Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع نبى الله هود عليه السلام، وكان عقب الطوفان الذي حدث لقوم نبى الله نوح عليه السلام لم يبقى على الأرض سوى المؤمنون الذين نجاهم الله في السفينة مع نبى الله نوح عليه السلام، وبعد أن توفاه الله نشأت أقوام متعددة ونسوا التوحيد وأشركوا بالله وبدأوا يعودون إلى عبادة الأوثان، فقد قال أحفاد قوم نبى الله نوح عليه السلام لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان، وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة وقام الناس بعبادتهم مع الله، وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية، وأرسل الله نبى الله هود عليه السلام إلى قومه، وهم قوم عاد الذين عبدوا الأصنام وأشركوا بالله، ويقول من لا ينطق عن الهوى رسول الله صلي الله عليه وسلم “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته” وقد أمر الله سماءه فأمسكت وأرضه فأجدبت فعاشت عاد تتشوف غيث السماء وتتحين، فبينما الطغاة والمعاندون وأتباعهم في لهوهم سادرون وفي غيهم لاهون، إذ أذن الله لجند من جنده أن يتحرك، أذن للهواء الساكن أن يضطرب ويهيج ويثور، فإذا هو يسوق السحاب سوقا، فلما رأوها مقبلة اوديتهم استبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا، وقال الله تعالى فى سورة الأحقاف ” بل هم ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم”

وكانوا عمالقة وأقوياء ورغم ضخامة أجسامهم، كانت لهم عقول مظلمة كانوا يعبدون الأصنام فقال لهم هود عليه السلام ” يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، لم يسمع قوم هود إلى نبيهم وتلفتوا حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض فأصابهم الكبرياء والعناد، وبدأ نبى الله هود عليه السلام يحدث قومه عن يوم أى هى ريح باردة عاتية فقال فيها الله عز وجل كما جاء فى سورة الذاريات ” ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ” وهى ريح عقيم، قال عنها رب العزة سبحانه وتعالى فى سورة الأحقاف ” تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزى القوم المجرمين ” وسخرها عليهم المنتقم الجبار سبع ليال وثمانية أيام، ومن قوتها أنها كانت تحملهم إلى أعلى، فتتصاعد أجسادهم إلى السماء ثم تنكسهم على رؤوسهم، فتندق أعناقهم، وهذا جزاء المستكبرين في الدنيا تراهم صرعي، فقال الله تعالى فى سورة الحاقة ” سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية ” ويقول رب العزة سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم ” وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون ” وأنه كان بعد قوم نوح عليه السلام والطوفان، لم يكن هناك قلب واحد كافر فى الأرض، ومرت سنوات وسنوات، ومات الآباء والأبناء، نسى الناس وصية نبى الله نوح عليه السلام وعادت عبادة الأصنام وبخبث الشيطان عادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية، وأرسل الله نبى الله هود عليه السلام إلى قومه، وكان هود عليه السلام من قبيلة اسمها “عاد” وكانت تسكن مكانا يسمى “الأحقاف” وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم فى قوة الأجسام والطول والشدة.القيامة وأفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة ضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هى ضرورة تتصل بحياة الناس، وذلك أن يوم القيامة هو اليوم الذى تعاد فيه جميع القضايا مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد نظرها مرة ثانية ويحكم فيها رب العالمين سبحانه، وظل يحدثهم عن الإيمان ببعث الأجساد والوقوف للحساب، ثم تلقى الثواب والعقاب ودخول الجنة والنار، وحدثهم نبى الله هود عليه السلام بكل هذا ولكنهم كذبوه ” وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم فى الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون” واستغرب قوم هود أن الله يبعث من فى القبور فقالوا “أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون، هيهات هيهات لما توعدون، إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين” واستغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان بعد تحوله على تراب، وظل الملأ يتساءلون أليس هذا النبى بشر مثلنا يأكل مما نأكل ويشرب مما نشرب بل لعله بفقره يأكل أقل مما نأكل.

فكيف يدعى أنه على الحق ونحن على الباطل، فقال لهم نبى الله هود عليه السلام إن الله يهلك الذين كفروا مهما يكونوا أقوياء ، فقال له الكافرون ستنجينا آلهتنا، وأفهمهم نبى الله هود أن هذه الآلهة التى يعبدونها لتقربهم من الله، هى نفسها التى تبعدهم عن الله، أفهمهم أن الله هو وحده الذى ينجى الناس وأن أى قوة أخرى فى الأرض لا تستطيع أن تضر أو تنفع، وقد استمر الصراع بين نبى الله هود عليه السلام وقومه، وكلما مرت الأيام زاد قوم هود استكبارا وعنادا وطغيانا وتكذيبا لنبيهم وبدءوا يتهمونه بأنه مجنون وقالوا له “وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين” بعد ذلك لم يعد يبق لنبى الله هود عليه السلام إلا التحدى، ولم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده، وهو على يقين بأنه لا شىء يعجز الله، وبهذا الإيمان بالله والثقة بوعده يخاطب نبى الله هود عليه السلام الذين كفروا من قومه، وقد أعلن يخاطب نبى الله هود عليه السلام، براءته منهم ومن آلهتهم وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه، فإن الله يعذب الذين كفروا مهما كانوا أقوياء أو أغنياء أو عمالقة، وانتظر نبى الله هود عليه السلام وقومه وعد الله، وبدأت الأرض فى الجفاف، ولم تعد السماء تمطر، وكانت الشمس تلهب رمال الصحراء وتبدو مثل النار التى تستقر على رءوس الناس، فذهب قوم نبى الله هود عليه السلام إليه وسألوه ما هذا الجفاف يا هود.

فقال لهم إن الله غاضب عليكم، ولو أمنتم فسوف يرضى الله عنكم ويرسل المطر فيزيدكم قوة إلى قوتكم، وسخر منه قومه وزادوا فى العناد والسخرية، فزاد الجفاف ومات الزرع، وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء وقد فرح قوم نبى الله هود عليه السلام وخرجوا من بيوتهم فرحين، ولكنه قد تغير الجو فجأة، من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس، وبدأت الرياح تهب، وارتعش كل شىء الأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام، وارتعش الجلد واللحم والعظام، واستمرت الرياح ليلة بعد ليلة وفى كل ساعة كانت برودتها تزداد وبدأ قوم نبى الله هود عليه السلام يفرون ويختبئون فى الخيام فاقتلعت الخيام، واختبئوا تحت الأغطية فاشتد هبوب الرياح وتطايرت الأغطية، وكانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد وتنفذ من الجسد وتدمره، لا تكاد الرياح تلمس شيئا إلا قتلته ويقول عز وجل” فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شىء بأمر ربها” واستمرت الرياح مسلطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها أبدا، ثم توقف الريح بإذن ربها فيقول عز وجل”سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعا كأنهم أعجاز نخل خاوية” ولم يعد باقيا من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت، فهلكوا جميعا.

ونجا نبى الله هود عليه السلام ومن آمن معه، ونجد هنا فى قصة نبى الله هود عليه السلام إن الحقيقة الأولى التي واجه بها نبى الله هود عليه السلام قومه هي تقرير أن المستحق للعبادة هو الله وحده، ولا أحد سواه يستحق العبادة، فها هو ذا يخاطب قومه بقوله كما جاء فى سورة الأعراف “يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره” وقد كان خطابه لقومه عليه السلام خطاب الناصح المشفق عليهم، الذي يريد الخير لهم، ويتألم لما هم عليه من الشرك والضلال، يرشد لهذا قوله كما جاء فى سورة الأعراف “أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين” ثم أعلن لهم مبدأ المفاصلة، فبين لهم أن موقفه منهم موقف المتبرئ من شركهم، والمتحدي لطغيانهم، والمعتمد على الله في الانتصار عليهم، وهذا ما عبر عنه بقوله كما جاء فى سورة هود “إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون، من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، إني توكلت على الله ربي وربكم” وكان نبى الله هود عليه السلام يذكر قومه أنه لا يريد على دعوته جزاء ولا شكورا، وذلك كما جاء فى سورة هود ” ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله ” فنبى الله هود عليه السلام كغيره من الرسل والدعاة الصادقين يلتمس أجره من الله، وليس هذا فحسب، بل إن نبى الله هود عليه السلام يذهب في دعوته أبعد من ذلك، فيبين لقومه أنهم إن تركوا ما هم فيه من الضلال والغي.

والتزموا شرع الله، فإن الله تعالى سوف يفتح عليهم من خزائن رحمته، ويمدهم من فضله، ويزيدهم قوة إلى قوتهم، وغنى إلى غناهم، كما جاء ذلك فى سورة هود ” ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم” وأردف ذلك بتذكير قومه بما أنعم الله عليهم من نعم، وما منّ عليهم من منن، فقال تعالى فى سورة الأعراف” واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة” وتخبرنا بعض الآيات الواردة، أنه عليه السلام بذل أقصى جهده في تذكير قومه بنعم الله عليهم، وتحذيره إياهم من كفرانها، وختم إرشاده لهم بأن بين لهم أنه حريص على مصلحتهم، وأنه يخشى عليهم إذا لم يستجيبوا لدعوته أن ينزل بهم عذاب عظيم، فقال الله تعالى فى سورة الشعراء” أمدكم بأنعام وبنين، وجنات وعيون، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم” وغير أن هذا التذكير لم يزيد قومه إلا إصرارا في غيهم، وعنادا في ضلالهم، حيث أجابوه بقولهم كما جاء فى سورة الأحقاف” قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين” وكان موقفهم من دعوته موقف المتكبر والمتجبر والمستعلي، حيث خاطبوه بقولهم كما جاء فى سورة الأعراف “إنا لنراك في ضلال مبين” وقالوا له أخرى كما جاء فى سورة هود “إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء” ولما لم يفلح هود في ثني قومه عما هم فيه من الضلال والغي، واجههم بالعاقبة التي سيؤول إليها أمرهم.

Peut être une image de 1 personne

1
Vu par 2 personnes
J’aime

 

Commenter

Commentaires

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *