Share Button

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع وهو يهدى السبيل، وقد ذكر بعض أصحاب كتب الأدب والسلوك أن تاجرا غنيّا واسع المال، كان على طرف بحيرة في مكان أراد فيه الاستجمام، فرأى صيادا في قاربه، وصعد معه، ووجد أنه يصيد ما تيسّر له من أسماك البحيرة، ويعود به إلى أهل بيته، فيتناول منه ما شاء طعاما، ويبيعه ما بقي في السوق، ويستفيد منه المال، فقال له هذا التاجر بعد أن رآه يفعل ذلك عدة أيام لِما لا تزيد في صيدك، بأن تجعل لك أكثر من قارب؟ وأن تجعل معك من أولادك وغيرهم من يساعدك؟ قال لِما؟ قال حتى تستكثر من الأسماك وتبيعها زيادة منها، قال ثم ماذا؟ قال تفتح لك دكانا وتستزيد في بيع الأسماك، قال ثم ماذا؟

قال تتوسع وتجعل لك مؤسسة وفروعا، قال ثم ماذا؟ قال يزيد مالك ويكثر حلالك، قال لأجل ماذا؟ قال حتى يكون عندك المال الكثير الذي تجد معه السعادة وتشتري به ما شئت وتوفر به مطالبك، قال إن هذه الدائرة التي تبغيني أن أدخل فيها محصلة لدي بهذا الجهد اليسير، فهذا المال الذي تقول أستزد به وأستزد في أعمالك، محصل بين يدي الآن، وماذا أبتغي أكثر من أن أجد ما أقتات به قوت يومي، وأحصل به مالا يكفيني في يومي؟ فكان جوابه عبرة له ودرسا، وهذا هو معنى القناعة التي يتكلم عنها الحكماء، فإن الإنسان مطلوب منه ولا شك أن يوفر ما يكفيه حاجته، ويكفه عن سؤال الآخرين، وما يحصل به أيضا حاجة أهله وأولاده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

“إنك أن تذر أولادك أغنياء، خيرا من أن تذرهم عالة يتكففون الناس” يعني يسألونهم، وكما قال ربنا جل وعلا فى سورة النساء ” وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم” يعني بما يكفونهم عن حاجة الآخرين، وهذا مطلب يسعى إليه الإنسان، لكن المنهج الشرعي يمنع من مكاثرة المال واكتنازه لذاته، دون أن يكون الهدف منه تحصيل الحاجات والإحسان إلى الآخرين، ودون أن يكون الإنسان بعيدا عن تعلق القلب بالمال الذي يجعل الإنسان يظن أن وجود المال هو سعادة الدنيا بأسرها، وإنما الأمر كما تقدم عرضه أن المال ليس السبيل الأوحد لحصول السعادة والحياة الطيبة، وإنما هو وسيلة من الوسائل بما يجتزئه الإنسان منه لتحقيق حاجاته.

وإن أجرهم في الآخرة بأحسن ما كانوا يعملون، كما قال ربنا في جنة عرضها السموات والأرض، وصفها النبي صلى الله عليه وسلم وقال “فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر” ومن تأمل نعيم الآخرة والجنة، اضمحل في نظره كل نعيم، وكل لذة في الدنيا، ويقول الله تعالى فى سورة المؤمنون “إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون” فإن لم نؤمن بالآخرة ازينت لنا أعمالنا السيئة، رأيناها أعمالا جليلة، رأيناها أعمالا عظيمة، انطلقنا نحوها افتخرنا بها، لهونا بها، جعلناها زينة لنا، بنينا شرفنا عليها، فإن الإنسان إن لم يؤمن بالآخرة هناك نتيجتان خطيرتان، الأولى أنه يخرج عن الصراط المستقيم.

لا يبالي من أين يكسب المال، لا يبالي كيف ينفقه، لا يبالي أكان استمتاعه بالشهوات التي أودعها الله فيه وفق المنهج الإلهي، أم خلاف المنهج الإلهي، إذا لم يؤمن بالآخرة، لم يدخلها في حساباته اليومية، لم يدخلها في كل حركة وسكنة، في كل منع وعطاء، في كل موقف، إن لم يدخل الآخرة في حساباته اليومية لابد من أن يخرج عن الصراط المستقيم، إذن لمجرد أن ترى أن إنسانا ينحرف عن طريق الحق، يأخذ ما ليس له، يستمتع بما لا يحق له أن يستمتع به، ينحرف في كسب المال أو في إنفاقه، أو في ممارسة الشهوة، أو اجتنابها، فإن رأيت الإنسان يخرج عن طريق الحق، ويخرج عن الصراط المستقيم، فاعلم علم اليقين أن هذا لخلل في إيمانه بالآخرة.

Share Button

By ahram

جريدة اهرام مصر .موقع ويب اخبارى واعلامى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *