Share Button
إعداد … محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع غزوة الطائف وقد توقفنا عند فك الحصار والعوده من الطائف، فقد استشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أحد أصحابه من أصحاب الخبرة العسكرية والرأي السديد، وهو نوفل بن معاوية الديلي، ونوفل بن معاوية الديلي كان زعيم بني بكر، وهي القبيلة التي كانت متحالفة مع قريش بعد صلح الحديبية، وقاد قومه بني بكر لقتل خزاعة، والذي كان سببا في نقض صلح الحديبية، والذي رد بالرد الكافر على قومه، عندما قالوا له يا نوفل، إلهك إلهك، فقال يا بني بكر، لا إلهَ لكم اليوم، فهذا هو نوفل بن معاوية الذي ارتكب كل هذه الجرائم منذ شهرين أو ثلاثة في شهر شعبان فى السنة السادسة من الهجرة، والذي كان سببا في خروج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إلى فتح مكة المكرمة، ثم حُنين، ثم الطائف، وقد أسلم نوفل بن معاوية بعد كل ذلك، وحسن إسلامه، وانضم إلى الجيش المسلم.
وأصبح مستشارا أمينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم يولى الصحابى عمرو بن العاص قيادة سرية ذات السلاسل، ولم يمر على إسلامه شهور قليلة، ورأيناه صلى الله عليه وسلم، يقرب الصحابى خالد بن الوليد في كل أموره، حتى قال خالد “والله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، من يوم أسلمت يعدل بي أحدا من أصحابه فيما حَزبه” وهذا إحساس صادق من الصحابى القائد خالد بن الوليد، ومن المؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يسأل أصحابه مثل أبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعلي، وغيرهم أكثر من استشارته لخالد بن الوليد، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يُشعره دائما بقيمته وأهميته، ورأيناه صلى الله عليه وسلم، يولي عتاب بن أَسيد، على مكة المكرمة، ولم يكن قد أسلم إلا منذ أيام قليلة، وهكذا يكون التعامل مع الرجال، خاصةً الذين يتمتعون بملكات قيادية.
وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قمة الحكمة في التعامل مع الناس، وقمة الحكمة في إنزال الناس منازلهم، وقمة الحكمة في الاختيار من بين آرائهم صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ما غابت عنه رسالته قَط، فهو يريد أن يصل بدعوته إلى الناس لا أن يقتلهم، حتى وإن رفض أهل الطائف الإيمان، واستكبروا عنه، وقاوموا وقاتلوا، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ما زال يرجو إسلامهم، حتى مع مرور السنين تلو السنين، ومازال يرجو إسلامهم، حتى مع ذكريات الطائف في الزيارة الأولى، ومع واقع الطائف في الزيارة الثانية، ومازال يرجو إسلامهم، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “إنما مثلى ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التى تقع فى النار يقعن فيها.
فجعل ينزعن، ويغلبنه ويقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وهم يقتحمون فيها” وهكذا فإن أهل الطائف يدفعون أنفسهم في النار، ويقتحمون فيها، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حريص عليهم أكثر من حرصه على نفسه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هذا الموقف موقفا عارضا في حياته، إنه صلى الله عليه وسلم، أَبى أن يُهلك الطائف ومكة المكرمة حتى بعد أن عرض عليه ذلك ملك الجبال وجبريل عليهما السلام، وفعل ذلك أيضا قبل ذلك مع قبيلة دوس عندما رفضوا الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم ” اللهم اهدى دوسا وآتى بهم ” وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم، مع قريش بعد أن قتلت سبعين من خيار الصحابة في غزوة أحد، فقال صلى الله عليه وسلم ” اللهم اهدى قومى، فإنهم لا يعلمون ” ولقد صدق الله العظيم سبحانه وتعالى، الذي يقول فى كتابة الكريم فى سورة الأنبياء ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
فلم تكن رحمة للمسلمين فقط، ولكن رحمة لكل البشرية، ولكل الإنسانية، وكان من نتيجة هذه السياسة الحكيمة أن نوفل بن معاوية القائد العسكري المحنك يُدلي برأيه في قضية تنفع الإسلام والمسلمين، وإنها سياسة نبوية ثابتة ومستقرة، فقال نوفل بن معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم “يا رسول الله، هم ثعلب في جُحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك” أي أن أهل ثقيف مثل الثعالب في مكرهم، أي هم أصحاب دهاء وفطنة ومكر، ثم إنه يؤكد أنه لا مهرب لهم من هذه الحصون، فإن أقمت عليه أخذته، غير أنه يشير إلى شيء في غاية الأهمية، فيقول إن شوكة ثقيف وهوازن قد كسرت، ومعنوياتهم هبطت إلى الحضيض، ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم، وطارت فضيحتهم في الآفاق، لذلك قال نوفل في نظرة عميقة وتحليل دقيق وإن تركته لم يضرك، أي لو صبرت على الحصار، فستصل إلى مرادك، وستفتح الحصن.
لأن خطرهم أصبح معدوما، وسوف يضيع الوقت في حصارهم، وقد يكون طول الحصار ضارًا للجيش الإسلامي أكثر من نفعه، وهنا يعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، موازنة بين الأمرين، فيجد أن بقاءه في هذه البلاد أكثر من ذلك سيوقع الدولة الإسلامية في أضرار أكثر من الفوائد المحصلة، وهنا يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، القرار الصعب بالانسحاب إلى وادي الجعرانة حيث غنائم المسلمين، وترك حصار الحصن المنيع الطائف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، في منتهى الحسم في هذا القرار، ولكن المتحمسين والعاطفيين من أبناء الجيش الإسلامي لم يستريحوا لهذا الخبر، فأتوا بسرعة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا في استنكار نذهب ولا نفتحه؟ فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كثرة، فقد احترم رأيهم، وأراد أن يتعلموا الدرس بصورة عملية، فقال لهم صلى الله عليه وسلم ” اغدوا على القتال”
فسمح لهم بالقتال، وفي اليوم الثاني خرج المسلمون للقتال، وفي هذا اليوم بالذات أصيب المسلمون إصابات شديدة، إصابات بالغة فعلا، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعنفهم على القرار الذي رغبوا فيه، وإنما قال في “إنا قافلون غدا إن شاء الله ” وقد قَبِل المسلمون هذه المرة في سرور، وامتنعوا عن الجدل، واقتنعوا بعدم جدوى القتال، وبدءوا فعلا في جمع الرحال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يضحك، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يعلمنا الواقعية في الحياة، فليس عجيبا أبدا أو غريبا أن تفشل في أمر من الأمور، وليس بالضرورة أن تكون كل معاركنا، أو كل مشاريعنا ناجحة، لكن المهم ألا نغرق في العمل دون إدراك الواقع أنه غير قابل للتحقيق، وليس معنى هذا سرعة اليأس، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذل كل ما في الوسع، واستخدم كل وسيلة لفتح الحصن، ولكن الله لم يشأ، ولم ينجح المسلمون في فتحه، فقَبِل في واقعية جميلة جدا أن ينسحب.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *