Share Button

بقلم / محمـــد الدكـــــرورى

إن هذا الشهر هو شهر الله المحرم، وهو شهر مبارك، وشهر كريم عظيم، ويجب أن نتقرب فيه إلى الله تعالى، بالطاعات، والصيام، وقراءة القرآن، ولكن وللأسف الشديد نجد أن البعض في هذا الشهر المبارك، شهر الله المحرم، يجاهر بالمعاصي، ويتباهى بها، ويترك الصلوات، ويقع في المحرمات، فيسمع الحرام، ويأكل الحرام، ويقع في الحرام، ويعين على الحرام، ونسى أن فى هذا الشهر العظيم المحرم، يوم عاشوراء، وما يدرى ما هو عاشوراء؟ ولو كان يعلم أن يوم عاشوراء يوم جليل القدر في الإسلام، وقد كان يصومه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وبعدها، وذلك شكراً لله على نعمته إذ نجا الله به نبيه موسى عليه السلام من فرعون.

وقد حصل ذلك في شهر محرم، من اليوم العاشر منه، فد أنجى الله عز وجل، نبيه موسى عليه السلام، ومن معه، فما كان من موسى عليه السلام، إلا أن صام ذلك اليوم شكرا لله على فضله عليه، ويجب أن يكون هذا هو دوما سلوك المؤمن، الشكر في السراء والصبر، عند البلاء، وفي كل عام كان نبى الله موسى يصوم العاشر من شهر محرم، شكرا لله على نصره، واعترافا بفضله، وهذا أصل فضل هذا اليوم، وقد كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية وكانت قريش بمكة واليهود بالمدينة يصومونه، ففي الصحيحين عن ابن عباس قال: ” قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

” ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه، فقال: فنحن أحق وأولى بموسى منكم ” فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه ” وكان لتأكيد فرض النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على صيامه قبل رمضان ثم نسخ لما فرض رمضان، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “حين صام رسول الله عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال: ” فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع ” رواه مسلم، وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما: فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم” وكان فرضه قبل رمضان.

وهذا ليس لصيام إلا لعاشوراء فلما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بصيام يوم عاشوراء مع تأكيده وحرصه على صيامه، فعن بن عمر قال: “صام النبي عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك ذلك” رواه البخارى ومسلم، وهذا دليل على نسخ الفرض وبقاء الاستحباب، ولقد بعث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من يبلغ الناس بصومه، وهذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في صيام فريضة ولا نافلة إلا في عاشوراء ورمضان، فعن الربيع بنت معوذ قالت: ” أرسل رسول الله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة فقال صلى الله عليه وسلم : من كان أصبح منكم صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح منكم مفطراً فليتم بقية يومه”

فتقول فكنا بعد ذلك نصوم ونصوّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها حتى يكون عند الإفطار ” رواه البخارى ومسلم، وفي رواية أخرى ” فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة نلهيهم حتي يتموا صومهم ” وقد جاء في فضل صيام يوم عاشوراء، تكفيره لذنوب سنة كاملة، فعن أبي قتادة أن رجلاً سأل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عن صيام يوم عاشوراء فقال صلى الله عليه وسلم: ” أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ” رواه مسلم، وهو في هذا الفضل لا يقاربه من فضل صيام النوافل إلا صيام يوم عرفة، فهو يكفر سنة ماضية وباقية، ومن صام عرفة وعاشوراء جمع أسباب تكفير ذنوب العام الماضي.

وتأكد ذلك في حقه أكثر من غيره، مع الأجر المكتوب لذات العمل، كالاستغفار يكثر منه المذنب، والتوبة الصادقة تقبل باستغفار واحد، ولكن الشارع ذكر تكفير الذنوب بالاستغفار وصيام عرفة وعاشوراء، ولم يذكر غيره من الفضائل والعواقب الحميدة، لأن الذنوب هي سبب رفع الخير، وجلب البلاء، ولقد كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يتحرى صيامه أكثر من غيره، بل قُرن تحريه بتحري رمضان فعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: ” ما رأيت النبى صلى الله عليه وسلم، يتحرى صيام يوم فضله على غيره، إلا هذا اليوم، وهو يوم عاشوراء، وهذا الشهر، ويعنى شهر رمضان” رواه مسلم، وكذلك أيضا شدة حرص الصحابة على صيامه والأمر به، والخوف من فواته.

فعن بن جرير الطبري، عن الأسود أنه قال: ما أدركت أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان آمر بصوم عاشوراء من علي وأبي موسى، وقد روى عن عبد الرحمن بن عوف أنه أضحى يوم عاشوراء حتى ارتفع النهار ولا يعلم ثم علم بعد ففزع لذلك، ثم صام وأمرنا بالصيام بعد أن أضحى، ويُشرع صيام يوم عاشوراء ويوماً قبله، وذلك مخالفة لليهود والنصارى، وذلك أنهم يصومونه منفرداً، وقد كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يصومه منفرداً ثم شرع صيام يوم قبله مخالفة لهم، وأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، شرع صيام التاسع والعاشر، وذلك أن عاشوراء سمي بهذا الاسم لكونه العاشر من محرم، والتاسع يُسمى تاسوعاء.

وقد أمر ابن عباس بصيام التاسع للعلم بالعاشر، وهكذا كان فعل السلف من الصحابة وغيرهم، يصومون عاشوراء ويوماً قبله، وقد ثبت هذا عن ابن عباس وابن سيرين وغيرهما، فقد كان محمد بن سيرين يصوم العاشر فبلغه أن ابن عباس كان يصوم التاسع والعاشر فصامهما، وعن بن عباس رضى الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في يوم عاشوراء: ” خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر” وأما صيام ثلاثة أيام عاشوراء ويوماً قبله ويوماً بعده فلا دليل صحيح فيه، ثم إن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قصد المخالفة، والمخالفة تحصل في صيام التاسع وحده، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه صام الحادي عشر.

وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن عمر أرسل إلى عبد الرحمن بن الحارث مساء ليلة عاشوراء أن تسحر وأصبح صائماً فأصبح عبد الرحمن صائماً، ومما لا يشرع في هذا اليوم من الأعمال، هو جعله مأتماً كما يفعله الرافضة، وموضعاً للحزن، وهذا من أشد المنكرات، والجهالات في الإسلام، ولقد سئل شيخ الإسلام بن تيميه، عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء، والمصافحة ‏وطبخ الحبوب وإظهار السرور وغير ذلك إلى الشارع : فهل ورد في ذلك عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه ‏وسلم حديث صحيح ؟ أم لا ؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك ‏بدعة أم لا ؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم والحزن والعطش.

وغير ذلك من الندب والنياحة ‏وقراءة المصروع وشق الجيوب، هل لذلك أصل ؟ أم لا ؟ فأجاب قائلا : الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه ‏وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا ‏روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا لا عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ‏لا صحيحا ولا ضعيفا لا في كتب الصحيح ولا في السنن ولا المسانيد ولا يعرف شيء من هذه ‏الأحاديث على عهد القرون الفاضلة، ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن ‏من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام.

ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام وأمثال ‏ذلك، ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم واستواء السفينة على ‏الجودي ورد يوسف على يعقوب وإنجاء إبراهيم من النار وفداء الذبيح بالكبش ونحو ذلك، ورووا ‏في حديث موضوع مكذوب على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء ‏وسع الله عليه سائر السنة ” ورواية هذا كله عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كذب وبهتان، فعليكم أن تصوموا هذا اليوم العظيم شكرا لله تعالى على نعمة إنجاء موسى ومن معه من بأس فرعون وجنوده، وأن تذكروا لله سبحانه وتعالى هذا الفضل العظيم، وأن تكثروا الصيام في هذا الشهر الكريم.

وأن تكثروا كذلك الذكر والطاعة فيه، وأن تعلموا أن بعض الناس يبتدع في يوم عاشوراء وفي هذا الشهر بدعا ما أنزل الله بها من سلطان ولم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، فعليكم أن تنزجروا عن تلك البدع وأن لا تشتغلوا بها، وأن تقتصروا على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفعله فهو الخير لكم في هذه الحياة وبعد الممات، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يأمر الأنصار بإمساك الطعام والشراب عن أطفالهم الصغار في هذا اليوم، وأن يشغلوهم باللعب، وذلك حض لهم على الصوم، فإذا كان الأطفال الصغار يشغلون عن الأكل والشرب في هذا اليوم باللعب فكيف بالكبار؟ فعلى الأصحاء والمرضى وغيرهم أن يلتمسوا الشفاء والعافية بصيام هذا اليوم احتسابا للفضل فيه عند الله سبحانه وتعالى.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *