Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع الخليفه الراشد عمر بن عبد العزيز وقد وقفنا عندما سار عمر بن عبد العزيز حتى وصل السويداء، وكان له فيها بيت ومزرعة، فنزل فيها فأقام مدة يرقب الأوضاع عن بعد، والسويداء هى الآن مدينة في الجمهورية العربية السورية وهي مركز محافظة السويداء، وتقع على بعد مائة كيلو متر جنوب مدينة دمشق، وتتربّع فوق قمم سلسلة جبلية بركانية خامدة يطلق عليها جبل العرب، ويتميز الجبل بجمال الطبيعة والمناخ المعتدل البارد صيفاً والبارد جداً في الشتاء وتتساقط الثلوج على أغلب المرتفعات الجبلية، وترتبط المحافظة بشبكة من الطرق الرئيسية التي تصل المدن الرئيسية بالقرى والبلدات، ويُشار إلى المدينة من قبل البعض بإسم فنزويلا الصغيرة.

وكان ذلك بسبب التدفق إلى المدينة من المهاجرين الفنزويليين من أصول سورية من الأثرياء، وسكان المدينة هم بشكل رئيسي من الموحدون الدروز إلى جانب أقلية كبيرة من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية حاليا، وكان بعد ذلك لعمر بن عبد العزيز، ثم رأى أن مصلحة المسلمين تقتضي أن تكون إقامته في دمشق بجوار الخليفة، لعله بذلك يستطيع أن يمنع ظلماً أو يشارك في إحقاق حق، فانتقل إلى دمشق فأقام بها، ولم يكن عمر بن عبد العزيز على وفاق تام مع الخليفة الوليد بن عبد الملك، ولذلك فإن إقامته في دمشق بجوار الوليد لم تخلُ من مشاكل، فالوليد يعتمد في تثبيت حكمه على ولاة أقوياء قساة، يهمهم إخضاع الناس بالقوة وإن رافق ذلك كثير من الظلم.

وبينما يرى عمر أن إقامة العدل بين الناس كفيل باستقرار الملك وائتمارهم بأمر السلطان، فكان يقول: الوليد بالشام، والحجّاج بالعراق، ومحمد بن يوسف وهو أخو الحجّاج، في اليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك في مصر، امتلأت والله الأرض جوراً، وفي عهد سليمان بن عبد الملك فقد تهيأت الفرص لعمر بن عبد العزيز بقدر كبير، فظهرت آثاره في مختلف الجوانب، فبمجرد تولي سليمان الخلافة فقد قرّب عمر وأفسح له المجال واسعاً، حيث قال: يا أبا حفص، إنا ولينا ما قد ترى ولم يكن بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به، وجعله وزيراً ومستشاراً ملازماً له في إقامته وسفره، وكان سليمان يرى أنه محتاج له في صغيره وكبيره.

فكان يقول: ما هو إلا أن يغيب عني هذا الرجل فما أجد أحداً يفقه عني، وقال في موضع آخر: يا أبا حفص، ما اغتممت بأمر ولا أكربني أمر إلا خطرت فيه على بالي، وقد كان لعمر بن عبد العزيز أثر كبير على سليمان في إصدار عدد من القرارات النافعة، ومن أهمها: عزل ولاة الحجّاج وبعض الولاة الآخرين، كوالي مكة خالد القسري البجلي، ووالي المدينة عثمان بن حيان، والأمر بإقامة الصلاة في وقتها، فقد أورد ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز: أن الوليد بن عبد الملك كان يؤخر الظهر والعصر، فلما ولي سليمان كتب إلى الناس عن رأي عمر: إن الصلاة كانت قد أميتت فأحيوها، وهناك أمور أخرى أجملها الذهبي بقوله: مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها.

وقدم سليمان بن عبد الملك المدينة فأعطى بها مالاً عظيماً، فقال لعمر بن عبد العزيز: كيف رأيت ما فعلنا يا أبا حفص؟ قال: رأيتك زدت أهل الغنى غنى وتركت أهل الفقر بفقرهم، وخرج سليمان ومعه عمر إلى البوادي، فأصابه سحاب فيه برق وصواعق، ففزع منه سليمان ومن معه، فقال عمر: إنما هذا صوت نعمة، فكيف لو سمعت صوت عذاب؟ فقال سليمان: خذ هذه المائة ألف درهم وتصدق بها، فقال عمر: أوخير من ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: وما هو؟ قال: قوم صحبوك في مظالم لم يصلوا إليك، فجلس سليمان فردّ المظالم، وأقبل سليمان بن عبد الملك ومعه عمر على معسكر سليمان، وفيه الخيول والجمال والبغال والأثقال والرجال، فقال سليمان: ما تقول يا عمر في هذا؟

قال: أرى دنيا يأكل بعضها بعضاً، وأنت المسؤول عن ذلك كله، فلما اقتربوا من المعسكر إذا غراب قد أخذ لقمة في فيه من فسطاط سليمان وهو طائر بها ونعب نعبة، فقال له سليمان: ما تقول في هذا يا عمر؟ فقال: لا أدري، فقال: ما ظنك أنه يقول؟ قال: كأنه يقول: من أين جاءت؟ وأين يذهب بها؟ فقال له سليمان: ما أعجبك، فقال عمر: أعجب مني من عرف الله فعصاه، ومن عرف الشيطان فأطاعه، ولما وقف سليمان وعمر بعرفة، جعل سليمان يعجب من كثرة الناس، فقال له عمر: هؤلاء رعيّتُك اليوم، وأنت مسؤول عنهم غداً، وفي رواية: وهم خصماؤك يوم القيامة، فبكى سليمان وقال: بالله أستعين، وظل عمر بن عبد العزيز قريباً من سليمان طيلة مدة خلافته، يَحوطه بنصحه ويشاركه مسؤولياته.

وقد اقترح الفقيه رجاء بن حيوة الكندي على الخليفة سليمان بن عبد الملك في مرض موته أن يولي عمر بن عبد العزيز، وقد قال ابن سيرين: يرحم الله سليمان، افتتح خلافته بإحياء الصلاة، واختتمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز، وكانت سنة وفاته سنة تسعه وتسعين من الهجره، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، وكان منقوش في خاتمه: أؤمن بالله مخلصاً، وقد تعددت الروايات في قصة استخلاف سليمان لعمر، ومنها ما ذكره ابن سعد في طبقاته عن سهيل بن أبي سهيل قال: سمعت رجاء بن حيوة يقول: لما كان يوم الجمعة لبس سليمان بن عبد الملك ثياباً خضراً من خز، ونظر في المرآة فقال: أنا والله الملك الشاب، فخرج إلى الصلاة يصلي بالناس الجمعة فلم يرجع حتى وعك.

فلما ثقل كتب كتاب عهده إلى ابنه أيوب، وهو غلام لم يبلغ، فقلت: ما تصنع يا أمير المؤمنين؟ إنه مما يُحفظ به الخليفة في قبره أن يستخلف الرجل الصالح، فقال سليمان: كتاب أستخير الله فيه وأنظر، ولم أعزم عليه، فمكث يوماً أو يومين، ثم خرقه ثم دعاني، فقال: ما ترى في داود بن سليمان؟ فقلت: هو غائب بقسطنطينية، وأنت لا تدري أحي هو أم ميت، قال: يا رجاء فمن ترى؟ فقلت: رأيك يا أمير المؤمنين وأنا أريد أن أنظر من يُذكر، فقال: كيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟ فقلت: أعلمه والله فاضلاً خياراً مسلماً، فقال: هو على ذلك، والله لئن ولّيته ولم أولِّ أحداً من ولد عبد الملك لتكونن فتنة ولا يتركونه أبداً يلي عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده، ويزيد بن عبد الملك غائب على الموسم.

قال رجاء : فيزيد بن عبد الملك أجعله بعده، فإن ذلك مما يسكنه ويرضون به، قلت: رأيك، فكتب بيده: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز، إني وليته الخلافة من بعدي، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيُطمع فيكم، وختم الكتاب، فأرسل إلى كعب بن حامد صاحب الشرطة أن مُر أهل بيتي فليجتمعوا، فأرسل إليهم كعب فجمعهم، ثم قال سليمان لرجاء بعد اجتماعهم: اذهب بكتابي هذا إليهم، فأخبرهم أنه كتابي ومُرهم فليبايعوا من وليت، ففعل رجاء، فلما قال لهم ذلك رجاء قالوا: سمعنا وأطعنا لمن فيه، وقالوا: ندخل فنسلم على أمير المؤمنين، قال: نعم، فدخلوا.

فقال لهم سليمان: هذا الكتاب وهو يشير لهم وهم ينظرون إليه في يد رجاء بن حيوة، هذا عهدي، فاسمعوا وأطيعوا وبايعوا لمن سميت في هذا الكتاب، فبايعوا رجلاً، ثم خرج بالكتاب مختوماً في يد رجاء، ثم قال رجاء: وأجلست على الباب من أثق به وأوصيته أن لا يريم حتى آتيه، ولا يُدخل على الخليفة أحداً، فخرجت، فأرسلت إلى كعب بن حامد العنسي، فجمع أهل بيت أمير المؤمنين، فاجتمعوا في مسجد دابق فقلت: بايعوا، قالوا: قد بايعنا مرة ونبايع أخرى، قلت: هذا أمير المؤمنين، بايعوا على ما أمر به، ومن سمى في هذا الكتاب المختوم، فبايعوا الثانية رجلاً رجلاً، فلما بايعوا بعد موت سليمان رأيت أني قد أحكمت الأمر، قلت: قوموا إلى صاحبكم فقد مات، قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *