Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع الخليفه الراشد عمر بن عبد العزيز وقد وقفنا عند شيوخه والذى كان منهم سعيد بن المسيب، وكان سعيد لا يأتي أحدا من الأمراء غير عمر بن عبد العزيز، وأيضا كان منهم سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، الذي قال فيه سعيد بن المسيب، كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به، وذات يوم دخل سالم بن عبد الله على الخليفة سليمان بن عبد الملك، وعلى سالم ثياب غليظة رثَّة، فلم يزل سليمان يرحب به، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره، وعمر بن عبد العزيز في المجلس، فقال له رجل من أُخريات الناس، ما استطاع خالك أن يلبس ثياباً فاخرة أحسن من هذه يدخل فيها على أمير المؤمنين؟ وكان على المتكلم ثياب سريَّة لها قيمة.

فقال له عمر، ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك، وقد تربى عمر بن عبد العزيز، وتعلم على أيدي كثير من العلماء والفقهاء، وقد بلغ عدد شيوخ عمر بن عبد العزيز ثلاثة وثلاثين شيخا، ثمانية منهم من الصحابة وخمسة وعشرون من التابعين، وكان أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، هو ثامن الخلفاء الأمويين، وهو عمر الثاني، والمقصود بذلك هو عمر الثانى بعد عمر الأول عمر بن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين، وقد ولد سنة واحد وستين في المدينة المنورة، ونشأ فيها عند أخواله من آل عمر بن الخطاب، فتأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة، وكان شديد الإقبال على طلب العلم.

وفي سنة سبعه وثمانين من الهجره، فقد ولّاه الخليفة الوليد بن عبد الملك على إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة واحد وتسعين من الهجره، فصار والياً على الحجاز كلها، ثم عُزل عنها وانتقل إلى دمشق، فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة قرّبه وجعله وزيراً ومستشاراً له، ثم جعله ولي عهده، فلما مات سليمان سنة تسعه وتسعين من الهجره، تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، وقد تميزت خلافة عمر بن عبد العزيز بعدد من المميزات، منها: العدلُ والمساواة، وردُّ المظالم التي كان أسلافه من بني أمية قد ارتكبوها، وعزلُ جميع الولاة الظالمين ومعاقبتُهم، كما أعاد العمل بالشورى، ولذلك عدّه كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين، كما اهتم بالعلوم الشرعية.

وكما اهتم بأمر بتدوين الحديث النبوي الشريف، وقد استمرت خلافة عمر بن عبد العزيز سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، حتى قُتل مسموماً سنة مائه وواحد من الهجره، فتولى يزيد بن عبد الملك الخلافة من بعده، وكان لعمر بن عبد العزيز أثر كبير في نصح الخلفاء وتوجيه سياستهم بالرأي والمشورة، إذ يحتل عمر مكانة متميزة في البيت الأموي، فقد كان عمه عبد الملك يجله ويعجب بنباهته أثناء شبابه، مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه ويزوجه من ابنته، ولكن لم يكن له مشاركات في عهد عبد الملك بسبب صغر سنه واشتغاله بطلب العلم في المدينة، ومع ذلك فقد أورد ابن الجوزي أنه كتب إلى عبد الملك كتاباً يذكّره فيه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه.

وقد جاء فيها: أما بعد، فإنك راع، وكل مسؤول عن رعيته، وقد حدثنا أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” كل راع مسؤول عن رعيته، ” الله لا اله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامه لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ” ويقال بأن عبد الملك قد ولّى عمر بن عبد العزيز على خناصره، ليتدرب على الأعمال القيادية في وقت مبكر، ويقال إن سليمان بن عبد الملك هو الذي ولاه عليها، وقد تأثر عمر بن عبد العزيز لموت عمه عبد الملك وحزن عليه حزناً عظيماً، وقد خاطب عمر ابن عمه مسلمة بن عبد الملك فقال له: يا مسلمة، إني حضرت أباك لما دفن، فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من أمر الله راعني وهالني، فعاهدت الله ألا أعمل بمثل عمله إن وليت، وقد اجتهدت في ذلك.

وفي ربيع الأول من عام سبعه وثمانين من الهجره، قد ولّى الخليفة الوليد بن عبد الملك عمر إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة واحد وتسعين من الهجره، وبذلك صار والياً على الحجاز كلها، ولكن قد اشترط عمر بن عبد العزيز لتوليه الإمارة ثلاثة شروط، وهو أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحداً، ولا يجور على أحد في أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال، ويترتب على ذلك أن يقل ما يرفع للخليفة من الأموال من المدينة، وأن يسمح له بالحج في أول سنة، لأن عمر بن عبد العزيز كان في ذلك الوقت لم يحج، وأن يسمح له بالعطاء أن يُخرجه للناس في المدينة، فوافق الوليد على هذه الشروط، وباشر عمر بن عبد العزيز عمله بالمدينة، وفرح الناس به فرحاً شديداً.

وقام عمر بتكوين مجلس للشورى بالمدينة سمي بمجلس فقهاء المدينة العشرة، فعندما جاء الناس للسلام على أمير المدينة الجديد وصلّى بهم، دعا عشرة من فقهاء المدينة وهم: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت، فدخلوا عليه فجلسوا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرّج الله على من بلغه ذلك إلا أبلغني.

وفي إمارته على المدينة المنورة فقد قام بتوسيع المسجد النبوي بأمر من الوليد بن عبد الملك، حتى جعله مئتي ذراع في مئتي ذراع، وزخرفه بأمر الوليد أيضاً، مع أنه كان يكره زخرفة المساجد، وفي سنة واحد وتسعين من الهجره، أي في أثناء إمارته على المدينة المنورة، قد حج الخليفة الوليد بن عبد الملك، فاستقبله عمر بن عبد العزيز أحسن استقبال، وشاهد الوليد بأم عينيه الإصلاحات العظيمة التي حققها عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة، وقد ذكر ابن الجوزي أن عمر بن عبد العزيز قد استعفى من المدينة، ففي سنة اثنين وتسعين من الهجره، عقد الخليفة الوليد لواء الحج للحجاج بن يوسف الثقفي ليكون أميراً على الحج، ولما علم عمر بن عبد العزيز بذلك.

كتب إلى الخليفة يستعفيه أن يمر عليه الحجاج بالمدينة المنورة، لأن عمر بن عبد العزيز كان يكره الحجّاج ولا يطيق أن يراه لما هو عليه من الظلم، فامتثل الوليد لرغبة عمر، وكتب إلى الحجّاج: إن عمر بن عبد العزيز كتب إليَّ يستعفيني من ممرك عليه، فلا عليك أن لا تمر بمن كرهك، فتنحّ عن المدينة، وقد كتب عمر بن عبد العزيز وهو والى على المدينة إلى الوليد بن عبد الملك يخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الحجاج وغشمه، مما جعل الحجاج يحاول الانتقام من عمر، لاسيما وقد أصبح الحجاز ملاذاً للفارين من عسف الحجاج وظلمه، حيث كتب الحجاج إلى الوليد: إن من قبلي من مُرّاق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق، ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن.

فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان، وخالد بن عبد الله القسري، وعزل عمر عبد العزيز، وقد كان ميول الوليد لسياسة الحجاج واضحاً، وكان يظن بأن سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة، وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبد العزيز ونصائحه، وقد أثبتت الأحداث فيما بعد أن ما كان يراه عمر بن عبد العزيز أفضل مما كان يسير عليه الوليد، وذلك بعد تولي عمر الخلافة وتطبيقه لما كان يشير به، وقد خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة المنورة وهو يبكي، ومعه خادمه مزاحم، فالتفت إلى مزاحم وقال: يا مزاحم، نخشى أن نكون من نفت المدينة، وهو يشير بذلك إلى قول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ” ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد “.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *