Share Button

إعداد وتقديم / محمــــد الدكـــرورى

إن من أكثر القصص التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم هى قصة نبيه موسى عليه السلام، ولقد بيّن الله سبحانه وتعالى، الصراع الذي كان بين معسكر الحق الذي مثله النبي موسى عليه السلام، ومن آمن من قومه، وبين معسكر الباطل الذي زها بنفسه وبغى ببطشه وهو معسكر فرعون وجنده، وقد بيّن الله سبحانه وتعالى، كيف كانت الغلبة لمعسكر الحق، وكيف كانت العاقبة للمتقين الذين وعدهم الله سبحانه وتعالى، بالاستخلاف في الأرض، والتمكين من بعد أن تعرّضوا للابتلاءات والمحن التي اختبرت إيمانهم وثباتهم على أمر الله عز وجل .

فبعد انقضاء فترة موسى في مدينة مدين بعثه الله تعالى، وهو في طريق العودة إلى مصر، فعندما وصل موسى إلى الوداي المقدس طوى سمع النداء من الله عز وجل ويأمره بتبليغ الرساله، وعندما وصل موسى إلى فرعون، واجهه بما لديه من معجزات عظيمة أيده الله تعالى بها وهي العصا التي تستحيل إلى أفعى حقيقة، وضم اليد إلى الجناح فتخرج بيضاء، فأبى فرعون واستكبر، وتواجه موسى مع السحرة الذين جمعهم الفرعون الطاغية، فانتصر عليهم موسى وأيقن السحرة أن موسى رسول الله، فآمنوا جميعهم لما رأوا العصا تستحيل إلى أفعى حقيقية، وليس موهومة كالتي جاؤوا بها من خلال الخدع.

فلقد أرسل الله عز وجل نبيه موسى عليه السلام، إلى فرعون بالآيات البينات ودعاه إلى توحيد رب الأرض والسماوات، فقال فرعون منكرا وجاحدا، وما رب العالمين، فأنكر الرب العظيم الذي قامت بأمره الأرض والسماوات وكان له آية في كل شيء من المخلوقات فأجابه موسى هو: “هو رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين” ففي السماوات والأرض وما بينهما من الآيات ما يوجب الإيقان للموقنين، فقال فرعون لمن حوله ساخراً ومستهزئا بموسى،” ألا تسمعون”، فذكره موسى عليه السلام، بأصله وأنه مخلوق من العدم وصائر إلى العدم كما عدم آباؤه الأولون فقال موسى هو، “ربكم ورب آبائكم الأولين”.

وحينئذ بُهِت فرعون فادعى دعوى المكابر المغبون فقال:” إن رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون” فطعن بالرسول والمرسل فرد عليه موسى ذلك وبين له أن الجنون إنما هو إنكار الخالق العظيم فقال:” رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون” فلما عجز فرعون عن رد الحق لجأ إلى ما لجأ إليه العاجزون المتكبرون من الإرهاب فتوعد موسى بالاعتقال والسجن وخاب فقال: ” لئن اتخذت إلها غيرى لأجعلنك من المسجونين” ولم يقل لأسجننك ليزيد في إرهاب موسى، وإن لدى فرعون من القوة والسلطان والنفوذ ما مكنه من سجن الناس الذين سيكون موسى من جملتهم على حد تهديده وإرهابه.

وما زال موسى يأتي بالآيات كالشمس، وفرعون يحاول بكل مجهوداته ودعاياته أن يقضي عليها بالرد والطمس، فعندما أتى الوقت المناسب بعد العذاب الشديد الذي لقيه موسى وقومه من فرعون أن أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يخرج بقومه ليلا من مصر هربا من فرعون، فعندما عرف فرعون بذلك جمع جنده وخرج في أثر فرعون وقومه والذين كانوا هاربين منه إلى البحر الأحمر، وعندها خاف قوم موسى، فالبحر من أمامهم فإن ذهبوا إليه غرقوا وفرعون من خلفهم سيدركهم إن توقفوا عن المسير.

ولكن موسى يعرف أنّه تعالى معه سيهديه إلى الطريق الصحيح، وعندما وصل موسى عليه السلام إلى البحر، أمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه فانشق البحر بقدرةٍ من الله تعالى وظهر في وسطه الطريق الذي على موسى وقومه أن يسيروا فيه، فكانت هذه إحدى معجزات موسى عليه السلام الأخرى، فعندما مرّ موسى عليه السلام ومن معه من البحر وخرجوا منه، وعندما دخل فرعون وجنده إلى البحر بالكامل أمرّ الله تعالى البحر فانطبق عليهم وعاد إلى حاله الأصلية.

فبذلك نجى الله تعالى موسى عليه السلام وبني إسرائيل من فرعون وجنده وأغرقهم جميعا، فكان من قصة إغراقهم أن الله أوحى إلى موسى أن يسري بقومه ليلا من مصر فاهتم لذلك فرعون اهتماما عظيما، فأرسل في جميع مدائن مصر أن يحشر الناس للوصول إليه لأمر يريده الله، فجمع فرعون قومه وخرج في إثر موسى متجهين إلى جهة البحر الأحمر:” فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ” البحر من أمامنا فإن خضناه غرقنا، وفرعون وقومه خلفنا فإن وقفنا أدركنا.

فقال موسى:” كلا إن معى ريى سيهدين ” فلما بلغ البحر أمره الله أن يضربه بعصاه فضربه فانفلق البحر اثني عشر طريقا وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال، فلما تكامل موسى وقومه خارجين وتكامل فرعون بجنوده داخلين أمر الله البحر أن يعود إلى حاله فانطبق على فرعون وجنوده فكانوا من المغرقين.

وعندما غرق فرعون قال:” لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل”، ولكن توبته هذه وإيمانه لم تنفعه في شيء، وقد فسّر العلماء عدم قبول توبة فرعون بعددٍ من الأسباب منها أنه آمن بعد نزول العذاب وغرقه وهو وقت لا تقبل فيه التوبة، وسبب آخر هو أنه قال ذلك ليدفع العذاب عن نفسه كما كان يفعل عندما يطلب من موسى عليه السلام ذلك لدفع البلاء، وقد ذكر الله تعالى قصة فرعون وغرقه في القرآن الكريم وكيف نجّا الله تعالى جسد فرعون ليكون آية لمن خلفه وعبرة لهم .

فقال تعالى في قصة فرعون:”وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون” وقد اختلف العلماء المسلمون في المكان الذي غرق فيه فرعون وجنده هل كان بحرا، أم نهرا، والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر هذا المكان وسمّاه بالبحر في آيات معينة.

حين قال عز وجل (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون)، وفي مواضع أخرى سمّى الله هذا المكان يماً، قال تعالى: (فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم) والناظر في الآيات الكريمة السابقة يتبين له أنّ القرآن الكريم لم يفرّق بين البحر واليم؛ فكلاهما أُطلق على المكان الذي غرق فيه فرعون وجنوده، ولكن المفسّرين اختلفوا في تحديده على وجه الخصوص هل هو البحر المعروف باسم البحر الأبيض المتوسط الذي يفصل بلاد مصر عن بلاد الحجاز.

أم هو نهر النيل المشهور الذي ينبع من بلاد الحبشة ويمر في أراضي مصر، فمنهم من قال: إنه البحر الأبيض المتوسط ومنهم من رأى أنه نهر النيل، واستدلوا على ذلك بالآية الكريمة التي تحدثت عن قصة إلقاء موسى عليه السلام، في اليم وهو نهر النيل، والراجح من تلك الأقوال أنه البحر الأبيض المتوسط لقصد موسى عليه السلام، الأراضي المقدسة، وهي فلسطين عندما خرج من مصر، عليه السلام .

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *