Share Button
إعداد / محمـــد الدكــــرورى
لقد أصبحنا فى زمن كثرت فيه الفتن وتنوعت، وأصبح المسلم يسمع أو يشاهد هذه الفتن بكرة وعشيا، وقد نزل بالناس كثير من البلايا والمصائب والمحن، وكثير من النوازل وانتشرت الفتن، ولله الحكمة فيما يقضي ويقدّر، فإن من حكمة الله أن هذه الفتن يتبين فيها صادق الإيمان من ضده، فكم فتن كثيرا من الرجال، وكم جعلها الأعداء مكيدة لإفساد المجتمع المسلم، فجعلوها مكيدة لإفساد المجتمع المسلم، فتنة مخالطة الأشرار من الكفار والمنافقين، وبلاء على المسلمين وشر عظيم، وما يثير الغوغائيون من الشكوك والخلافات وتحريض بعض الناس على بعض مما أحث شرورا ومصائب في المجتمع المسلم، وفتنة الشائعات التي لا حقيقة لها ونشرها لإفساد القلوب والبلبلة بين صفوف المجتمع، وفتنة المصائب والولايات وما تحدثه عند البعض من سوء العاقبة في أموره كلها، ولما كانت هذه الفتن تمر وتتجدد في كل زمان، وتخرج بأساليب مختلفة، حذرنا منها نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال.
“بادروا بالأعمال الصالحة فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا”، فقوله صلى الله عليه وسلم، بادروا بالأعمال، أي قبل أن يتعذر عليكم، أو تشغلكم هذه الفتن التي كقطع الليل المظلم، ويلتبس فيها الحق بالباطل، فيكون الرجل مسلما في أول النهار، فتلك الفتن تؤثر على دينه ومعتقده، ويصبح كافرا، وبالعكس، وقال بعض العلماء يصبح محرِّما لدم أخيه وماله وعرضه، ويمسي مستحلا لدم أخيه وماله وعرضه، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج” فقوله يقبض العلم، قبض العلم كما بينه صلى الله عليه وسلم بقوله “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبقى عالم اتخذ الناس أناس جهَّال، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”، وقوله تكثر الزلازل، أي التخويف من الله لعباده لمعاصيهم وسيئات أعمالهم، وتقارب الزمان إما بنقصه، أو بإنتزاع البركة منه، ويكثر الهرج.
والهرج هو القتل، وقد نتج عن هذه الفتن خلافات جزئية، وكان من الممكن تلاشيها، ومن الممكن كذلك استمرار الحياة بها، دون أن تعكر ساحة الدولة بالفتن، ولولا الأصابع الخفية التي أخذت تعمل عملها لتجميع هذه التناقضات، لتوجد تيارا واحدا هب على ساحة الدولة الإسلامية فغمرها بالفتن، ولنعد إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقد كان يسكن هذه البلدة الكريمة بنو أم واحدة، وأب واحد من قبائل الأزد بن الغوث وهى أمهما، وقيل وأبوهما هو حارثة بن ثعلبة، وهؤلاء هم الأوس والخزرج وكان يعيش بينهم هذا الجليل من اليهود الذي سكن جزيرة العرب، أو سكن المدينة، فكان من خبر ذلك، شيء لم يكن مثله مثلا من بني هاشم وبني أمية وهو الحرب المتطاولة بين هذين الحيين الذين ولدتهما أم واحدة وأب واحد، ويسكنان معا بلدة واحدة، وظل هذا القتال بين الحيين متجدد النيران إلى أن كان يوم بعاث وهو كما قال ابن سعد آخر وقعة كانت بين الاوس والخزرج في الحروب التي كانت بينهم وكانت هذه الوقعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قد دعا إلى الإسلام، ثم هاجر بعدها بست سنين.
إلى المدينة، ونشأة هذه العداوة العجيبة بين الأخوين الأوس والخزرج، واقتتالهما هذا الاقتتال المر العنيف حقبا متطاولة، ودخول اليهود في الحلف بعضهم مع الاوس وبعضهم مع الخزرج، لا يصيبهم من أذى القتال بين هذين الحيين الأخوين، إلا القليل، وتداعيهم باسم اليهودية إذا حزب الأمر، فيكونون يدا واحدة على هذه العرب، ليس له معنى إلا أن تكون هذه اليهود، هي التي أرثت الحرب والعداوة بينهما لتؤثل في هذه الأرض أموالا واطاما وحصونا تكون لها عدة وقوة، وتظهرها على أهل البلاد المالكين لها، وتصرف وجه هؤلاء القوم عن الزراعة وتثمير الأموال، وتبقى يهود هي صاحبة الزراعة، والتجارة، وتثمير الأموال، بالربا ومآكل السحت، وهذا عمل يهود في كل حين ولا يلبث رسول الله صلى الله عليه و سلم، أن يهاجر إلى المدينة بعد أن التقى رهطا من الخزرج عند العقبة، فلا يبقى حي من الاوس والخزرج إلا دخله الإسلام وظهر فيه، فيمر شأس بن قيس من يهود بني قينقاع على نفر من الاوس والخزرج، فيغيظه ما رأى من ألفتهم، وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية.
فيقول قد اجتمع ملا من بني قيلة وهو يعني الاوس والخزرج بهذه البلاد، لا والله مالنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرا، فيأمر شابا من يهود أن يجلس إليهم فيذكر لهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما تقاولوا فيه من الأشعار، فيفعل هذا اليهودي، فإذا الجماعة المؤلفة على الإسلام تتنازع وتتفاخر، فيتواثب رجلان من الاوس والخزرج فيقول أحدهما لصاحبه أن شئتم رددناها الآن جذعه، ويغضب الفريقان جميعا ويقولون فقد فعلنا، موعدكم الظاهرة ويعنون مكانا بعينه ويتداعون السلاح ويخرجون إلى موعدهم، فيبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم، الخبر، فيخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه، حتى إذا جاءهم قال ” يا معشر المسلمين الله الله، ابدعوى الجاهلية تدعون، وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به، وقطع عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وآلف بينكم، فيعرف الأنصار أوسهم وخزرجهم إنها نزعة من الشيطان، وكيد من عدوهم ” فيبكون ويتعانقون، ثم ينصرفون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم، سامعين مطيعين، قد أطفأ الله تعالى عنهم كيد عدو الله، شأس بن قيس اليهودي.
ثم ينزل الله عز وجل، في أمر هذه الفتنة، ويخاطب المسلمين الذين كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرهم لم يمت بعد ” يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ” وأما عن عبد الله بن سبأ، فهو شخصية من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ الإسلامي، ذلك أن البعض يعزو إليه إثارة الفتنة الكبرى في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، وآخرون يقولون إنه جعل الإمام علي بن أبي طالب في مرتبة إله، وبعض آخر يقول إنها قصة متقنة الحبك وإن دوره ضُخّم كثيرا، ومن مكمن إثارته للجدل أساسا، أن آخرين ينكرون وجوده أصلا، بالأخص الشيعة، وبينما ينسب إليه البعض دعوته، أول مرة، إلى الانقلاب على الخليفة عثمان بن عفان وولاية الإمام علي، وإن الباحث في سيرته ينتبه دون صعوبة إلى الغموض الذي يكتنف شخصيته، حتى إنك بعد قراءة كتب عدة تروي قصته، لن تعرف نسبه ولا أهله ولا أي معلومة عن نشأته، سوى أنه يهودي عرف بابن السوداء.
وظهر بين المسلمين في عهد الخليفة عثمان بن عفان بغرض زعزعة استقرار دولتهم آنذاك، بإيعاز من الروم، وهذا نفسه، محط خلاف كبير، فكان بعد رحيل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الرفيق الأعلى، و اندلاع حروب الردة، وبعد أن تمكن الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، من قمعها، فقد دخلت إلى رواق الحياة الإسلامية شخصيات لم تستضيء قلوبها بأنوار النبوة، ولم تستكمل حضانتها الإسلامية في ظل اليقين، فكان دخولها لمناوأة الإسلام، والانقضاض عليه من الداخل، فزاحمت مناكبها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقصتهم عن مكانتهم، وقبضت على كثير من مرافق الحياة في الأمة، وقضت في كثير من قضاياها، وتقدمت وتأخر أهل السبق في الإسلام، فكان لهذه الشخصيات الدخيلة، أثر عظيم في ظهور الفرق والمذاهب التي مزقت وحدة المسلمين، وبددت شملهم، وجعلت القرآن الكريم بينهم عضين، حيث تلجأ إليه كل فرقة وفي يدها سلاح التأويل المنحرف، لتجعل منه سندا لمذهبها، وحجة على منتحلها، وقد تظاهروا بالحب لآل بيت النبوة، في الوقت الذي عملوا كل ما من شأنه الإساءة إليهم، والقضاء عليهم.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *