Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع والى مصر قرة بن شريك العبسى وكان عندما بلغ قرة بن شريك، ما عزموا عليه فأتى بهم قبل أن يتفرقوا، فأمر بحبسهم في أصل منارة إسكندرية، واحضر قرة وجوه الجند، واحضرهم فسألهم، فأقروا، فقتلهم قرة، ومضى رجل ممن يرى رأي الخوارج إلى أبي سليمان فقتله، والخوارج هو اسم أطلقه مخالفو فرقة قديمة محسوبة على الإسلام، وكانو يسمون أنفسهم بأاهل الأيمان، وقد ظهرت هذه الطائفه في السنوات الأخيرة من خلافة الصحابي الجليل وأمير المؤمنين عثمان بن عفان، واشتهرت بالخروج على علي بن أبي طالب رضى الله عنه، بعد معركة صفين سنة سبعه وثلاثين من الهجره، لرفضهم التحكيم بين الإمام على بن أبى طالب، ومعاويه بن أبى سفيان، وكان ذلك بعد أن عرضوه عليهم، وقد عرف الخوارج على مدى تاريخهم بالمغالاة في الدين وبالتكفير والتطرف.

وأهم عقائدهم، هو تكفير أصحاب الكبائر، ويقولون بخلودهم في النار، وكفروا عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة رضى الله عنهم أجمعين، ويقولون ويحرضون بالخروج على الحكام الظالمين والفاسقين، وهم فرق شتى، ويلقب الخوارج بالحرورية والنواصب والمارقة والشراة والبغاة والمُحكمة، والسبب الذي من أجله سموا خوارج لأنهم خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ولم يرجعوا معه إلى الكوفة واعتزلوا صفوفه ونزلوا بحروراء في البداية، وسموا شراة لأنهم قالوا شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بعناها بالجنة، وسموا مارقة، وذلك للحديث النبوي الشريف، الذي أنبأ بأنه سيوجد مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية، إلا أنهم لا يرضون بهذا اللقب، وسموا المحكمة لإنكارهم الحَكمين وهما عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري.

وقالوا لا حكم إلا لله، ولقد توالت الأحداث بعد ذلك بين علي والذين خرجوا عليه، ومحاولته إقناعهم بالحجة، ولكنهم لم يستجيبوا، ثم قيام الحرب وهزيمتهم وهروبهم إلى سجستان واليمن، وبعثهم من جديد وتكوين فرق كانت لها صولات وجولات من حين لآخر على الحكام والأئمة المسلمين، ونعود إلى قره بن شريك، حيث كان يزيد بن أبي حبيب إذا أراد أن يتكلم بشيء فيه تقية من السلطان، تلفت وقال: أحذروا أبا سليمان، ثم قال يوما من ذاك: الناس كلهم أبو سليمان، وورد كتاب بالزيادة في المسجد الجامع، فأبتدأ في هدم ما كان عبد العزيز بناه لمستهل سنة اثنتين وتسعين، ووفد قرة إلى أمير المؤمنين بوفد أهل مصر، وأستخلف عليها عبد الملك بن رفاعة الفهمي، وابتدأ في بنيان المسجد في شعبان سنة اثنتين وتسعين، وجعل على بنائه يحيى بن حنظلة من بني عامر بن لؤي.

وكانوا يجمعون الجمعة في قيسارية العسل، حتى فرغ من بنيانه، وقدم قرة من وفادته في سنة ثلاث وتسعين، فاستنبط الإصطبل لنفسه من الموات وأحياه وغرسه قصبا، فكان يسمى إصطبل قرة، ويسمى أيضا إصطبل القاس، يعنون القصب، كما يقولون قاس مروان، ونصب النبر الجديد في الجامع في سنة أربعة وتسعين، فيقال: أنه لا يعلم اليوم في جند من الأجناد أقدم منه بعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دون قرة الديوان في سنة خمس وتسعين وهو المدون الثالث، ثم توفي قرة بن شريك بها وهو والى عليها ليلة الخميس، لست بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين، ودفن في مقبرتها، واستخلف على الجند والخراج عبد الملك بن رفاعة بن خالد الفهمى، فكانت ولاية قرة بن شريك عليها ست سنين إلا أياما، وهو قرة بن شريك بن مرثد بن حازم بن الحارث بن حبش.

بن سفيان بن عبد الله بن ناشب بن هدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان العبسي، وهو من بني عبس، وكان عندما قدم قرة بن شريك إلى مصر يوم الإثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة تسعين من الهجره، وبدأ أعماله بأن أقرَ عبد الأعلى بن خالد صاحب الشرط على عمله، وطلب إلى عبد الله بن عبد الملك الخروج من مصر، خرج عبد الله بما يملك من مال وذخائر، ولكن رسل الوليد بن عبد الملك اعترضوه عند وصوله إلى الأردن، واستولوا على ما معه من أموال، ولم توضح المصادر الأسباب التي دعت الوليد إلى مثل هذا الإجراء مع أخيه عبد الله، وقد قيل إن الخليفه الأموى الراشد عمر بن عبد العزيز، ذكر عنه ظلم الحجاج وغيره من ولاة الأمصار أيام الوليد بن عبد الملك.وقد أ

فقال: الحجاج بالعراق، والوليد بالشأم، وقرة بن شريك بمصر، وعثمان بن حيان، بالمدينة، وخالد بن عبد الله القسري بمكة، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلماً وجوراً فأرح الناس، فلم يمض غير قليل حتى توفي الحجاج ،ثم تبعه الوليد وقرة، وعزل عثمان وخالد، فاستجاب الله لعمربن عبد العزيز رضى الله عنه، وكان عندما ولى الوليد بن عبد الملك، قرة بن شريك مصر وعزل عنها أخاه عبد الله بن عبد الملك، وقال رجل من أهل مصر شعراً وكتب به إلى الوليد بن عبد الملك: عجباً ما عجبت حين أتانا، أن قد أمرت قرة بن شريك، وعزلت الفتى المبارك عنا، ثم فيلت فيه رأي أبيك، وفي سنة اثنين وتسعين من الهجره، طلب الوليد من قرة بناء جامع مصر والزيادة فيه فبدأ البناء، وكان الناس يصلون الجمعة في قيسارية العسل حتى فرغ قرة من بناء الجامع، وفي سنة ثلاثه وتسعين من الهجره.

وقد أخذ قرة أيضا بركة الحبش التي تنسب إلى قتادة بن قيس الحبشي فأحياها وغرس بها القصب فأصبحت تعرف ببركة القصب أو اصطبل قرة بن شريك، وفي سنة أربعه وتسعين من الهجره، نصب منبراً جديداً في الجامع الذي بناه، وقد عرف عن قرة بن شريك أنه كان جباراً صلبا، حيث تعاقد نحو مئة من الخوارج في الاسكندرية على قتله، وكمنوا له عند منارة الإسكندرية، ولكن أحد الرجال ويدعى أبا سليمان أبلغه عن الأمر، فأوقع بهم قرة بن شريك وقتلهم جميعاً، وتولي قرة بن شريك ولاية مصر ست سنوات من سنه تسعين إلى سته وتسعين من الهجره، وكان ذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك، الذي عزل أخاه عبد الله بن عبد الملك عنها وأسندها إلي قرة ، وكان الوليد بن عبد الملك قد أمر بتوسعة وتجديد جامع عمرو بن العاص فنهض بالأمر وجدد ووسع الجامع.

ولكن المؤرخين راحوا يشوهون هذا العمل بالقول، إن قرة بن شريك، كان إذا فرغ العمال والصناع من البناء دعا الخمور والزمور والطبول، فيشرب الخمر في المسجد طول الليل ويقول لنا الليل ولهم النهار وكان اشر خلق الله، والذي يجعلنا نميل إلي الاعتقاد بأنها شائعة لا أساس لها من الصحة أن ابن عبد الحكم والكندي وهما من المؤرخين القدامى، وهم أهل الثقة في تاريخ مصر وولاتها، لم يشيرا بأى شئ عن ولاية قرة بن شريك علي مصر فقد أشار إلي بنائه الجامع وتوسعته، ولكنهما لم يذكرا شيئا عن واقعة شرب الخمر وسماع الغناء بالمرة ولو كانت حدثت لما أغفلاها، ولا ندري من أين جاء بها المؤرخون المتأخرون، وقد دلت أوراق البردي العربية والتي اكتشفت في كوم اشقا، والتى تعود إلي عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك وولاية قرة بن شريك علي مصر.

وقد دلت هذه الأوراق علي أن كل ما رواه المؤرخون عن ظلم قرة وفسقه لم يكن صحيحا، فقد كشفت هذه الأوراق عن بيانات ومعلومات طيبة عن المجتمع المصري، والإدارة والنظام المالي وطريقة جباية الجزية والخراج وإسناد المناصب إلي الموظفين والتجارة وطرقها، وبناء العمائر والمساجد، وإنشاء الأساطيل وأثمان البضائع والبيوت والأرض فضلا عن عقود الزواج والبيع والشراء وما إلي ذلك من المكاتبات الخاصة التي تكشف عن بعض العادات والنظم الاجتماعية في ولاية قرة بن شريك ومنها يتضح أن الرجل لم يكن فاسقا ولا ظالما، بل كان يتحرى العدل بين الناس، ففي كتاب منه إلي صاحب كورة أشقوة نجده يأمره بان يرسل كشفا بالأماكن المختلفة لمعرفة عدد الرجال في كل مكان والجزية الواجب عليهم أداؤها وما يملكه كل رجل من الأراضي، وما يقوم به من أعمال.

ويطلب قرة من صاحب الكورة ألا يوجد أي مجال للشكوى أو الاستياء منه، ويذكره بأنه مصمم علي مكافأة من يسير سيرا حسنا ومعاقبة من يتنكب طريق العدل، وفي كتاب أخر يطلب قرة من الوالي إن يكون عادلا في تقدير الضرائب والواجبة علي كل فرد، وان يسهل علي الناس الاتصال به كي يسمع ما يقولون إذا كانت لهم شكاوى، وهكذا تدحض هذه الوثائق البردية المعاصرة ما يزعمه بعض المؤرخين من اتهام قرة بن شريك بالظلم والفسق ، ويصبح الأمر عبارة عن شائعات وأكاذيب كان يطلقها أعداء الدولة علي رجالها وظل الناس يرددونها جيلا بعد جيل حتى وصلت إلينا ولعل الأيام تكشف لنا عن الكثير من أوراق البردي وغيرها من الوثائق المعاصرة التي تعود إلي العصر الأموي، وعندها يمكن أن يتغير كثير من المفاهيم ومن النظر إلي التاريخ الأموي.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *