مجرى تاريخ أمة بكاملها، فمثل هذه الأزمات في رأيهم تكون نتيجة عوامل كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية قد يكون ابن سبأ بما زعم عنه من تأثير عقائدي أحدها، لكنه لا يستطيع أن يختصرها جميعا، ولكن الذي اتفق عليه من جميع المؤرخين أن ابن سبأ أصله يهودي وقد أسلم زمن عثمان بن عفان، وأخذ يتنقل في بلاد المسلمين، فبدأ بالحجاز ثم البصرة.
وكان ذلك سنة ثلاثة وثلاثين من الهجرة، ثم الكوفة، ثم أتى الشام ثم مصر سنة أربعه وثلاثين من الهجرة، واستقر بها، ووضع عقيدتي الوصية والرجعة، وكوّن له في مصر أنصارا واستمر في مراسلة أتباعه في الكوفة والبصرة، وفي النهاية نجح في تجميع جميع الساخطين على عثمان بن عفان فتجمعوا في المدينة وقاموا بقتل عثمان، وقد لعب عبد الله بن سبأ دورا هاما في بدء معركة الجمل، وإفشال المفاوضات بين الإمام علي بن أبي طالب وبين طلحة والزبير بن العوام، كما أنه أول من أظهر الغلو وادعى الألوهية للإمام علي، فقام علي بإحراق بعض أتباعه، ثم قام بنفي ابن سبأ إلى المدائن، وبعد وفاة الإمام علي، رفض ابن سبأ الاعتراف بذلك، وادعى غيبته بعد وفاته، ويرى بعض علماء السنة أن ابن سبأ يهودي دخل الإسلام نفاقا ليكيد بالإسلام وأهله، ثم أخذ يتنقل بين البلدان الإسلامية مدعيا أن علي بن أبي طالب أحق بالخلافة من عثمان بن عفان، وبالفعل أثار الشبهات، وجمع من حوله الأنصار وزحفوا من البصرة والكوفة ومصر إلى المدينة المنورة، ولكن علي تصدى لهم وأوضح أن أي اعتداء على الخليفة إنما هو إضعاف للإسلام وتفريق للمسلمين.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *