Share Button
فى طريق النور ومع وما الحياة الدنيا …؟ ” الجزء الثالث “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع وما الحياة الدنيا …؟ فسبحان الله العظيم الذي عرّف أولياءه غوائل الدنيا وآفاتها، وكشف عن عيوبها وعوراتها، حتى نظروا في شواهدها وآياتها، ووزنوا بحسناتهم سيئاتها، فعلموا أنه يزيد منكرها على معروفها، ولا يفي مرجوها بمخوفها، ولا يسلم طلوعها من كسوفها، ولكنها في صورة امرأة مليحة تستميل الناس بجمالها، ولها أسرار سوء قبائح تهلك الراغبين في وصالها، ثم هي شحيحة بإقبالها، وإذا أقبلت لم يؤمن شرها ووبالها، إن أحسنت ساعة أساءت سنة، وإن أساءت مرة جعلتها سنة، فدوائر إقبالها على التقارب دائرة، وتجارة بنيها خاسرة بائرة، وآفاتها على التوالي لصدور طلابها راشقة، ومجاري أموالها بذل طالبيها ناطقة.
فكل مغرور بها إلى الذل مصيره، وكل متكبر بها إلى التحسر مسيره، شأنها الهرب من طالبها، والطلب لهاربها، ومن خدمها فاتته، ومن أعرض عنها أتته، لا يخلو صفوها عن شوائب الكدور، ولا ينفك سرورها عن المنغصات، سلامتها تعقب السقم، وشبابها يسوق إلى الهرم، ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم، ﺛﻢ ﺃﺷﺎﺭ ﺟﻞ ﺷﺄﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺍﻻﺿﻤﺤﻼﻝ ﻛﻤﺜﻞ ﻏﻴﺚ ﺭﺍﻕ ﺍﻟﺰﺭﺍﻉ ﻧﺒﺎﺗﻪ ﺍﻟﻨﺎﺷﺊ ﺑﻪ، ﺛﻢ ﻳﻬﻴﺞ ﻭﻳﺘﺤﺮﻙ، ﻭﻳﻨﻤﻮ ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﺎ ﻗﺪﺭﻩ الله ﻟﻪ، ﻓﺴﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﻣﺼﻔرا ﻣﺘﻐﻴﺮﺍ ﺯﺍبلا ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﺃﺧﻀﺮ ﻧﺎﺿرا ﺛﻢ ﻳﺼﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻴُﺒﺲ ﻫﺸيما ﻣﺘﻜﺴﺮا ﻓﻔﻴﻪ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺑﻤﺪﺓ ﻧﺒﺎﺕ ﻏﻴﺚ ﻭﺍﺣﺪ ﻳﻔﻨﻰ ﻭﻳﻀﻤﺤﻞ.
ﻭﻳﺘﻼﺷﻰ ﻓﻲ ﺃﻗﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺳﺮﻋﺔ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﻭﻗﺮﺏ ﻓﻨﺎﺋﻬﺎ، ﻭﺑﻌﺪﻣﺎ ﺑﻴّﻦ الله عز وجل ﺣﻘﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺳﺮﻋﺔ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﺗﺰﻫﻴﺪﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺗﻨﻔﻴرا ﻭﺗﺤﺬﻳﺮا ﻣﻦ ﺍﻻﻧﻬﻤﺎﻙ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻬﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻓﺨﺎﻣﺔ ﺷﺄﻥ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻭﻓﻈﺎﻋﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻻﻡ، ﻭﻋﻈﻢ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﺗﺮﻫﻴﺒﺎ ﻭﺗﺮﻏﻴبا ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﺍﻟﻤﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻋﻴﻦ ﺭﺃﺕ، ﻭﻻ ﺃﺫﻥ ﺳﻤﻌﺖ، ﻭﻻ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺑﺸﺮ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺴﻤﺎﻥ، ﻓﻄﻨﺎﺀ ﻗﺪ ﻭﻓَّﻘﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻌﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﺎ ﻇﻞ ﺯﺍﺋﻞ، ﻭﻧﻌﻴﻢ ﺣﺎﺋﻞ، ﻭﺃﺿﻐﺎﺙ ﺃﺣﻼﻡ ﺑﻞ ﻓﻬﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﺎ نعم ﻓﻲ ﻃﻴﻬﺎ ﻧِﻘﻢ، ﻭﻋﺮﻓﻮﺍ ﺃﻧﻬﺎ ﺣﻴﺎﺓ ﻓﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻣﻌﺒﺮ ﻭﻃﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ، ﻓﺮﺿﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻴﺴﻴﺮ، ﻭﻗﻨﻌﻮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ ﻓﺎﺳﺘﺮﺍﺣﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﻤﻬﺎ ﻭﺃﺣﺰﺍﻧﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﺮﺍﺣﺖ ﺃﺑﺪﺍﻧﻬﻢ ﻣﻦ نصبها ﻭﻋﻨﺎﺋﻬﺎ.
ﺟﻌﻠﻮﺍ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻭﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀﻩ ﻧﺼﺐ ﺃﻋﻴﻨﻬﻢ، ﻭﺗﺪﺑﺮﻭﺍ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺼﻴﺮﻫﻢ، ﻭﻓﻜﺮﻭﺍ ﻛﻴﻒ ﻳﺨﺮﺟﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺳﺎﻟﻢ ﻟﻬﻢ، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻌﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺒﻮﺭﻫﻢ، فيقول تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم” ويقول تعالى ” يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا” فإنهم ﺃﺩﺭﻛﻮﺍ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻓﺘﺄﻫﺒﻮﺍ ﻟﻠﺴﻔﺮ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ، ﻭﺃﻋﺪﻭﺍ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻟﻠﺤﺴﺎﺏ، ﻭﻗﺪﻣﻮﺍ ﺍﻟﺰﺍﺩ ﻟﻠﻤﻌﺎﺩ، ﻭﺧﻴﺮ ﺍﻟﺰﺍﺩ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻓﻄﻮﺑﻰ ﻟﻬﻢ ﺧﺎﻓﻮﺍ ﻓﺄﻣﻨﻮﺍ ﻭﺃﺣﺴﻨﻮﺍ ﻓﻔﺎﺯﻭﺍ ﻭﺃﻓﻠﺤﻮﺍ، فﺇﻥ لله عبادا ﻓﻄﻨﺎ ﻃﻠﻘﻮﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺧﺎﻓﻮﺍ ﺍﻟﻔِﺘﻨﺎ، ﻧﻈﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺤﻲ ﺳﻜﻨﺎ، ﺟﻌﻠﻮﻫﺎ ﻟﺠﺔ ﻭﺍﺗﺨﺬﻭﺍ، ﺻﺎﻟﺢ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻔﻨﺎ، وإن معرفة الدنيا لا تكفيك ما لم تعرف حقيقة الدنيا المذمومة ما هي؟
وما الذي ينبغي أن يجتنب منها وما الذي لا يجتنب؟ فلا بد وأن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها لكونها عدوة قاطعة لطريق الله عز وجل، ونقول هي دنياك، وآخرتك عبارة عن حالتين من أحوال قلبك، فالقريب الداني منها يسمى دنيا، وهو كل ما قبل الموت، والمتراخي المتأخر يسمى آخره، وهو ما بعد الموت، فكل ما لك فيه حظ ونصيب، وغرض وشهوة، ولذة عاجل الحال، قبل الوفاة فهي الدنيا في حقك، إلا أن جميع مالك إليه ميل، وفيه نصيب وحظ، فليس مذموم بل هو ثلاثة أقسام، فالأول هو ما يصحبك في الآخرة، وتبقى معك ثمرته بعد الموت، وهو شيئان، العلم والعمل فقط، والمراد بها ما يكون من علوم الشريعة والدين لا علوم الدنيا.
Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *