Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الحديث فى الجزء الثانى ومع أسوء شخصيه فى التاريخ ألا وهو عمرو بن لحى الخزاعى، وقد وقفنا معه عندما حدث أن اجتمع أشراف قبيلة مراد وتشاوروا بينهم في أمر يغوث فيمن هو أحق بإجلال الصنم والقيام بسدانته، فاستقر رأيهم أن يكون فيهم، لما فيهم من العدد والشرف، فلما بلغ ذلك بني أعلى وبني أنعم، قد حملوا يغوث وهربوا به حتى وضعوه في قبيلة بني الحارث بن كعب ويقال لهم أيضا بنو الديان، وفي وقت كان النزاع فيه قائما بين قبيلة مراد وبني الحارث بن كعب، فخرج وجوه قبيلة مراد للمفاوضات في تسليم إلههم، فلما أبت بني الحارث بن كعب تسليم يغوث إلى قبيلة مراد وتسوية أمر الديات، أرسلت قبيلة مراد جيشاً لمهاجمة قبيلة بني الحارث، فاستنجدت بنو الحارث بهمدان الساكنة في نجران، فنشبت بينهما معركة عرفت بيوم الرزم.

وقد حمل الجيش المتكون من اتحاد القبائل الثلاث وهم بطني طيء أنعم وأعلى مع بني الحارث بن كعب مع همدان، وقد حمل معه يغوث مستمدين منه الغوث والمدد، وقد انهزمت فيها قبيلة مراد ومنيت بخسارة كبيرة قبيحة، وبقي يغوث في بني الحارث، وقد قيل بعد ذلك أنه قد وافق يوم الرزم يوم بدر، وقد قيل أنه قد صار هذا الصنم طوطما لقبيلة مذحج، يدافع عنها ويذب عن القبيلة التي تستغيث به، والطوطم هو العلامة التي تتخذها القبيلة أو أي تشكيل قومي، وشعارا لها وكانوا يجعلون ألويتهم تحمل ذلك الطوطم أو العلامة، وقد ورد أن بعض الجاهليين تسموا بأسماء تعبدوا فيها ليغوث مثل عبد يغوث، ومنهم من كان فيِ مذحج، ومنهم من كان في قريش، ومنهم من كان في هوازن، وقد كان اسم قائد جيش بنو الحارث هو عبد يغوث الحارثي في يوم الكلاب الثاني التي دارت بينهم وبين تميم.

وذلك كما كان لدريد بن الصمة أخ اسمه عبد يغوث، ومن الغريب أنه لم يذكر أيا من الرواة عن مصير هذا الصنم وكيفية القضاء على مظاهر عبادته وهدم بيته، حتى إن ابن الكلبي قد أهمل ذكر ذلك في كتابه، فمصيره إلى الآن يعتبر مجهولا، وأما عن الصنم يَعُوق فهو عنهم من الآلهة الخمسة التي ذكرها القرآن عند قوم نوح عليه السلام، وهو أحد أهم الآلهة التي عبدها العرب في الجاهلية، وقد كان يعوق على صورة فرس مصنوعا من الصفر والرصاص، واسمه مشتق من الفعل عاق، أي ثبطه، مما يوحي بأنه كان إلها معيقا، وكان الأصل في عبادة الصنم يعوق أن عمرو بن لحي الخزاعي استخرج تمثاله من شط جدة مع تماثيل أربعة آلهة أخرى وهم ود وسواع ويغوث ونسر، ووزع تلك التماثيل على القبائل العربية في موسم الحج، فجاء مالك بن مرثد الهمداني.

فأعطاه عمرو تمثال يعوق فنصبه في موضع خيوان بالقرب من صنعاء، فعبدته قبيلة مذحج ومن والاها من أهل اليمن، وتقول رواية أخرى قد أوردها الطبري، أن عبادة يعوق كانت في كهلان توارثتها الأجيال إلى أن استقرت عبادته في مذحج، ويذكر أن عبادة يعوق لم تكن منتشرة بين العرب عامة ويظهر أنها كانت محصورة على قبيلة همدان، التي عبدت مذحج بشكل رئيسي، ولم يذكر الإخباريون أن العرب تسمت بأسماء تتعبد فيها ليعوق مثل عبد يعوق أو أمة يعوق، بل أن ورد بيت شعر ينسب إلى مالك بن نبط الهمداني الملقب بذي المعشار يذم عبادة يعوق ويدعو إلى عبادة الله وحده سبحانه وتعالى، وأما عن الصنم نسر أو نسرا فهو أحد آصنام قوم نوح عليه السلام، وهو أول من قدمه للعرب كان عمرو بن لحي ويشبه في شكله النسر.

وهكذا انتشرت الأصنام في جزيرة العرب حتى صار لكل قبيلة منها صنم، ولم تزل تلك الأصنام تُعبد من دون الله تعالى، حتى جاء الإسلام، وبُعث بالنبى الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقام بتطهير البيت الحرام من الأصنام، وبعث السرايا لهدم البيوت التي أقيمت للأوثان، فبعث القائد خالد بن الوليد لهدم بيت العزى وهي الطاغوت الأعظم لدى قريش بمنطقة نخلة، وبعث الصحابى الفارس سعد بن زيد لهدم بيت مناة التي كانت على ساحل البحر الأحمر، وبعث الصحابى القائد عمرو بن العاص إلى سواع التي تعبدها هذيل، فهدمت جميعها، وقد بين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، مصير عمرو بن لحي وسوء عاقبته، كما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه ” أى أمعاءه ” في النار”

” فكان أول من سيب السوائب ” وفي رواية أخرى ” فكان أول من غير دين إبراهيم ” والسوائب، هى جمع سائبة، وهي الأنعام التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء، ولقد كان أهل الجاهلية مع ذلك، فيهم بقايا من دين نبى الله إبراهيم عليه السلام، كتعظيم البيت، والطواف به، والحج والعمرة، والوقوف بعرفة ومزدلفة، وإهداء البدن، وإن كان دخلها شيء كثير من شوائب الشرك والبدعة، ومن أمثلة ذلك أن نزاراً كانت تقول في إهلالها: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، ومنها أيضا أن قريشا كانوا يقولون: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرم، وولاة البيت وقاطنو مكة، وليس لأحد من العرب مثل حقنا ومنزلتنا، وكانوا يسمون أنفسهم الحُمس، فلا ينبغى لنا أن نخرج من الحرم إلى الحل، فكانوا لا يقفون بعرفة، ولا يفيضون منها.

وإنما كانوا يفيضون من المزدلفة وفيهم أنزل اللهتعالى قوله فى سورة البقره ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) وكان هذا الوضع الذي كان سائدا في جزيرة العرب، حتم وجود رسالة سماوية تنتشل الناس من ضلالهم وتردهم إلى فطرتهم وتمحو مظاهر الشرك والوثنية من حياتهم، فكانت الرسالة الخاتمة، فمنذ أن بعث الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام وأمره ببناء البيت على التوحيد، واستوطنت ذريته مكه، ومعظم العرب يدينون بدينه، ويتبعون ملته فكانوا يعبدون الله ويوحدونه، ويلتزمون بشعائر دينه الحنيف، وظل الحال على ذلك قروناً من الزمان حتى بدأ الانحراف يدب إليهم مع طول العهد وتقادم الزمن، فكان أول من غير ملة إبراهيم ودعا إلى عبادة الأصنام، هو عمرو بن لحي الخزاعي ، حين قدم بلاد الشام فرآهم يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله.

فاستحسن ذلك وظنه حقاً، وقد ذُكر عنه أنه كان له رئي من الجن، فأخبره أن أصنام قوم نوح عليه السلام، وهى ود، وسواع، ويغوث ويعوق ونسر، مدفونة بجدة، فأتاها فاستثارها، ثم أوردها إلى تهامة، فلما جاء الحج دفعها إلى القبائل، فذهبت بها إلى أوطانها‏، وهكذا انتشرت الأصنام في جزيرة العرب حتى صار لكل قبيلة منها صنم، ولم تزل تلك الأصنام تُعبد من دون الله عز وجل، حتى جاء الإسلام، وبُعث الهادي البشير والنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، نوراً وضياءاً للعاملين، فقام بتطهير البيت الحرام من الأصنام، وبعث السرايا لهدم البيوت التي أقيمت للأوثان، وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) أن أول من دخل في هذه الآية عمرو بن لحي.

لأنه أول من غير دين الأنبياء، وأول من سيب السوائب ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، كما ثبت ذلك في الصحيح، وهكذا فقد بعث الله سبحانه وتعالى، الأنبياء والرسل، الكرام عليهم جميعا الصلاة والسلام، ما عرفنا منهم وما لم نعرف لغاية واحدة هي عبادة الله سبحانه وتعالىوحده لا شريك له، فبعث الله نبيه إبراهيم عليه السلام ولم يكن على وجه الأرض من مؤمنٍ بالله، فكفر قومه بما بُعث به وآمنت به زوجته السيده سارة ثم لوط عليه السلام، وقد بُعث إبراهيم عليه السلام بدعوة التوحيد التي ظلت باقية في ذُريته، فقال تعالى ( وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ) والكلمة الباقية هي كلمة التوحيد، ومن العراق موطن إبراهيم عليه السلام انتقل بدِين التوحيد إلى الشام، حيث تزوج هناك من السيدة هاجر أم اسماعيل عليه السلام، ثم أُمر إبراهيم بإبعادهما إلى مكة، فأصبحت ولاية البيت ومكة لإسماعيل عليه السلام.

Share Button

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *