Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، وقد شهد عبد الله بن عمر، اليرموك وفتح مصر وإفريقية، وقد كان ابن عمر دائما محل احترام وثقة المسلمين، فحاول عثمان بن عفان توليته القضاء، وعرض عليه علي بن أبي طالب ولاية الشام، ورشحه أبو موسى الأشعري للخلافة يوم التحكيم بين جيشي علي ومعاوية، إلا أنه اعتذر عن ذلك كله، وحرص على عدم الانخراط في أمور الحكم تجنبا منه للخوض في دماء المسلمين، وأما عن أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري فهو صحابي جليل وقد ولاه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن، وولاه عمر بن الخطاب على البصرة، وولاه عثمان بن عفان على الكوفة، وكان المُحكم الذي اختاره علي بن أبي طالب.

من بين حزبه يوم صفين، وقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إذا رأى رؤيا قصّها على النبي صلى الله عليه وسلم، فتمنّيت أن أرى رؤيا أقصّها على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكنت غلاما شابّا أعزب، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر، فقال لي: لن تراع فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ” نعم الرجل عبدالله لو كان يُصلي بالليل “

وقال سالم ابن عبدالله بن عمر: فكان عبدالله لا ينام من الليل إلا قليلا ” رواه البخاري، وكا ابن عمر ما أن هاجر إلى المدينة المنورة حتى انخرط في عقد المسلمين، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، والتف حوله مع غيره من صحابته، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أصحابه بالخروج إلى غزوة بدر، تطوع يومها عبد الله للقتال، فردّه النبي صلى الله عليه وسلم، لصغر سنه، وهو ما تكرر عندما حاول التطوع للقتال في غزوة أحد، ولم يُجزه النبي صلى الله عليه وسلم، للقتال إلا في غزوة الخندق وكان عمره يومها خمسة عشر سنة، وقد روى مولاه نافع تلك الأحداث على لسان ابن عمر نفسه، وقد قال عبدالله بن أبي عثمان: كان عبدالله بن عمر أعتق جاريته التي يُقال لها رميثة.

وقال: إني سمعت الله عز وجل يقول في كتابه فى سورة آل عمران ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وإني والله إن كنت لأحبك في الدنيا: اذهبي فأنت حرة لوجه الله عز وجل، وقال نافع: خرج ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له، ووضعوا السفرة له، فمرّ بهم راعي غنم، فسلم فقال ابن عمر: هلم يا راعي، فأصب من هذه السفرة، فقال له: إني صائم، فقال ابن عمر: أتصوم في مثل هذا اليوم الحار الشديد سمومه وأنت في هذا الحال ترعى هذه الغنم؟ فقال: والله إني أبادر أيامي هذه الخالية، فقال له ابن عمر وهو يريد أن يختبر ورعه: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه، فنعطيك ثمنها، ونعطيك من لحمها ما تفطر عليه؟ قال: إنها ليست لي بغنم، إنها غنم سيدي، فقال له ابن عمر: فما يفعل سيّدك إذا فقدها.

فولى الراعي عنه وهو رافع أصبعه إلى السماء، وهو يقول: فأين الله؟ قال: فجعل ابن عمر، يردد قول الراعي، يقول: قال الراعي فأين الله؟ قال: فلما قدم المدينة بعث إلى مولاه فاشترى منه الغنم والراعي، فأعتق الراعي ووهب له الغنم، وقد قيل أنه اشترى عبدالله بن عمر، مرة غلاما بأربعين ألف درهم وأعتقه، فقال الغلام: يا مولاي، قد أعتقتني فهب لي شيئا أعيش به؟ فأعطاه أربعين ألف درهم، وقيل أنه قد اشترى عبدالله بن عمر مرة خمسة عبيد فقام يُصلي، فقاموا خلفه يصلون، فقال: لمن صليتم هذه الصلاة؟ فقالوا: لله، فقال: أنتم أحرار لمن صليتم له، فأعتقهم، وقيل أنه اشترى عبدالله بن عمر بعيرا فأعجبه لما ركبه، فقال: يا نافع، أدخله في إبل الصدقة، وقد كان ابن عمر، قد أصاب نافعا في بعض مغازيه.

وعلى الرغم من أن نافعا كان عبدا إلا أن الله قد منّ عليه بالعلم، وقد بعثه عمر بن عبدالعزيز إلى أهل مصر ليعلمهم السنن، وقال نافع: خدمت ابن عمر ثلاثين سنة، فأعطاه ابن عامر في ثلاثين ألف درهم، فقال ابن عمر: إني أخاف أن تفتنني دراهم ابن عامر، اذهب فأنت حر، وقال أبو بكر بن حفص: كان عبدالله بن عمر لا يأكل طعاما إلا وعلى خوانه أى مائدته، يتيم، وقد كان لابن عمر زوجتان، وأربع ملك يمين، وقيل أنه قد رزقه الله تعالى منهن ستة عشر ولدا وبنتا، فكان له من الذكور: اثنا عشر، ومن الإناث: أربع، وقد كان ابن عمر وابن عباس يجلسان للناس عند مقدم الحاج، فكنت أجلس إلى هذا يوما، وإلى هذا يوما، فكان ابن عباس يجيب ويُفتي في كل ما سُئل عنه، وكان ابن عمر يرد أكثر مما يُفتي.

وقال الإمام مالك: كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت، عبدالله بن عمر، وقد مكث ستين سنة يُفتي الناس، وقال الليث بن سعد: كتب رجل إلى ابن عمر أن اكتب إليّ بالعلم كله، فكتب إليه: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن عن أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازما لأمر جماعتهم، فافعل، وقال ابن حزم: المكثرون من الفتيا من الصحابة، عمر وابنه عبدالله، وعلي، وعائشة، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت، فهم سبعة فقط يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم سِفر ضخم، وان عبدالله بن عمر كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه نزل منازله، ويُصلي في كل مكان صلى فيه، وحتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة.

فكان بن عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس، وقد روى أبو داود عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لو تركنا هذا الباب للنساء ” قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات رواه أبي داود، وقد قال نافع: كان ابن عمر إذا قرأ ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) بكى حتى يغلبه البكاء، وحين سُئل نافع عما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: لا تطيقونه الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما، وكان ابن عمر كثير الصدقة، فقد روي أنه أتاه بضع وعشرون ألفا في مجلسه، فما قام حتى وزعها، وروى نافع أن ابن عمر فرّق في مجلس ثلاثين ألفا، ثم أتي عليه شهر ما أكل لحما.

وأن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان بعث إليه بمائة ألف، فما انقضى العام حتى نفدت جميعها، وكان ابن عمر يشتري الرقيق، ثم يعتقهم، وكان إذا رأى من رقيقه أمرا يُعجبه أعتقه، فعرف رقيقه ذلك منه، فكانوا يحسنون العمل أمامه، فيعتقهم، فعاتبه أصحابه قائلين: والله يا أبا عبد الرحمن ما هم إلا يخدعونك، فيقول: من خدعنا بالله انخدعنا له، وقال ابنه سالم أن ابن عمر ما لعن خادما قط إلا واحدا، فأعتقه، وقد ذكر مولاه نافع أن ابن عمر أعتق ألف إنسان أو يزيد، وقال طاووس بن كيسان: ما رأيت مصليا مثل ابن عمر أشد استقبالا للقبلة بوجهه وكفيه وقدميه، وكان حريصا على أن يبدأ الناس بالسلام، وكما كان ابن عمر يتتبع آثار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأوامره وأحواله ويهتم بها.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *